مجتمع يعتمد على الإعجابات

مجتمع يعتمد على الإعجابات

كتبت/شيرين جابر

في زمنٍ لم يعد فيه التقدير يُقاس بالإنجاز أو القيم، بل بعدد اللايكات والتفاعلات، وُلد مجتمعٌ جديد، يعيش في عالم رقمي موازٍ، يلهث خلف الإعجابات، ويقيس نجاحه بعدد المتابعين، لا بما يقدمه من محتوى أو معنى.

منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، تغيّرت موازين كثيرة. أصبح الهاتف الذكي مرآتنا اليومية، والمنشور هو وسيلة التواصل الأولى، والسيلفي هو التوثيق الرسمي للحظات الحياة. لكن، ما الذي حدث حين تحوّل الإنسان من مستخدم للتقنية إلى عبدٍ لها؟

في هذا المجتمع الافتراضي، يتصدر “اللايك” المشهد
اللايك هو عملة التقدير، وهو المقياس السحري الذي يحدد من يستحق الاهتمام ومن يُهمَّش. فتاة تنشر صورة مبتسمة تحصد آلاف القلوب، بينما باحثٌ يشارك اكتشافه العلمي فلا يتجاوز تفاعله العشرات. هذا الخلل لا يعكس فقط فقدان التوازن، بل يُشير إلى أزمة أعمق في منظومة القيم.

المراهقون اليوم – بل حتى الكبار – يقضون ساعات في تنقيح الصور، واختيار الفلاتر، وصياغة الجُمل الجذابة، ليس من أجل التعبير، بل لحصد الإعجاب. البعض يعيش أزمة هوية حقيقية، إذ لا يشعر بقيمته إلا إذا أُعجب الآخرون به رقميًا. والأسوأ، أن اللايك أصبح مرادفًا للحب، والاهتمام، وحتى للثقة بالنفس.

ولا يمكن إغفال دور المنصات التي تُغذي هذه الحالة. فهي تضع المستخدم في سباق مستمر، وتمنحه دفعات صغيرة من “الدوبامين” كلما حصل على تفاعل. وكلما زاد الإعجاب، زاد الإدمان، وزادت الحاجة للمزيد.

لكن، وسط هذا الزحام، هناك من بدأ يطرح السؤال الأهم: ماذا بعد؟ هل نحن فعلاً ما ننشره؟ هل قيمتنا الحقيقية تقاس بأرقام وهمية؟ ومتى سنستفيق من هذا الوهم الرقمي؟

إن إعادة التوازن لا تعني ترك التكنولوجيا، بل استخدامها بوعي. أن نُدرك أن التفاعل الرقمي لا يجب أن يكون مرآةً لقيمتنا، وأن “اللايك” لا يُغني عن العلاقات الحقيقية، أو عن التقدير الذاتي.

في النهاية، اللايك ليس عدوًا، لكنه يصبح خطرًا حين يصبح هو الهدف. فلنعد ترتيب الأولويات، قبل أن ننسى أنفسنا بين “منشور” و”قلب أحمر”.

ظهرت المقالة “مجتمع يعيش على اللايكات” أولاً على جريدة الصوت المصرية.