توقف عن قسوة نفسك… فأنت لست آلة.

توقف عن قسوة نفسك… فأنت لست آلة.

بقلم: الدكتورة بسمة محمد السيد حمودة

دكتورة جامعية كلية الاقتصاد المنزلي جامعة العريش ومدرب معتمد مهارات إدارية وقيادية

كم مرة دفنتَ تعبك كي لا تُتَّهم بالضعف؟ كم مرة كتمتَ وجعك لأنك اعتقدت أن البوح لا يليق بالأقوياء؟ كم مرة ألقيت على ظهرك أعباءً ليست لك، فقط لأنك ظننت أن عليك أن تكون “الذي لا يخذل”؟ الحقيقة المؤلمة: كثيرون منا يعيشون وهم البطولة، وهم الإنسان الذي يجب أن يتحمل كل شيء، ويُنجز كل شيء، ويُرضي الجميع، ويظل صامتًا حتى حين ينكسر.

لكن من قال إنك خُلقت لتكون آلة؟ من أوهمك أن التعب ضعف؟ من أقنعك أن التقصير جريمة، حتى وإن كان في أمر لم تُكلف به أصلًا؟ لقد بالغنا في الضغط على أنفسنا حتى اختنقنا، بالغنا في جلد الذات حتى صرنا نخجل من أن نعترف أننا بشر.

هناك فرق بين السعي وبين القسوة. بين الطموح وبين الانتحار النفسي. لا أحد ينجح لأنه أنهك نفسه، بل لأنه عرف متى يتوقف، متى يراجع، متى يعفو عن ذاته حين تخطئ، ومتى يقول: “كفى، لن أكون عدوًا لنفسي بعد اليوم.”

لقد اعتدنا أن نحاسب أنفسنا على كل شيء، حتى على فشل الظروف، حتى على خذلان الآخرين، حتى على أشياء لم تكن يومًا في أيدينا. نحمل أنفسنا مسؤولية سعادة الجميع، ونلومها حين تُنهك، ثم نسأل: لماذا نشعر بالوحدة والتعب والانطفاء؟!

أي إنسان يمكن أن ينهار حين تصبح نفسه عبئًا عليه، حين لا يجد بداخل صدره موطنًا آمنًا، حين لا يُسمح له بأن يقول: “أنا لست بخير.” بل يُجبر على أن يتماسك، ويتصنع القوة، ويبتلع كل شيء بصمت.

القوة ليست أن تتجاهل نفسك، بل أن تحتويها. القوة ليست أن تواصل رغم كل شيء، بل أن تتوقف حين يجب، وتقول: “أنا أحتاج إلى استراحة، لا عيب في ذلك.” كن صوتًا لطيفًا في داخلك، لا سيفًا يشهره عليك كلما تعثرت. كن الرفيق لا القاضي. لا تسأل نفسك عن أسباب سقوطها قبل أن تسأل: من كان يحمل كل هذا وحده طوال الوقت؟

في عالم لا يرحم، كن أنت رحيمًا بنفسك. لا تنتظر أحدًا ليفهمك، ولا تصرّ أن تشرح تعبك لأحد. يكفي أن تنظر في المرآة وتعد نفسك أنك لن تتركها تُرهق بعد اليوم. لا أحد سيقاتل معك إن استنفدت طاقتك… إلا نفسك.

فإذا كانت هي من تُنقذك حين لا يكون أحد، فهل يعقل أن تستمر في قسوتك عليها؟

اختر اليوم أن تكون نصيرها لا خصمها. كن الدفء في أيامها الباردة، والحنان في لحظاتها القاسية. ليس ضعفًا أن تُربّت على كتفك وتقول: “أحسنت… رغم كل شيء، ما زلت واقفًا.”

هذه ليست دعوة للتكاسل، بل دعوة للعدل. فحتى القلب القوي يحتاج إلى من يُنصِفُه. وأنت أولى الناس بذلك.

تحياتي لكم الدكتورة بسمة محمد السيد حمودة