أدوات الدين المدعومة بالأصول: هل تبيع مصر أصولها أم تدير ثرواتها؟

أدوات الدين المدعومة بالأصول: هل تبيع مصر أصولها أم تدير ثرواتها؟

 

بقلم: الجيوفيزيقي محمد عربي نصار

مقدمة: قرار أثار الجدل

وسط أجواء اقتصادية صعبة ومحاولات دؤوبة للبحث عن حلول تمويلية جديدة، خرجت الحكومة المصرية بإعلان رسمي عن إصدار ما يُعرف بـ “أدوات الدين المدعومة بالأصول”، وهو توجه أثار الكثير من اللغط والاتهامات من قبل البعض بأنه محاولة لبيع أصول الدولة.

لكن ما الذي يحدث حقًا؟ هل نحن أمام “خصخصة مقنّعة”، أم أن الدولة تستخدم أدوات اقتصادية ذكية لتحريك ما هو خامد من ثرواتها؟

ما المقصود بأدوات الدين المدعومة بالأصول؟

المفهوم ببساطة هو: اقتراض بأمان وضمان، دون بيع أصل الدولة.

الدولة تمتلك أصولًا ضخمة مثل الأراضي، المباني، المصانع، والموانئ، لكنها لا تستغل كثيرًا منها. لذا، وبدلًا من أن تلجأ للاقتراض التقليدي، تصدر صكوكًا (أدوات دين) وتربطها بهذه الأصول كضمان، دون نقل ملكيتها.

إذا أوفت الدولة بالتزاماتها المالية، يعود كل شيء كما هو. أما إذا تخلّفت، فحينها يمكن تفعيل الضمان وفقًا لإطار قانوني دقيق، وليس قرارًا مفاجئًا أو تعسفيًا.

لماذا هذا الحل الآن؟

بسبب الضغوط الاقتصادية العالمية، وارتفاع تكلفة التمويل، كان لا بد من ابتكار أدوات تمويل غير مرهقة للموازنة.

أدوات الدين المدعومة بالأصول تقلل المخاطر على المستثمر، مما يخفض الفائدة.

تُعيد استخدام الأصول الحكومية المعطلة وتحرك عجلة التنمية.

تفتح الباب أمام التمويل الإسلامي (مثل الصكوك) الذي يشترط وجود أصول ملموسة.

وهل دول أخرى فعلت ذلك؟

نعم، والنجاح كان واضحًا:

السعودية أصدرت صكوكًا مدعومة بأراضٍ حكومية لتنفيذ مشاريع “رؤية 2030″.

الإمارات مولت توسعات موانئ ومطارات بنفس الآلية.

ماليزيا تُعد من أوائل الدول التي طورت مفهوم الصكوك المرتبطة بالأصول.

ماذا عن مصر؟ وأين تقع هذه الأصول؟

هنا تأتي التفاصيل الأهم للمواطن.

وفقًا لما نشرته الجريدة الرسمية وبيانات وزارة المالية، شملت القرارات:

1. تخصيص 174 كم² من ساحل البحر الأحمر كأراضٍ تابعة لوزارة المالية لاستخدامها كضمان لإصدار صكوك سيادية.
تشمل هذه المنطقة أراضٍ قريبة من رأس غارب، شقير، مناطق لوجستية، ومنشآت بترولية قائمة بالفعل.

2. منطقة رأس بناس – شبه جزيرة تمتد في أقصى الجنوب – ضمن خطة لاستغلالها الاستثماري وتخصيصها ضمن الأراضي الضامنة.

3. خمس مناطق ساحلية جديدة على البحر الأحمر تم إدراجها ضمن خطة أصول الدولة الإنتاجية. الهدف: تنمية متوازنة، لا بيع عشوائي.

وهنا نُطمئن المواطن: الأصول لا تُباع ولا تُفرّط الدولة في ملكيتها، بل تستخدمها كـ”رهن ائتماني” لتأمين قروض بفوائد أقل.

الرد على المخاوف: هل هذا بيع مُقنّع؟

“هل هذا بيع لأصول الدولة؟”
سؤال منطقي، لكنه – في ضوء النصوص الرسمية – لا يحمل الإجابة التي يتداولها البعض.

لا يتم نقل ملكية الأصول إلا إذا فشلت الدولة في السداد، وفق آلية قانونية معقدة وضمانات.

الأصل يظل مسجلاً باسم الدولة، ويُدار من قبلها.

القرار لا يشمل أصولًا استراتيجية كقناة السويس أو مواقع الجيش أو الأصول الدستورية المحصنة.

رسالة للمواطن في شقير ورأس غارب والبحر الأحمر

إذا كنت تعيش أو تعمل في شقير أو رأس غارب أو أحد موانئ البحر الأحمر، فربما تشعر بالقلق. لكن عليك أن تعلم:

لا أحد سينتزع ملكية أرضك أو منشأتك.

هذه الأراضي تدخل كـ”ضمان مالي” وليس كمادة للبيع.

استغلال الأصول الخامدة في تلك المناطق قد يعني تحسين البنية التحتية، وزيادة فرص العمل، وضخ استثمارات جديدة.

خلاصة: خطر أم فرصة؟

إذا أُدير القرار بشفافية وقوانين صارمة، فهو فرصة عظيمة لتمويل تنمية حقيقية دون إثقال كاهل الدولة.

أما إذا فُتح الباب أمام العبث أو الخصخصة المقنّعة، فهنا يكمن الخطر.

وما بين هذا وذاك، تبقى رقابة المواطن، وصوت الإعلام الواعي، وشفافية الدولة هي الضمانة الأكبر.

ظهرت المقالة أدوات الدين المدعومة بالأصول”.. هل تبيع مصر ممتلكاتها أم تحرّك ثرواتها؟ أولاً على جريدة الصوت المصرية.