خبير دولي: صمت العالم تجاه تهديد سفينة «مادلين» يعتبر تواطؤًا مباشرًا في الجريمة الإسرائيلية

خبير دولي: صمت العالم تجاه تهديد سفينة «مادلين» يعتبر تواطؤًا مباشرًا في الجريمة الإسرائيلية

هاجم الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، الصمت الدولي المشين إزاء التهديدات الإسرائيلية لسفينة مادلين، معتبراً أن هذا الصمت يرقى إلى مستوى الشراكة المباشرة في الجرائم الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.

وقال الدكتور مهران ، إن العالم الذي يقف متفرجاً على تهديد نشطاء دوليين يحملون طعاماً ودواءً لأطفال غزة الجوعى، هو عالم فقد بوصلته الأخلاقية ويشارك بصمته في أبشع جرائم عصرنا، مضيفا ان الانتظار ومتابعة الجريمة يجعله شريكاً فيها، وهذا ما يحدث اليوم أمام أعين العالم المتواطئ.

ووفقاً للقانون الدولي، أكد مهران أن تهديد إسرائيل لسفينة مادلين ينتهك عدة مبادئ أساسية في القانون الدولي، أبرزها حرية الملاحة في المياه الدولية المنصوص عليها في المادة 87 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تكفل حق جميع الدول في الملاحة الحرة في أعالي البحار.

كما أشار إلي ام هذا التهديد ينتهك المادة 70 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف التي تنص على حماية المساعدات الإنسانية وعدم جواز مهاجمتها أو عرقلة وصولها للمدنيين، موضحا أن الحصار المفروض على غزة ذاته يشكل انتهاكاً للمادة 54 من نفس البروتوكول التي تحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب.

وأوضح الخبير الدولي أن أي اعتداء على النشطاء الدوليين سيشكل جريمة حرب وفقاً للمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، خاصة الفقرة التي تجرم الهجمات المتعمدة ضد المشاركين في مهمة إنسانية، بالإضافة لانتهاك مبدأ الحصانة الدبلوماسية للأشخاص الذين يحملون جنسيات دول مختلفة وعضويات في البرلمانات.

وتساءل مهران: ما هي جريمة غريتا ثونبرغ وليام كانينغهام وريما حسن والنشطاء الآخرين؟ هل جريمتهم أنهم يحملون حليب الأطفال للرضع الفلسطينيين؟ أم أن جريمتهم تكمن في حمل الأدوية للمرضى والجرحى؟ أم أن الجريمة الكبرى هي إحضار الأطراف الصناعية للأطفال الذين بترت إسرائيل أجسادهم؟.

وأكد بحدة أن هؤلاء النشطاء ليسوا مجرمين بل أبطال حقيقيون يجسدون أفضل ما في الإنسانية، بينما الحكومات التي تدعي الحضارة تختبئ خلف مكاتبها وتتفرج على المأساة، مضيفا ان العار ليس على من يحمل الطعام للجوعى، بل على من يمنعه من الوصول ومن يصمت على هذا المنع.

وأوضح الدكتور مهران أن هدف السفينة واضح وشريف وهو كسر الحصار الإجرامي المفروض على مليونين وأربعمئة ألف إنسان كل هذه المدة بالمخالفة للقانون الدولي الإنساني، متابعا: هؤلاء النشطاء لا يحملون أسلحة أو متفجرات، بل يحملون الأمل والضمير الإنساني الذي مات في قلوب الحكام والساسة حول العالم.

كما أشار إلى أن كل كيلوغرام من الطحين والأرز على متن السفينة يمثل صرخة ضد الظلم وتأكيداً على أن الإنسانية لم تمت بعد، مشيرا إلي انه عندما تصبح المساعدات الإنسانية تهديداً أمنياً في نظر إسرائيل، فهذا يكشف طبيعتها الإجرامية الحقيقية ويؤكد أنها تعيش على دماء الأبرياء.

وانتقد الدكتور مهران بشدة الصمت الدولي المتواصل، قائلاً: العالم الذي يفرض عقوبات مدمرة على دول لأسباب أقل بكثير، يقف عاجزاً أمام دولة تهدد بالقتل والتنكيل بنشطاء يحملون طعاماً للأطفال، موضحا أن هذا ليس عجزاً بل تواطؤ واضح ومشاركة مباشرة في الجريمة.

وأكد أن كل دقيقة صمت هي موافقة ضمنية على الجريمة الإسرائيلية المرتقبة، لافتا إلي انه عندما تعلم أن جريمة ستحدث ولا تتحرك لمنعها، فأنت شريك فيها بكل المعايير القانونية والأخلاقية، معتبرا أن العالم بهذا الصمت اليوم يقف على عتبة شراكة جديدة مع الإجرام الإسرائيلي.

وحذر أستاذ القانون الدولي، من تكرار مجزرة أسطول الحرية عام 2010 التي قتلت فيها إسرائيل عشرة نشطاء في المياه الدولية، قائلا: إسرائيل لديها سجل إجرامي حافل في قتل النشطاء الدوليين، من راشيل كوري إلى نشطاء أسطول الحرية إلى الصحفيين العالميين في غزة، والتهديدات الحالية تشير إلى أن المجزرة التالية باتت وشيكة.

وأضاف مهران أن وزير الدفاع الإسرائيلي كاتس يتحدث صراحة عن استخدام كل الوسائل اللازمة، وهذا تحريض مباشر على القتل يجب أن يحاسب عليه أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن مهران أشار إلي ان السؤال الأهم: أين العالم المتحضر من هذه التهديدات الصريحة؟

هذا وانتقد الدكتور مهران بحدة النفاق الغربي الفاضح، قائلاً: نفس الدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، تصمت أمام تهديد مواطنيها بالقتل لأنهم يحملون طعاماً لأطفال غزة.. هذا يكشف حقيقة الحضارة الغربية المزعومة وعنصريتها الصارخة.

وأوضح أن فرنسا التي تحمل ريما حسن جنسيتها، والسويد التي تحمل غريتا ثونبرغ جنسيتها، وإيرلندا التي يحمل ليام كانينغهام جنسيتها، مطالبة قانونياً وأخلاقياً بحماية مواطنيها، متسائلا: أين هذه الدول من واجبها القانوني؟ اين العالم مما يحدث؟ أم أن حماية المواطنين تسقط عندما يتعلق الأمر بإسرائيل؟

وذكر أن صمت الدول التي يحمل النشطاء جنسيتها ينتهك التزاماتها بموجب المادة الأولى المشتركة من اتفاقيات جنيف لسنة 1949، ومبدا مسئولية الحماية، وكذلك المادة الأولى من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتي تلزم الدول المتعاقدة بمنع هذه الجريمة واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لحماية مواطنيها من التعرض للاعتداءات غير المشروعة.

وشدد الدكتور مهران علي ضرورة انتفاض ضمير الإنسانية ضد كل هذا الصمت، قائلاً: عندما تفشل الحكومات في أداء واجبها الأخلاقي، يصبح من واجب الشعوب أن تتحرك.. الضمير الإنساني أكبر من الحسابات السياسية الضيقة، والتاريخ سيذكر من وقف مع الحق ومن تواطأ مع الباطل.

وأكد أن سفينة مادلين تحمل أكثر من مجرد مساعدات، بل تحمل كرامة الإنسانية وصرخة الضمير العالمي ضد الظلم، مؤكدا ان هذه ليست مجرد سفينة، بل رمز لمقاومة الإنسانية للبربرية، ورسالة واضحة أن هناك من لا يزال يؤمن بالحق والعدالة.

وحمل مهران المسؤولية الكاملة للمجتمع الدولي عما قد يحدث للسفينة وطاقمها، قائلاً: أي دم يُسفك سيكون على رؤوس كل من كان بوسعه منع الجريمة ولم يفعل، ومشيرا إلي أن التاريخ سيكتب أن الإنسانية في القرن الحادي والعشرين ماتت بصمت المتفرجين، لا بسيوف الجلادين.

كما أكد أن النشطاء على متن مادلين يمثلون اليوم ضمير العالم الحي، وأن أي اعتداء عليهم هو اعتداء على الإنسانية جمعاء، موضحا ان هؤلاء الأبطال اختاروا أن يكونوا صوت الضمير في عالم فقد ضميره، وسيذكرهم التاريخ كشهداء الحق إن مسهم سوء، أو كأبطال الإنسانية إن وصلوا سالمين.