قيمنا في المقدمة

بقلم: أشرف ماهر ضلع
ليست الأمم تُبنى بالحجارة ولا تَنهض بالأسواق وحدها، وإنما تَنهض بأخلاق رجالها وصدق ضمائرها. وما من عجز يفتك بجسد الأمة كما يفتك العجز الأخلاقي؛ ذاك المرض الصامت الذي لا يطرق أبواب المستشفيات، لكنه يفتك بالمبادئ، ويهدم القيم، ويحوّل المجتمعات إلى هياكل خاوية لا تملك من الحضارة سوى القشرة.
في عالمٍ تتعالى فيه أصوات التنمية، وتتنافس فيه الدول على معدلات النمو، نغفل كثيرًا عن السؤال الأهم: من نحن من الداخل؟ هل ما زلنا نؤمن بالصدق؟ بالنزاهة؟ بالأمانة؟ أم أننا استبدلنا تلك المبادئ بمصالح وقتية وشعارات فارغة؟
قال الله تعالى:
“ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمۡ يَكُ مُغَيِّرٗا نِّعۡمَةً أَنۡعَمَهَا عَلَىٰ قَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ” [الأنفال: 53]،
وكأنّ التغيير الحقيقي يبدأ من النفس… من أعماق الضمير.
لقد تآكلت القيم في كثير من مجتمعاتنا كما تأكل الأرضةُ أساس البيت، فلا تُرى بالعين المجردة، لكنك تشعر بها في كل ركن: في الرشوة التي أصبحت “عرفًا”، في الغش الذي تزينه الكلمات، في ظلم المسؤول، في صمت القادر، في خيانة الأمانات، حتى قال النبي ﷺ:
“بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
فمتى أصبح المال مبررًا للفساد؟
ومتى صار النفوذ غطاءً للظلم؟
ألم يقل الله تعالى:
“إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ…” [النحل: 90]
فأين نحن من هذا الأمر الإلهي؟
إن الأزمة الاقتصادية -على فداحتها- لا تُقارن بما نعيشه من أزمة ضمير. فالمال يمكن تعويضه، لكن إذا ماتت الأخلاق، فمن يعيدها؟!
قال الشاعر:
“إنما الأمم الأخلاق ما بقيت… فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.
المجتمعات لا تسقط فجأة، بل تهوي منحدرة حين تبيع القيم في أسواق المصالح، وحين تغض الطرف عن الباطل، وحين تصمت الضمائر وتنام العيون عن المظالم.
فلا تُبنى الدول بالأسمنت، بل بالعدل. ولا تُصلح الخزائن ما أفسدته القلوب، ولا تُغني القوانين إن لم يُحركها ضميرٌ حي.
قال الله تعالى:
“إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡ” [الرعد: 11]
وهذا هو التغيير الذي نحتاجه: ثورةٌ أخلاقية تبدأ من البيت، من المدرسة، من المكتب، من الشارع… من أنا وأنت.
فلنُعد ترتيب الأولويات، ولنعلنها واضحة:
أخلاقنا أولًا.
قبل الأرقام، قبل الصفقات، قبل المؤتمرات.
فمن أراد إصلاحًا حقيقيًا، فليُصلح نفسه،
ومن أراد نهضةً دائمة، فليغرس في الناس القيم.
ظهرت المقالة أخلاقنا أولًا” أولاً على جريدة الصوت المصرية.