الأسقف الكبير في عهد هرقل

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله شرح صدور المؤمنين فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية كيف كان إعتقاد اليهود وأهل الكتاب في رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم قبل أن يبعث، وكيف كان موجود عندهم في التوارة والإنجيل، وأكبر شاهد علي ذكر هو في موقف ضغاطر وهو كبير الأساقفة زمن هرقل، عندما أرسل إليه هرقل بكتاب النبي صلى الله عليه وسله يستشيره فيه، فقال الأسقف هذا الذي كنا ننتظر وبشرنا به عيسى عليه السلام، أما أنا فمصدقه ومتبعه، فقال له قيصر أما أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي، ثم قال الأسقف لرسول النبي صلى الله عليه وسلم.
خذ هذا الكتاب واذهب إلى صاحبك، فأقرئ عليه السلام وأخبره أني أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله، وأني قد آمنت به وصدقته وأنهم قد أنكروا على ذلك، ثم خرج إليهم فقتلوه، وأورد شيخ الإسلام إبن تيمية إقرار وشهادة الحسن بن أيوب، وكان من أجلاء علماء النصارى، وأخبر الناس بأقوالهم، ومن أخبرِ الناس بمقالاتهم، فأسلم على بصيرة وكتب رسالة إلى أخيه علي بن أيوب يذكر فيها سبب إسلامه، ويذكر الأدلة على بطلان دين النصارى وصحة دين الإسلام، وقال في رسالته إلى أخيه لما كتب إليه يسأله عن سبب إسلامه ؟ ثم أعلمك أرشدك الله أن إبتداء أمري في الشك الذي دخلني فيما كنت عليه، والإستبشاع بالقول به من أكثر من عشرين سنة، لما كنت أقف عليه في المقالة من فساد التوحيد لله عز وجل، بما أدخل فيه من القول بالثلاثة الأقانيم، وغيرها مما تضمنته شريعة النصارى ووضع الإحتجاجات التي لا تزكو.
ولا تثبت في تقرير ذلك، وكنت إذا تبحرته وأجلت الفكر فيه بان لي عواره، ونفرت نفسي من قبوله وإذا فكرت في دين الإسلام الذي منّ الله تعالي علي به وجدت أصوله ثابتة، وفروعه مستقيمة وشرائعه جميلة وأصل ذلك ما لا يختلف فيه أحد ممن عرف الله عز وجل منكم ومن غيركم، وهو الإيمان بالله الحي القيوم السميع البصير الواحد الفرد الملك القدوس الجواد العدل، إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وإله موسى وعيسى وسائر النبيين والخلق أجمعين، إلى أن قال ثم نؤمن بأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ونؤمن بموسى وعيسى وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لا نفرق بين أحد منهم، ونؤمن بالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن وسائر الكتب التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
وأن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين ذلك بما كسبت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد، قال وكان يحملني إلف ديني، أي حب ديني، وطول المدة والعهد عليه والإجتماع مع الآباء والأمهات والإخوة والأخوات، والأقارب والإخوان والجيران وأهل المودات على التسويف بالعزم والتلبث على إبرام الأمر، ويعرض مع ذلك الفكر في إمعان النظر والازدياد في البصيرة، فلم أدع كتابا من كتب أنبياء التوراة والإنجيل والزبور، وكتب الأنبياء والقرآن، إلا نظرت فيه وتصفحته ولا شيئا من مقالات النصرانية إلا تأملته، فلما لم أجد للحق مدفعا، ولا للشك فيه موضعا ولا للأناة والتلبث وجها خرجت مهاجرا إلى الله عز وجل بنفسي، هاربا بديني عن نعمة وأهل مستقر ومحل وعز ومتصرف في عمل، فأظهرت ما أظهرته عن نية صحيحة، وسريرة صادقة ويقين ثابت، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق وإياه تعالى نسأل أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
شارك