لم يكن سليمان كافراً، بل كان الكفر من الشياطين

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله فتح باب التوبة للمذنبين، ووعد بحسن العاقبة للصادقين، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد لقد حذرنا الإسلام من السحر، ولقد إختلف العلماء في السحر، فقيل هو تخييل ولا حقيقة له وهو خداع بصري نفسي، وقيل بل هو عبارة عن عُقد ورقى وكلام يتكلم به الساحر أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل، وما يمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، وما يبغض أحدهما إلى الآخر، أو يحبّب بين اثنين، مما يعني أن له حقيقة مؤثرة.
وقد ورد ذكره في القرآن والسنة، فقال الإمام النووي رحمه الله والصحيح أن له حقيقة، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة، ولكن هل ورد في القرآن الكريم ما يتعلق بالسحر؟ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فإذا سمع أحدهم بكلمة حق كذب معها ألف كذبة، فأشربتها قلوب الناس، واتخذوها دواوين، فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود، فأخذها فدفنها تحت كرسيه، فلما مات سليمان قام شيطان بالطريق، فقال ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه؟ قالوا نعم، فأخرجوه فإذا هو سحر، فتناسختها الأمم، وأنزل الله عذر سليمان فيما قالوا من السحر، فقال تعالي ” واتبعوا ما تتلوا الشياطين علي ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشيطاين كفروا يعلمون الناس السحر “
وقد توارد عدد من الأحاديث الشريفة في أن النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم تم سحره على يد يهودي في المدينة، حتى كان يخيّل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر، حتى كان يخيّل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله، حتى كان ذات يوم دعا ودعا، ثم قال ” أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر ما وجع الرجل؟ قال مطبوب، أي مسحور، قال ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم، قال فبما ذا؟ قال في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر، قال فأين هو؟ قال في بئر ذروان ” فخرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع، فقال لعائشة حين رجع ” نخلها كأنه رؤوس الشياطين” فقلت أستخرجته؟ فقال ” لا، أما أنا فقد شفاني الله.
وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرا” ثم دُفنت البئر ” رواه البخاري ومسلم، وقد وردت العديد من أقوال المفسرين والسلف في أنواع السحر وأعراضه، ويمكن تلخيص قوة السحر في قسمين رئيسين، هما سحر يؤثر من تلقاء نفسه وهو ما يصدر عن الشيطان أو من يعاونه على ذلك وهو أقواها أي أقوى أنواع السحر، وسحر يقوم الساحر بمساعدة الأرواح الشريرة وهو أضعفها ولا يدوم مفعوله إلا إذا تكرر عمله، ومن السهل علاجه وإبطال مفعوله، ومن هذا النوع هو سحر أهل بابل من الأمم القديمة، وكانوا قوما صابئين يعبدون الكواكب السبعة، ويسمونها آلهة، ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعالها، وكما هناك سحر تخييل وخداعات نحو ما يفعله المشعوذ بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يده، ومثله قوله تعالى ” سحروا أعين الناس واسترهبوهم “
وكما هناك سحر بإستجلاب معاونة الشيطان بضرب من التقرب إليه أو الإستعانة بالجن مؤمنهم وكافرهم، وهو يحصل بأعمال سهلة من الرقى والدخن والتجريد، وهذا النوع هو المسمى بالعزائم وعمل تسخير الجن، وكما هناك سحر بالإستعانة بخواص الأدوية والمواد، مثل أن يجعل في طعام المسحور بعض الأدوية والمواد المسكرة، وكما هناك سحر بالرقى أي رقى الجاهلية والنفث في العقد، ومنه قوله تعالى ” ومن شر النفاثات في العقد “.
شارك