من يتولى السيطرة على العالم: المال أم السياسة؟ المنافسة بين ترامب وماسك تعيد تحديد ميزان القوة

من يتولى السيطرة على العالم: المال أم السياسة؟ المنافسة بين ترامب وماسك تعيد تحديد ميزان القوة

بقلم : الجيوفيزيقي محمد عربي نصار

مدخل: صراع على عرش النفوذ

في وقت تتصاعد فيه الأزمات العالمية من أوكرانيا إلى تايوان، وتُعاد فيه هندسة التحالفات الدولية، اندلع صراع أمريكي داخلي مختلف تمامًا في طبيعته وأبعاده: صراع بين أقوى سياسي سابق في العالم، دونالد ترامب، وبين أقوى رجل مال وتكنولوجيا في العالم، إيلون ماسك.

ظاهريًا، يبدو الخلاف شخصيًا وتافهًا: تغريدة من هنا ورد قاسٍ من هناك. لكن تحت هذا السطح، تدور معركة هائلة تتجاوز الأفراد، وتطرح سؤالًا وجوديًا على النظام العالمي الجديد: من يملك القرار؟ رأس المال أم رأس السلطة؟

جذور تاريخية: المال كملك خفي

لم يكن المال يومًا مجرد وسيلة تبادل، بل كان دومًا لاعبًا أساسيًا في السياسة. في العصور الوسطى، كان الملوك الأوروبيون يستدينون من التجار والمصارف لتمويل حروبهم. ثم ظهرت عائلات مثل آل روتشيلد، الذين لم يحكموا رسميًا، لكنهم صنعوا الملوك وأسقطوا الحكومات عبر المال.

ومع الثورة الصناعية، ظهر طبقة جديدة من أصحاب الثروة الذين كانوا يتحكمون في مسار التشريعات من خلف الكواليس. ومن هنا بدأت مقولة ماركس تتجسد: “من يملك وسائل الإنتاج، يملك القرار”.

السياسة تنتفض: الدولة تضع القوانين

لكن السياسة لم تبقَ متفرجة. عبر الزمن، قامت الدول بسن قوانين لمراقبة حركة الأموال، فرض الضرائب، تقنين النشاط الاقتصادي، وإنشاء مؤسسات رقابية. في الأنظمة الاستبدادية، مثل الاتحاد السوفيتي سابقًا أو الصين حاليًا، تم تأميم المال ووضعه تحت عباءة الحزب والدولة.

في روسيا، لا أحد يصبح مليارديرًا دون إذن الكرملين. ومن يتمرد على هذا الواقع، كمثل خودوركوفسكي، يواجه التصفية السياسية أو الاقتصادية أو الجسدية.

أمريكا: زواج المال بالسياسة

في الولايات المتحدة، وُلد نموذج مختلف. لم تكن هناك خصومة مباشرة بين المال والسياسة، بل تكامل مُحكَم: السياسي بحاجة إلى تمويل حملته، ورجل الأعمال بحاجة إلى تشريعات تسهّل أعماله. ومن هنا ظهرت ثقافة “اللوبي”، حيث يقوم المال بشراء النفوذ السياسي بشكل قانوني ومشروع.

لكن هذا التوازن لم يكن دائمًا سلسًا. في بعض اللحظات، يُقرر أحد الطرفين الخروج عن النص… كما فعل إيلون ماسك.

لحظة الانفجار: ماسك يتحدى ترامب

في صباح يوم 3 يونيو 2025، وبينما كانت واشنطن تستعد لتصعيد جديد في السباق الانتخابي، فجّر ترامب تصريحًا صاخبًا خلال مؤتمر جماهيري في فلوريدا، قال فيه: “ماسك يلعب بأمن أمريكا القومي. لن أسمح باستمرار هذا الجنون التكنولوجي الذي لا يخضع لسيادة الدولة”.

خلف الكواليس، كان هذا التصريح نتيجة تقارير سرية وصلت للحزب الجمهوري تشير إلى أن ماسك يُجري محادثات لتوسيع خدمة ستارلينك في مناطق نزاع دون علم الجهات الأمنية، بما في ذلك أوكرانيا وتايوان.

رد ماسك لم يتأخر. بعد ساعات فقط، نشر تغريدة على منصة X قال فيها: “سبيس إكس تراجع مشاركتها في برنامج دراجون حتى إعادة تقييم علاقتها مع حكومة تقرر بعقلية القرن الماضي”.

الإعلام انفجر. العناوين الرئيسية في نيويورك تايمز وواشنطن بوست كانت جميعها تدور حول سيناريو “تجميد الفضاء”، وتحتها علامات استفهام ضخمة: هل يجرؤ ماسك فعلًا على تعطيل نقل رواد الفضاء الأمريكيين؟

في نفس اليوم، تسربت مكالمة هاتفية بين أحد مساعدي ترامب ووكالة ناسا تتضمن تحذيرًا: “إذا تمادت سبيس إكس، سندعو وزارة الدفاع لفتح خيارات بديلة مع بوينغ”.

في مساء ذلك اليوم، خرجت المتحدثة باسم البيت الأبيض ببيان مقتضب أكدت فيه أن “الدولة تدرس كل الخيارات لحماية مصالحها الفضائية والدفاعية”.

تلك الساعات كانت لحظة الذروة. الأسواق اهتزت، أسهم سبيس إكس وشركات ماسك الأخرى شهدت تذبذبًا شديدًا، ووسائل الإعلام العالمية فتحت تغطيات خاصة تحت عنوان: “أزمة ماسك – ترامب: هل بدأ عصر التمرد التكنولوجي على الدولة؟”

ناسا في مأزق… والدولة في حيرة

تداعيات هذا التصعيد كانت خطيرة. فوكالة ناسا تعتمد بشكل شبه كامل على “سبيس إكس” منذ توقف برنامج المكوك الفضائي. وإذا انسحب ماسك من تعاونه مع الوكالة، قد تضطر الولايات المتحدة للعودة إلى استخدام مركبات روسية من طراز “سويوز” لنقل روادها إلى الفضاء.

وهذا يعني ببساطة: فقدان استقلالية الفضاء لصالح موسكو، في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية.

وزارة الدفاع الأمريكية دخلت الخط، محذرة من أن إلغاء العقود مع “سبيس إكس” قد يعطّل برامج إطلاق الأقمار الصناعية العسكرية ومشروعات دفاعية بالغة الحساسية مثل “القبة الفضائية”.

الروس يضحكون… ويدعون ماسك

وفي مشهد سريالي، خرج مسؤولون روس بتصريحات ساخرة، عارضين على إيلون ماسك العمل معهم في موسكو، بل وفتح باب التعاون معه في مشروعات فضائية مستقبلية. البعض اعتبر الأمر مجرد مناورة إعلامية، والبعض الآخر رآه فرصة حقيقية لروسيا لكسر احتكار أمريكا لرجال التكنولوجيا.

هذه الدعوات كانت أيضًا رسالة غير مباشرة إلى واشنطن: إذا خسرتم ماسك، فقد يكسبه خصومكم.

من الأقوى فعلاً؟

هنا تعود الإشكالية الأساسية للسطح: من الأقوى؟ رجل يمتلك القرار السياسي والدولة ومؤسساتها؟ أم رجل يمتلك المال، التكنولوجيا، والرأي العام؟

ترامب يمثل الدولة العميقة والجمهور الغاضب، بينما ماسك يمثل المال الذكي، التكنولوجيا المتقدمة، والتأثير في الفضاء والمعلومات.

لكن المفارقة الكبرى أن كلاهما يعتمد على الآخر: ماسك لا يستطيع أن ينجح بدون دعم الدولة… وترامب لا يستطيع مجابهة العصر الرقمي بدون عمالقة التكنولوجيا.

المستقبل: هل نحن أمام انقسام أمريكي؟

توقعات الخبراء تشير إلى أن هذا الصراع قد يتوسع، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الأمريكية المقبلة. فقد يتحول ماسك إلى عنصر مؤثر مباشر في المشهد السياسي، سواء بدعمه لمرشح معين، أو بترشحه شخصيًا كما تردد في دوائر مغلقة.

وفي المقابل، قد يسعى ترامب إلى فرض قوانين جديدة تحدّ من تغول شركات التكنولوجيا، مما يعمق الانقسام الأمريكي بين نخبة المال ونخبة السياسة.

النهاية المتوقعة للأزمة

لكن ما هي النهاية المنطقية لهذا الصراع؟

وفق ما رُشح من مراكز دراسات أمريكية:

1. تهدئة تكتيكية: من المتوقع أن تتدخل مؤسسات كبرى مثل الكونغرس أو البنتاغون لتهدئة الوضع عبر مفاوضات سرية تضمن استمرار العقود مع “سبيس إكس” مع بعض الضوابط.

2. تقسيم نفوذ: قد يتم إعادة توزيع المشاريع بين “سبيس إكس” وشركات أخرى مثل بوينغ وبلو أوريجن لتقليل هيمنة ماسك.

3. مساومة سياسية: من المحتمل أن يعقد ماسك صفقات غير معلنة مع الجمهوريين تضمن له استمرار نفوذه مقابل دعمه الإعلامي والرقمي.

لكن المؤكد هو أن الأزمة لن تنتهي نهائيًا، بل ستعود بأشكال مختلفة، لأن ما يجري ليس خلافًا شخصيًا، بل معركة وجود بين قوى جديدة وقديمة تتصارع على من يحكم العالم.

خلاصة المقال:

ما بين رجل المال ورجل القرار، تظل المعركة مفتوحة. المال لم يعد تابعًا للسلطة، بل بات شريكًا في صناعتها. والسلطة لم تعد قادرة على قمع المال، بل أصبحت بحاجة إليه.

“المال يصنع الأدوات… والسياسة تملك الأختام. ومن يُجيد الجمع بين الاثنين، هو من سيكتب فصول المستقبل.”

في هذا الصراع، لا منتصر دائم… بل توازن هش يحتاج إلى عباقرة ومؤسسات قادرة على منع الانهيار.