منى بدير: موازنة الثلاث سنوات خطوة تتماشى مع توصيات صندوق النقد بإعداد إطار متوسط الأجل MTBF لتوجيه السياسة المالية

منى بدير: موازنة الثلاث سنوات خطوة تتماشى مع توصيات صندوق النقد بإعداد إطار متوسط الأجل MTBF لتوجيه السياسة المالية

بارة عريان _ قالت منى بدير كبير الاقتصاديين بقطاع البحوث لدى أحد البنوك الخاصة العاملة بمصر، إن ما تم الإعلان عنه بشأن إعداد موازنة تمتد لثلاث سنوات مقبلة، يأتي متماشيًا مع توصيات صندوق النقد الدولي بإعداد إطار مالي متوسط الأجل MTBF لتوجيه السياسة المالية على مدى 3–5 سنوات.

أضافت بدير أن البنية التشريعية في مصر لا تتيح للبرلمان القيام بالتصديق على هذا الأمر، لافتة إلى أن الدستور ينص بشكل واضح على إعداد سنوي للموازنة.

وأوضحت أن هذه المنهجية تُعرف بالإطار المتوسط الأجل للموازنة (Medium-Term Budget Framework – MTBF)، وهي منهجية إستراتيجية لتخطيط وإعداد الموازنات، تهدف إلى ربط السياسات الاقتصادية بالخطط المالية على مدى زمني يتجاوز العام الواحد، دون أن يعني ذلك المساس بالإطار التشريعي لإعداد الموازنة السنوي.

وأضافت أن هذا النظام يربط بين السياسات الحكومية وأهدافها الاقتصادية من جهة، وبين إعداد الموازنات السنوية من جهة أخرى، وذلك عبر تخطيط الإنفاق والإيرادات على مدى ثلاث إلى خمس سنوات أو أكثر، في حالة بعض التجارب مثل الاتحاد الأوروبي.

ولفتت إلى أن ذلك لا يعني تحديد أرقام الموازنة بدقة للسنوات القادمة، بل وضع حدود وأهداف مالية يتم الاسترشاد بها في الموازنات السنوية.

وأشارت منى بدير إلى أن هذا النهج يستخدم أدوات متعددة، مثل تقديرات الإيرادات، وسقوف الإنفاق، والنماذج الاقتصادية، إلا أنه في جوهره نهج إستراتيجي لإدارة المالية العامة يُستخدم لتحسين التخطيط المالي والإنفاق العام بشكل إستراتيجي، موضحة أنه وفقًا لصندوق النقد الدولي، يعد هذا الإطار من أفضل الممارسات لتعزيز الانضباط المالي والشفافية والكفاءة في استخدام الموارد العامة.

وأكدت أن هذا الإطار يهدف بشكل عام إلى تحسين الانضباط المالي، من خلال وضع سقف واضح للإنفاق والعجز العام والدين، بالإضافة إلى مواءمة الموازنة مع السياسات العامة وإستراتيجيات التنمية، مثل رؤية مصر 2030، وأهداف الحماية الاجتماعية، وذلك فضلًا عن تعزيز الكفاءة في تخصيص الموارد، خاصة في القطاعات ذات الأولوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، كما يهدف إلى زيادة الشفافية والمساءلة، عبر إشراك البرلمان والجمهور في فهم اتجاهات السياسة المالية على المدى المتوسط.

ونوهت إلى أن صندوق النقد يشجع على تبني ذلك الإطار، لا سيما في الدول التي تمر بمرحلة إصلاح اقتصادي أو تواجه ضغوطًا على الموازنة، مثل مصر، موضحة أنه يعتبر نجاح هذا الإطار مستندًا إلى وجود مؤسسات قوية قادرة على وضع تقديرات واقعية للإيرادات والنفقات، وكذلك اعتماد سيناريوهات مالية بديلة لمواجهة الصدمات، بالإضافة إلى ربط خطط الموازنة السنوية بالإطار متوسط الأجل بشكل فعلي.

وترى منى بدير أن تبني مصر لإطار متوسط الأجل للموازنة، وفقًا لما تم إعلانه مؤخرًا، يعكس التزامها بتوصيات صندوق النقد، كما أنه يهدف إلى السيطرة على العجز وتقليل الدين العام، وتوجيه الإنفاق نحو برامج الحماية الاجتماعية، مع تحسين كفاءة الإنفاق العام في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.

واستطردت قائلة: أكثر التجارب الناجحة في هذا السياق، نجدها في الاتحاد الأوروبي الذي يطبق تلك المنهجية منذ عام 1988، من خلال الإطار المالي متعدد السنوات (MFF) المنوط بتحديد حدود الإنفاق للدول الأعضاء على مدى سبع سنوات، بما يتواءم مع أولويات سياسة الاتحاد. ولفت إلى أن جنوب إفريقيا وتشيلي تمثلان أيضًا تجارب ناجحة في الأسواق الناشئة.

وأوضحت أن هذه المنهجية لا تقتصر على التوقعات والقيود numerical للإيرادات والنفقات، بل تشمل أيضًا جميع الأنظمة والإجراءات التي تضمن وضع الخطط المالية الحكومية مع مراعاة تأثيرها على مدى عدة سنوات، وهو ما يعني أنه إذا سيتم التفكير في زيادات ضريبية على سبيل المثال، فمن المفترض أن يقوم هذا الإطار باستخدام النماذج الاقتصادية لتقدير الزيادة السنوية في الإيرادات الناتجة عن التعديل، وإدراج هذا الأثر في السيناريو المالي الأساسي ضمن الإطار 3–5 سنوات.

أضافت أنه يتم أيضًا وفقًا لهذا الإطار، دراسة الأثر الكلي على الاقتصاد، والذي من الممكن أن يقترح في المقابل سياسات تخفيفية، مثل توسيع برامج الحماية الاجتماعية، لتخفيف الأثر على الفئات الضعيفة، وبالتالي تضمين تكلفتها في إطار النفقات المتوقعة.

ونوهت إلى أنه يقوم أيضًا بمقارنة الأثر الصافي للتعديل مع أهداف السياسة المالية، مثل تقليل العجز، وكذلك يتم اختبار أثر التعديل في سيناريوهات مختلفة، مثل تباطؤ النمو أو ارتفاع التضخم، وهو ما يعني أن هذا النهج لا يكتفي بمراقبة سنة مالية واحدة، بل يُقيم أي تعديل ضريبي ضمن رؤية استراتيجية شاملة تربط بين الأثر المالي، والسياسات الاقتصادية، والتكلفة الاجتماعية، مما يعزز كفاءة التخطيط واتخاذ قرارات قائمة على أدلة.

وأكدت أن نجاح هذا المنهج يتطلب مؤسسات قوية لديها كفاءات وقدرات مؤسسية تمكنها من إعداد تقديرات دقيقة، مع مراعاة التطبيق التدريجي لتلك المنهجية، نظرًا لصعوبتها وتعقيداتها.