إن النبي عيسى في مقامه عند الله يشبه آدم.

إن النبي عيسى في مقامه عند الله يشبه آدم.

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله على نعمة الصيام والقيام، وأحمد الله واشكره، فإليه المرجع وإليه المآب، واشهد أن لا إله إلا هو، ولقد جعل الله النهار والليل آية لأولي الألباب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد اتقوا الله ربكم حق تقاته، واشكروه على ما أنعم عليكم من النعم، واعبدوا واحمدوا الله، واعرفوا قدر النعم التي أنعمها الله عليكم، واحمده على منه عليكم بمواسم الخيرات والتي تتكرر كل عام، واستغلوا الشهر وتوبوا لله توبة نصوحا، ولا تموتن إلا وأنتم مؤمنون ثم أما بعد ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية أن النصاري أرسلت وفدا إلى النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم، وإختاروا له ستين راكبا، منهم أربعة عشر من أشرافهم، يتزعمهم ثلاثة منهم وهم العاقب وكان أمين القوم، واسمه عبد المسيح، والسيد وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم، وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن وائل، وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم.

وصاحب مراميهم، فلما وصلوا المدينة جلسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبد المسيح والسيد الأيهم وهم من النصرانية على إختلاف في أمرهم، فمنهم من يقول عن عيسى هو الله ومنهم من يقول هو ولد الله ومنهم من يقول هو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فهم يحتجون في قولهم هو الله، بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص والأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا، وذلك كله بأمر الله تعالي، وليجعله الله آية للناس، ويحتجون في قولهم بأنه ابن الله، يقولون لم يكن له أب يعلم وقد تكلم في المهد بشيء لم يصنعه أحد من بني آدم قبله، ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلاثة، يقولون قال الله تعالى فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا، فيقولون لو كان واحدا، ما قال إلا فعلت وأمرت وقضيت وخلقت ولكنه هو وعيسى ومريم، تعالى الله وتقدس.

وتنزه عما يقول الظالمون والجاهلون علوا كبيرا، ويقال لهم إن معنى هذه الكلمات ومثلها قوله تعالى “نحن” من المتشابه، فالواحد المعظم لنفسه يقول نحن، والجماعة يقولون نحن، وهذا لا يلتبس بكتاب الله لأننا نرده إِلَى المحكم، وهو قوله تعالي كما جاء في سورة العنكبوت ” وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون ” وقوله تعالى كما جاء في سورة الأنعام ” إنما هو إله واحد ” وكما قوله تعالى كما جاء في سورة المائدة ” لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثه وما من إله إلا إله واحد ” فلما كلمه الحبران العاقب والسيد دعاهما النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام، فأبيا وجادلوه في عيسى عليه السلام وقالا فمن أبوه يا محمد ؟ فأنزل الله عليه الوحي كما جاء في سورة آل عمران ” إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ” وقال شيخ الإسلام ابن كثير رحمه الله فالذي خلق آدم من غير أب وأم، قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى.

ولكن الرب جل جلاله أراد أن يظهر قدرته لخلقه حين خلق آدم عليه السلام، لا من ذكر ولا من أنثى وخلق حواء عليها السلام من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى عليه السلام من أنثى بلا ذكر، كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى، ولهذا قال الله تعالى في سورة مريم ” ولنجعله آية للناس ” وكما قال تعالي ” الحق من ربك فلا تكن من الممترين ” أي هذا هو القول الحق في عيسى عليه السلام الذي لا محيد عنه ولا صحيح سواه وماذا بعد الحق إلا الضلال، ثم أمر الله تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يباهل من عاند الحق في عيسى عليه السلام وأكثر الجدال بعد ظهور الحق البين فيه، فقال الله تعالى كما جاء في سورة آل عمران ” فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين ” فلما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم للمباهلة والملاعنة.

قالوا يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما دعوتنا إليه، ثم إنصرفوا عنه وخلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم، فقالوا يا عبد المسيح ماذا ترى ؟ فقال والله يا معشر النصارى لقد عرفتم إن محمدا لنبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبيا قط فبقى كبيرهم، ولا نبت صغيرهم وإنه الإستئصال منكم إن فعلتم، فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم” فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم ومعه الحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال العاقب والسيد لا نلاعنك ولكنا نعطيك ما سألت، فابعث معنا رجلا أمينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “لأبعثن رجلا أمينا حق أمين، حق أمين ” فإستشرف لها أصحابه رضي الله عنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

” قم يا أبا عبيدة بن الجراح” فلما قفا، قال النبي صلى الله عليه وسلم “هذا أمين هذه الأمة ” رواه الإمام أحمد، فعادوا إلى نجران وبقي من وفدهم قيس بن أبي وديعة مرض فأقام بالمدينة نازلا على سعد بن عبادة، فعرض عليه الإسلام فأسلم ورجع إلى حضرموت وشهد قتال الأسود العنسي ثم إنصرف إلى المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري.

ظهرت المقالة إن مثل عيسي عند الله كمثل آدم أولاً على جريدة الصوت المصرية.