مصر: استراتيجية الحياد النشط وخلية أزمة لمواجهة تأثيرات الحرب

بقلم:احمد شتية
باحث فى الشأن الاستراتيجي والامن القومى
مع تصاعد وتيرة المواجهة بين إيران وإسرائيل، وتحوّلها من حرب ظل إلى مواجهات مباشرة عبر الضربات الصاروخية المتبادلة وعمليات الاغتيال واستهداف المنشآت، دخلت منطقة الشرق الأوسط مرحلة بالغة الخطورة قد تمتد آثارها إلى دول الجوار، وعلى رأسها مصر.
ورغم أن القاهرة ليست طرفًا مباشرًا في الصراع، إلا أن موقعها الجغرافي، ودورها الإقليمي، وعلاقاتها المتوازنة مع كافة الأطراف، يجعلها في قلب الأزمة السياسية والدبلوماسية والأمنية.
كشفت مصادر دبلوماسية عن تشكيل القيادة السياسية المصرية خلية أزمة خاصة لمتابعة تطورات الحرب الإيرانية الإسرائيلية، تضم ممثلين من وزارات الدفاع، والخارجية، والبترول، وهيئة قناة السويس، والمخابرات العامة، بهدف تقييم السيناريوهات المحتملة والتعامل مع أي تداعيات أمنية أو اقتصادية أو لوجيستية.
وتتركز مهام خلية الأزمة في ثلاث نقاط رئيسية:
تأمين الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، في ظل تصاعد التهديدات للخطوط البحرية.
رصد تحركات القوى الدولية والإقليمية في البحر المتوسط والحدود الشرقية.
ضبط الأسواق الداخلية ومراقبة تدفقات الطاقة والغذاء تحسبًا لأي اضطراب إقليمي.
تأثرت أسواق المال والطاقة في مصر بشكل غير مباشر نتيجة تقلب أسعار النفط والغاز عالمياً، وهو ما قد ينعكس على تكلفة الاستيراد والدعم الحكومي ، كما أن المخاوف من انقطاع أو تعطيل الملاحة في البحر الأحمر تهدد إيرادات قناة السويس، أحد أهم مصادر النقد الأجنبي للبلاد، في حال تطورت المواجهة إلى عمليات استهداف للسفن و تتابع الدولة بحذر وضع الجاليات المصرية في مناطق النزاع أو الدول المجاورة له، مع الاستعداد لإجلاء أي مجموعات عند الضرورة.
منذ اليوم الأول لانفجار الوضع بين طهران وتل أبيب، تحركت الدبلوماسية المصرية بهدوء وحزم، مركزة على محورين: تهدئة الأطراف من خلال قنوات اتصال مفتوحة مع طهران وتل أبيب، وكذلك مع واشنطن والرياض ، دفع ملف التهدئة عبر جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
كما تتواصل مصر بشكل نشط مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، بهدف دعم موقف إقليمي يمنع انزلاق المنطقة إلى حرب مفتوحة شاملة.
تدرك القاهرة أن اتساع رقعة الحرب قد يكون له أثر مباشر على الأمن القومي المصري، خاصة في ظل هشاشة الوضع في قطاع غزة واحتمال تمدد التنظيمات المسلحة مستغلة الفوضى ، لذلك، فإن الرسالة المصرية واضحة: “لا مصلحة لأي طرف في جرّ المنطقة إلى حرب لا رابح فيها”.
الحرب الإيرانية الإسرائيلية وضعت مصر أمام تحدٍ مزدوج: الحفاظ على استقرارها الداخلي وأمنها القومي، والاضطلاع بدورها التاريخي كوسيط إقليمي موثوق.
وبينما تتطاير الصواريخ في سماء المشرق، تعمل القاهرة بصمت وفعالية لمنع سقوط المنطقة في دوامة دمار جديدة ورغم غياب الأضواء عن الجهود المصرية، إلا أن ما يدور في الكواليس قد يكون هو الفيصل بين التصعيد والانفجار الكامل.
شارك