الثأر: لهب لا يهدأ في كيان المجتمع

بقلم – محمد الرفاعي
لا تزال عادة الثأر أو ما يُعرف بالـ”طار” تُمثّل جرحًا غائرًا في جسد المجتمعات الريفية والقبلية في مصر وعدد من الدول العربية، رغم محاولات الدولة والمجتمع المدني احتوائها والقضاء عليها. هي ليست مجرد جريمة قتل، بل سلسلة ممتدة من الدم، تعصف بالعائلات، وتُرعب القرى، وتُهدد أمن المجتمعات.
جذور الثأر.. من أين بدأ الطار؟
الثأر عادة قديمة، تعود إلى المجتمعات القبلية حين كانت القوانين غائبة، فكان القتل يُقابل بالقتل، ليس فقط لرد الحق، بل لحفظ ما يُسمى بـ”الكرامة والشرف”. ومع ترسّخ هذه الفكرة، باتت ثقافة الثأر متجذرة في بعض البيئات، تُورّث كما يُورّث الاسم والعقار.
أسباب استمرار الثأر
الضعف في تطبيق القانون أو تأخر العدالة أحيانًا، يدفع البعض إلى أخذ الحق باليد.
الجهل والتعصب القبلي، حيث تُقدَّم “النخوة” على القانون.
غياب الوعي والتعليم، ما يجعل العرف أقوى من النصوص القانونية والدينية.
تحريض بعض أفراد الأسرة خاصة من كبار السن أو النساء أحيانًا على الأخذ بالثأر حفاظًا على “سمعة العائلة”.
نتائج كارثية
الثأر لا يقتل فردًا فقط، بل يقتل الأمن والاستقرار، ومن نتائجه:
فقدان أرواح بريئة، حيث يُقتل أحيانًا الأبرياء من الأقارب.
تعطيل التعليم والعمل بسبب التهديد بالثأر.
العداوات الممتدة لعقود طويلة بين العائلات.
تدخل الأجهزة الأمنية وتوقيع العقوبات الجماعية أحيانًا على القرى.
دور الدولة والمجتمع في مواجهة الثأر
لم تقف الدولة مكتوفة الأيدي أمام هذه الظاهرة، بل قامت بعدة خطوات:
الصلح العرفي بمشاركة القيادات الأمنية والدينية والشعبية، حيث تُقام جلسات للصلح في حضور العائلتين.
القوافل التوعوية التي تُنظمها وزارة الأوقاف والأزهر الشريف للتأكيد على تحريم الثأر في الإسلام.
تعزيز العدالة السريعة من خلال النيابات والمحاكم المختصة.
مشروعات تنموية لتغيير ثقافة العنف وتحسين مستوى المعيشة.
الثأر في ميزان الدين
الإسلام حسم الأمر بقوله تعالى:
“وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ” [البقرة: 179]
لكنه في الوقت نفسه دعا إلى العفو والصفح، وبيّن أن الديات والصلح وسائل مشروعة لرد الحقوق دون سفك دماء جديدة.
وفي النهاية
الثأر نار إذا اشتعلت، أكلت الأخضر واليابس، وهو عادة لا مكان لها في دولة القانون والمؤسسات. وعلى الجميع – دولة ومجتمعًا وأسرة – أن يعملوا معًا على اقتلاع هذه العادة من جذورها، لأن حياة الإنسان لا تُقدَّر بثأر، بل تُصان بالوعي، والعقل، والعدل.
ظهرت المقالة الثأر.. نار لا تنطفئ في جسد المجتمع أولاً على جريدة الصوت المصرية.