في اللقاء الخامس والعشرين.. صالون حابي يضع يده على تحديات تنمية الصادرات المصرية .. الجزء الأول

في اللقاء الخامس والعشرين.. صالون حابي يضع يده على تحديات تنمية الصادرات المصرية .. الجزء الأول

اتفق المشاركون في صالون حابي خلال لقائه الخامس والعشرين، على أن مشكلة تنمية الصادرات المصرية هي استثمارية بالأساس وليست تجارية، ورأوا أن تشجيع بيئة الاستثمار وتوفير صناعة تنافسية، هي نقطة البداية الواجب الانطلاق منها نحو مستهدفات تصدير طموحة.

اضغط لمشاهدة اللقاء كاملا

شارك في الصالون كل من: الدكتور وليد جمال الدين رئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الأعمال المصريين وعضو مجلس إدارة المجلس التصديري لمواد البناء، ومحمد قاسم رئيس جمعية المصدرين المصريين إكسبولينك وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، والمهندس علاء السقطي رئيس اتحاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة ونائب رئيس اتحاد مستثمري مصر، وأداره كل من: أحمد رضوان رئيس التحرير والرئيس التنفيذي لجريدة حابي، وياسمين منير مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي، ورضوى إبراهيم مدير التحرير والشريك المؤسس لجريدة حابي.

جدير بالذكر أن هذا هو اللقاء الثالث ضمن سلسلة لقاءات بدأتها جريدة حابي، حول أولويات ومهام العمل المرتقبة للجان الاستشارية التي شكلتها الحكومة من مجتمع الأعمال، وناقش اللقاء الأول تنمية السياحة وتصدير العقار، أما اللقاء الثاني فتناول تحديات ومستقبل الاقتصاد الكلي.

وإلى تفاصيل اللقاء.

أحمد رضوان: أهلًا وسهلًا بحضراتكم في اللقاء الخامس والعشرين من صالون حابي.. اليوم هو اللقاء الثالث من سلسلة اللجان الاستشارية التي شكلتها الحكومة بالتعاون مع القطاع الخاص.

ناقشنا في الصالون الأول من هذه السلسلة، ملف تنمية السياحة وتصدير العقار، وفي اللقاء الثاني قدمنا قراءة للاقتصاد الكلي بجميع مخاطره وتحدياته وفرصه.

واليوم نناقش قطاعًا من أهم القطاعات التي تراهن عليها الحكومة في توريد النقد الأجنبي، وهو تنمية الصادرات.

يُشرفنا اليوم الدكتور وليد جمال الدين عضو مجلس إدارة المجلس التصديري لمواد البناء ورئيس لجنة التصدير في جمعية رجال الأعمال المصريين، والأستاذ محمد قاسم رئيس جمعية المصدرين المصريين اكسبو لينك وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، والمهندس علاء السقطي رئيس اتحاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة ونائب رئيس اتحاد مستثمري مصر.

وبالطبع يسعدني مشاركة زميلتي رضوى إبراهيم مدير تحرير جريدة حابي والشريك المؤسس، وزميلتي ياسمين منير مدير تحرير جريدة حابي والشريك المؤسس، في إدارة اللقاء.

دعونا نبدأ بالدكتور وليد جمال الدين.. الحديث عن الصادرات متجدد مع كل أزمة اقتصادية، ولا تخلو أي خطة لتحسين بيئة الاستثمار وتشجيع المستثمر من محاور مرتبطة بتنشيط الصادرات.

هناك الكثير من التكتلات والجمعيات التي تمثل المصدرين ولديها عشرات الخطط والبرامج، كما أن الحكومة نفسها تُطلق العديد من البرامج لمساندة الصادرات بصور مختلفة.

ولكن.. أعلنت الحكومة عن تشكيل مجموعة من اللجان التي يُمثل فيها القطاع الخاص بالتعاون مع الحكومة، وقالت إن هذه اللجان ستلعب دورًا كبيرًا في تقريب وجهات النظر بين الحكومة واحتياجات القطاع الخاص، ومنها لجنة خاصة بتنمية الصادرات.. ما هو الجديد الذي يمكن أن تقدمه هذه اللجنة بخلاف المجالس التصديرية والجمعيات المشابهة، خاصة أنني أعتقد أن التمثيل يكاد يكون متشابهًا.. فهل من جديد؟

الدكتور وليد جمال الدين رئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الأعمال المصريين وعضو مجلس إدارة المجلس التصديري لمواد البناء

د.وليد جمال الدين: التمثيل متشابه جدًّا لأن اللجنة نفسها تضم في عضويتها ممثلين للمجالس التصديرية المختلفة القطاعية، قد يكون الفارق الوحيد أنها لجنة واحدة وتضم مختلف قطاعات الاقتصاد، في حين تمثل المجالس التصديرية كل قطاع على حدة.

كان هناك سابقة على غرار ذلك يُطلق عليها اللجنة التنسيقية للمجالس التصديرية كلجنة عليا تختص بالحديث عن الصادرات عمومًا.

د.وليد جمال الدين: نأمل أن تستمع الحكومة إلى توصيات اللجان مع ضرورة تنفيذها

ما نأمل به هو أن تقوم الحكومة بالاستماع إلى اللجان الاستشارية وتنفيذ توصياتها على أرض الواقع، فمشكلة التصدير وفقًا لتصور الكثيرين، لا تظهر فقط في المراحل الأخيرة عند دخول المنتجات المُصدرة إلى الموانئ، وإنما مشاكل التصدير تبدأ عند التفكير في الإنتاج من الأساس وهو ما يجعلنا نواجه صعوبة في دخول السوق حتى يقوم المصنعون بالإنتاج.

مشاكل التصدير تبدأ عند التفكير في الإنتاج وليس عند الموانئ

أما بعد مرحلة دخول السوق فنواجه صعوبة أخرى، وهي الاستمرار في الإنتاج نتيجة للمشاكل البيروقراطية الكثيرة، ثم تأتي بعد ذلك مشاكل التصدير تالية لمرحلة الإنتاج.

أحمد رضوان: هل يعني ذلك أن المشكلة استثمارية قبل أن تكون تجارية؟

تسهيل الاستثمارات وإتاحة الأراضي مفتاحا بوابة التصدير

د.وليد جمال الدين: نعم هذا صحيح، ولذلك يتعين في البداية تسهيل الاستثمارات وتسهيل إتاحة الأراضي وتسهيل ممارسة الأعمال وبعد ذلك سيكون التصدير أمرًا سهلًا.

ولكن هناك مشكلة وهي التركيز على النقطة الأخيرة في العملية وهي كيفية عمل الموانئ على مدار الـ 24 ساعة، وفي الحقيقة هذا الأمر مهم إلا أنه قبل تحقيق هذا المستهدف هناك صعوبة في الإنتاج نفسه، وقبل العمليات الإنتاجية لدينا أيضًا صعوبة في بدء الإنتاج.

ياسمين منير: الأستاذ محمد قاسم، نتحدث حاليًا عن وضع يصاحبه متغيرات كثيرة جدًّا تتنوع بين الإقليمية والدولية وهو ما يخلق فرصًا وتحديات في آن واحد.. فمن وجهة نظرك ما هي كيفية تحديد الأولويات خلال المرحلة الحالية للجنة؟ وما هي رؤيتك لترتيب الأولويات التي يتعين البدء بها؟

محمد قاسم رئيس جمعية المصدرين المصريين اكسبو لينك وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات

محمد قاسم: يتعين معرفة المناخ العام لبيئة الأعمال.. والوضع ملبد بالارتباك

محمد قاسم: أرى أن هذا السؤال مهم لأنه يتعين معرفة المناخ العام لبيئة الأعمال، وفي الحقيقة ما يحدث خلال الفترة الراهنة هو أن هناك ارتباكًا وضوضاء نتيجة سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولكن في الوقت نفسه يجب ألا تدفعنا تلك الضوضاء والالتباس الحادث في العالم إلى نسيان المحركات الأساسية للسوق.

العالم يعيد هيكلة سلاسل الإنتاج بعد جائحة كورونا

منذ سنوات قد تكون 4 أو 5 سنوات مضت وتحديدًا بعد جائحة كورونا، بدأ العالم كله في إعادة هيكلة سلاسل الإنتاج، لأن الوباء وحالة التوتر السياسي بين الغرب وآسيا والذي كان موجودًا قبل قدوم ترامب، كشفت أن سلاسل الإنتاج الموجودة تزخر بالمخاطر بفعل طولها والاعتمادية المتبادلة المحيطة بها مما قد يسبب أزمات.

سلاسل الإنتاج الموجودة تزخر بالمخاطر بفعل طولها

ولذلك بدأ العالم في إعادة الهيكلة والتحول من Offshoring إلى Nearshoring وهو ما منح فرصة ذهبية لمصر نظرًا لقربها من الأسواق وتمتعها بقدرة عالية على النفاذ للأسواق الكبرى بدون رسوم جمركية، نتيجة الاتفاقيات المبرمة بين مصر والاتحاد الأوروبي، وكذلك مع الدول العربية والإفريقية، وحتى مع الولايات المتحدة في مجالات محددة.

الاتفاقيات التجارية تمنح مصر ميزة قوية في التصدير أو الاستثمار

وفي الحقيقة كل هذه العناصر تمنح مصر ميزة قوية سواء في التصدير أو الاستثمار، ولذلك منذ عامين تقريبًا أطلقت جمعية المصدرين المصريين إكسبولينك مبادرة الاستثمار من أجل التصدير، وأُشير إلى أن دور الجمعية التي تأسست منذ 28 عامًا بقيادة رجال أعمال معنيون بالتصدير في ذاك الوقت، هو تنمية الصادرات مع التركيز على إطلاق أنشطة تدفع الصادرات إلى النمو.

الوثبة الكبيرة بين المستهدفات والصادرات المحققة تستلزم زيادة الإنتاج

ولكن الدولة وضعت مستهدفًا تصديريًّا بقيمة 145 مليار دولار للصادرات، في حين أن المحقق حاليًا هو 40 مليار دولار فقط، وأرى أن الوثبة الكبيرة بين المستهدفات الموضوعة والصادرات المحققة على أرض الواقع تستلزم وجود طاقات إنتاجية كبيرة، نظرًا لأن حجم التصدير قد يحتاج إلى إنتاج 4 أضعاف رقم الصادرات حتى نستطيع أن نقتطع منه هذا الربع للتصدير.

أطلقنا مبادرة الاستثمار من أجل التصدير لزيادة الإنتاج

بالتالي وجدنا حاجة قوية لزيادة الإنتاج من أجل التصدير، وحتى نتمكن من مضاعفة الإنتاج نحتاج إلى زيادة الاستثمار، ولذلك أطلقنا مبادرة الاستثمار من أجل التصدير وتم عرضها على الهيئة العامة للاستثمار في ذاك الوقت وتم التوافق عليها وتوقيع مذكرة تفاهم، وكان المهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية بعد تشكيل الحكومة الأخيرة مؤيدا لهذه المبادرة التي تعمل في مجالين، وهما تشجيع المستثمرين لدخول السوق المصرية، وأيضًا مساعدة المصدرين على النفاذ إلى الأسواق الخارجية.

فالفكرة الأساسية اليوم أن مصر لديها ميزة نسبية نتيجة موقعها المميز والظروف الدولية، وأُنبه إلى أن هذه الفرصة لن تظل قائمة لوقت طويل.

ياسمين منير: نحتاج إلى اقتناصها في أسرع وقت.

محمد قاسم: هذه النافذة تضيق بمرور الوقت، وبالتالي يجب الإسراع للاستفادة من هذه الفرصة سواء في مجال زيادة الصادرات أو في مجال الاستثمار.

رضوى إبراهيم: المهندس علاء السقطي أُجدد الترحيب بحضرتك.. بالطبع لا خلاف على أهمية ملف الصادرات وبالتأكيد هو ملف قد يعالج جزءًا كبيرًا من مشاكل مصر المتعلقة بوفرة النقد الأجنبي، من وجهة نظرك ما هي الأنشطة أو القطاعات الواجب التركيز عليها خلال الفترة الحالية لتحقيق طفرة حقيقية في الصادرات المصرية؟

المهندس علاء السقطي رئيس اتحاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة ونائب رئيس اتحاد مستثمري مصر

م.علاء السقطي: تمثيل العوامل الإنتاجية ضعيف في موارد مصر الدولارية

م.علاء السقطي: بالطبع مثلما تفضلتي الأزمة الحالية هي العملة الصعبة وعند حساب موارد مصر من العملة الصعبة نكتشف أن العناصر الإنتاجية ضعيفة للغاية، وأن معظم مواردها غير إنتاجية ومنها تحويلات المصريين العاملين بالخارج وقناة السويس.

عائدات الصادرات تُقدر بأكثر من 30 مليارًا أو 40 مليار دولار، وقياسًا بحجم دولة مثل مصر فهذا الموضوع من الصعب تخيله من الأساس، في ظل أن هناك دولًا استطاعت تحقيق 4 إلى 5 أضعاف هذا الرقم بالرغم من أنها بدأت الاهتمام بالتصدير بعد مصر.

نجاح عملية التصدير يتطلب التسعير الجيد والجودة العالية

التصدير قضية مهمة بالتأكيد ولكن في حقيقة الأمر مصر لم تنجح في التصدير، نظرًا لأن نجاحه يتطلب أمرين، هما السعر والجودة وفقًا للمتطلبات العالمية، في حين أن أسعارنا غير منخفضة وجودتنا غير عالية في معظم القطاعات، وهو ما يعرقل التصدير كنتيجة طبيعية.

تكلفة الإنتاج في مصر عالية بسبب إضافة عوامل أخرى غير مباشرة

هناك تساؤل آخر.. لماذا ترتفع التكلفة في مصر؟ هل بسبب ارتفاع التكلفة المباشرة مثل أجور العمال وأسعار الطاقة؟ في الحقيقة الإجابة لا، لأن هناك عوامل أخرى يتم إضافتها، وهو ما ينعكس في النهاية على حساب التكلفة.

رضوى إبراهيم: هل التكلفة عالية في كل القطاعات؟

م.علاء السقطي: في معظم القطاعات.

رضوى إبراهيم: ما هي القطاعات التي تتمتع بميزة نسبية وبالتالي نستطيع التركيز عليها بغرض تحقيق طفرة في الصادرات على المدى القصير، وما هي القطاعات التي نستطيع العمل عليها على مدى أطول مما قد يساهم في هذه الطفرة المستهدفة؟

مصر متميزة في صادرات مواد البناء ولكن لا يجب التخصص فيها فقط

م.علاء السقطي: إذا ذكرنا مواد البناء على سبيل المثال، مصر متميزة بالطبع في هذه الصناعة ولكن هذا هو احتياج السوق العالمية؟ هناك حدود معينة في النهاية للطلب الخارجي والإنتاج المحلي من مواد البناء، ولذلك لا يجوز التخصص في تصدير مواد البناء فقط.

ضرورة النظر إلى المدخلات لتكون طريقة حسابها واضحة وثابتة

أمر آخر، هناك ضعف في الطاقات الإنتاجية ولذلك يتعين مضاعفتها في كل القطاعات من أجل زيادة المستهدفات التصديرية، وحتى يتحقق ذلك يجب النظر إلى المدخلات بحيث تكون طريقة حسابها واضحة وثابتة وهو ما يجعل المُصنع على علم بتكلفته بصورة صحيحة ومنطقية.

أصحاب المصانع لا يستطيعون حساب تكلفتهم لوجود مصاريف غير مرئية

عندما كنا نجذب شركات أجنبية لتوريد المنتجات المصرية كان المصدرون المصريون من أصحاب المصانع لا يستطيعون حساب تكلفتهم، ليس لأمر يعيبهم وإنما بسبب التكلفة غير المرئية التي لا يستطيعون تحديدها، فالنتيجة أن السعر مرتفع، وهو ما يعوق التصدير في النهاية.

مثال قريب، على مستوى أعمالي الخاصة أقوم بتوريد 50% من إنتاج مصنعي لشركة أيكيا السويدية، وهذه الشركة نفسها قدمت طلبات لتوريد منتجات مصرية، إلا أنه عند مرحلة التعاقد مع المصانع المحلية وجدنا المُصنعين غير قادرين على وضع التسعير المناسب، وأُكرر مرة أخرى أن سبب ذلك هو وجود بنود كثيرة تدفعهم إلى التحوط من خلال إعطاء سعر مرتفع، وهو ما يضعف منافستهم خارجيًّا.

أحمد رضوان: المهندس علاء أعتذر عن مقاطعتك هل تتحدث هنا عن أعباء ورسوم أم تتحدث عن تقلبات لها علاقة بسعر الصرف؟.. ما هو عنصر التكلفة تحديدًا الذي تشير إليه في حديثك؟

القرارات المفاجئة تجعل المستثمر في حالة تخوف دائم من التسعير

م.علاء السقطي: كل ما قُلته، وأضيف إلى ذلك أن هناك قرارات قد تصدر بصورة مفاجئة تجعل المستثمر في حالة تخوف دائم من التسعير، غير أن المُصدرين غير قادرين بالفعل على تحديد مستهدف مكسب من التصدير مثل 5 أو 6% ليحقق إيراد بالعملة الصعبة ومن ثم يقبل بالتضحية ليحقق مكاسب حتى إذا كانت قليلة.

إجراء واحد مفاجئ قد يحوّل المستثمر من الربح إلى الخسارة

نقطة مهمة أخرى، خطوة واحدة أو إجراء مفاجئ واحد قد يحول المستثمر من الربح إلى الخسارة، ولذلك يتعين أخذ التحوطات الواجبة.

رفع الأجور يعوق قدرة أي مستثمر على تثبيت تكلفته لمدة عام

هل تتخيل مثلًا أن رفع الحد الأدنى للأجور -رغم أهميته القصوى- قد يحول مصنع من المكسب إلى الخسارة، وفي هذا الإطار أود أن أذكر أنني عضو المجلس القومي للأجور ممثلا عن القطاع الخاص ومن أول الموافقين على قرار رفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 آلاف جنيه، ولكنني أود أن أُوضح حقيقة الأمور التي تعوق أي مستثمر في النهاية عن حساب وتثبيت تكلفته لمدة عام.

هناك نقطة أخرى غير مفهومة وهي برنامج دعم الصادرات أو رد أعباء المصدرين، البرنامج ثابت على بعض القطاعات منذ سنوات طويلة، في حين أن هناك قطاعات أخرى تحاول دخول الأسواق الخارجية إلا أنها لم تحصل على دعم تصديري.

عندما تبدأ شركة جديدة نشاطها تضخ استثمارات كبيرة دائمًا، والوضع هو نفسه عند استهداف دخول أسواق جديدة وكذلك عند تصدير منتج جديد. دعم الصادرات يذهب لنفس الشركات ونفس المنتجات التي يتم تصديرها منذ سنوات ولنفس الدول، أعلم أن هذا الحديث قد يسبب ضيقًا لبعض المصدرين، ولكن لماذا لا يتم التركيز على دعم القطاعات والمنتجات والأسواق الجديدة؟

أحمد رضوان: سنتحدث باستفاضة عن برنامج دعم الصادرات بشكل تفصيلي ولكن أود أن أوجه سؤالًا إلى الأستاذ محمد قاسم عن المستهدفات التصديرية والرقم الضخم الذي يتم الإعلان عنه دومًا كل بضع سنوات من 100 مليار دولار إلى 145 مليار دولار، كيف يتم تحديد هذا المستهدف في ظل وجود مجالس تصديرية ممثل فيها الحكومة؟ أود أن تُصّحح ليّ إذا أخطأت.. المجالس التصديرية يصدر قرار تشكيلها من الوزير المختص، فبالتالي هي لجنة منتقاة، ومن المفترض عند تحديد المستهدفات التصديرية الرجوع إلى هذه المجالس لمعرفة خططها على مدار الخمس سنوات المقبلة وما هو الحد الأقصى المستهدف بلوغه، ومن خلال جمع هذه المستهدفات نستطيع تحديد المستهدف التصديري لمصر، فهل هذا ما يتم إتباعه أم أن هناك رقمًا يُسقط على المجالس التصديرية؟

آلية تشكيل المجالس التصديرية تخضع لإجراءات مؤسسية دقيقة بناءً على بيانات موثوقة

محمد قاسم: في الحقيقة كلاهما، نظرًا لأن المجالس التصديرية هي جهة استشارية للوزير المختص الذي يقوم بتشكيلها، ودورها هو إعطاء توصيات لسياسات معينة لتنمية الصادرات وتسهيل العملية التصديرية وجزء من مهمة كل مجلس تصديري – وقد كنت رئيسًا لمجلس تصديري في وقت من الأوقات، وضع المستهدفات الجديدة لكل عام، وهو ما يعتمد على مدخلات كثيرة ومنها الطاقة الإنتاجية الموجودة والطلب العالمي والقدرة على النفاذ إلى الأسواق الجديدة.

ومن المفترض أن يعلن كل مجلس تصديري عن حجم صادراته المحققة، والمستهدفة في العام الجديد، أما الرقم الكلي فهو الذي يسقط من الحكومة وفي الحقيقة لا أعلم كيفية تحديده.

في كل الأحوال عندما نظرنا إلى كيفية تحقيق الرقم الكلي ونحن كجمعية مصدرين ننظر إلى كل القطاعات المصدرة وجدنا أننا في حاجة إلى زيادة الإنتاج بشكل كبير عن المعدلات الحالية سواء صناعي أو زراعي، بما يضمن الوصول إلى هذا الرقم.

أمر آخر مهم، بدون زيادة الإنتاج لن يكون هناك تصدير، وفي الوقت نفسه زيادة الإنتاج مرتبطة بالاستثمار، مثلما أجبت عن السؤال الأول.

مسألة التصدير محصلة نهائية لكفاءة النظم الداخلية

وأرى أن مسألة التصدير هي محصلة نهائية لكفاءة النظم الداخلية، فلا توجد دولة تستطيع التصدير إلا إذا كانت لديها كفاءة في كل قطاعات الدولة وأولها التعليم.

إحراز مصر تقدمًا ملموسًا مرهون بالاهتمام بالصحة والتعليم

وأُنبه إلى أن التعليم في مصر يعاني من الانهيار، وأيضًا المنظومة الصحية منهارة، وأُؤكد على أنه بدون التعليم والصحة لا توجد أي مقومات للنجاح.

لا تستطيع أي دولة أن تحرز تقدمًا ملموسًا بدون الاهتمام الكامل بالتعليم والصحة، وهذا ما حدث في كل دول النمور الآسيوية سواء كان في كوريا أو في سنغافورة وغيرهما، فكل الدول التي حققت نموًّا سريعًا، بنت هذا النمو في الأساس على التصدير.

فلسفة إحلال الواردات غير مجدية.. وضرورة توفير مناخ محفز للأعمال والاستثمار

وبالحديث عن مصر، في الحقيقة لدينا اليوم لغة خاصة بإحلال الواردات وأرى أنها غير صحيحة، في حين أن المستثمرين يرغبون في أن تُهيئ الدولة لهم مناخًا محفزًا للأعمال وللاستثمار، بجانب مرونة منظومة التصدير.

هذا بالإضافة إلى ترك ما يحدث بين الاستثمار والتصدير إلى عوامل السوق، نظرًا لأن أي مُصنع لا يستطيع أن يحدد ما ينتجه لعدم معرفته متطلبات العالم.

وهذا يعني أن العملية تبدأ من العالم الخارجي، المُصنع المحلي لديه منتجات، ولكن يحتاج إلى معرفة المواصفات العالمية المطلوبة لاستيراد منتجاته والتوقيت المناسب لتوريدها وعمرها على الرف ومواصفات التعبئة، فكل هذه الأمور هي مدخلات خارجية.

المساندة التصديرية ليست ابتكارًا مصريًّا.. العالم كله يدعم صادراته

وأعود هنا إلى سؤالك مرة أخرى عن المستهدفات، فكل مجلس تصديري ونحن لدينا عدد لا بأس به من المجالس التصديرية قد يتجاور العشرين حاليًا، جميعها لديها مستهدفات للتصدير، أما الإجماليات فتصدر من الدولة، وحتى نحقق هذه الإجماليات لا بد من توافر سياسات متكاملة لبلوغ المستهدفات الموضوعة.

أحمد رضوان: اسمح لي بسؤال، وأرجو أن تكون الإجابة عليه سريعة: هل تُعد جميع الكيانات التي تمارس نشاطًا تصديريًّا فعّالًا، أو التي تُصدر بكميات ذات وزن نسبي في السوق، ممثلة داخل المجالس التصديرية؟

محمد قاسم: يمكنني القول، فيما يخص القطاعات التي أتابعها عن قرب، إن الإجابة نعم، فكل الكيانات ممثلة بالفعل ضمن تشكيلات المجالس التصديرية.

أحمد رضوان: معنى أدق، هل من الصعب -على سبيل المثال- أن نجد كيانًا يعمل في تصدير مواد البناء، ويحقق أرقامًا تصديرية تقارب الممثلين بالمجلس، دون أن يكون ضمن تشكيل هذا المجلس؟ هل هذا سيناريو واقعي؟

محمد قاسم: لا، من المستبعد تمامًا حدوث ذلك، إذ سيكون من الصعب جدًّا أن يوجد كيان بحجم تصديري مؤثر خارج المجلس دون أن يُلتفت إليه. وإذا وقع مثل هذا الأمر، فسيعني ذلك أن الوزير الذي اعتمد تشكيل المجلس قد غابت عنه معطيات بالغة الأهمية، وهو سيناريو غير وارد على الإطلاق.

فآلية تشكيل المجالس التصديرية لا تُترك للمصادفة، بل تخضع لإجراءات مؤسسية دقيقة، تبدأ بمشاورات واسعة النطاق مع الجهات المعنية، وتستند إلى بيانات موثوقة تتعلق بحجم الصادرات الفعلي لكل كيان. وهذه المعلومات تكون متاحة لدى الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، التي تمتلك قاعدة بيانات تفصيلية تتضمن أداء كل شركة على حدة.

ياسمين منير: لديّ تساؤل يتعلق ببيئة الاستثمار، لكني شعرت بأن الدكتور وليد كان لديه تعليق أو تعقيب على ما طُرح قبل قليل بشأن المستهدفات والأدوار المختلفة للمجالس التصديرية.

الدكتور وليد جمال الدين رئيس لجنة التصدير بجمعية رجال الأعمال المصريين وعضو مجلس إدارة المجلس التصديري لمواد البناء

مستهدفات المجالس التصديرية أكثر دقة لأنها نابعة من المصدرين أنفسهم

د.وليد جمال الدين: بالفعل، أتفق تمامًا مع الأستاذ محمد في أن المستهدفات التي تخرج من المجالس التصديرية تكون، في تقديري، أكثر دقة وواقعية. والسبب بسيط: من هم أعضاء هذه المجالس؟ إنهم المصدرون أنفسهم. كل مُصدر على دراية تامة بقطاعه، بقدراته الحالية، وبإمكانات النمو التي يمكن أن يحققها على أرض الواقع.

الحكومة تضع أرقامًا تحفيزية لتحقيق قفزات في الصادرات وليست دائمًا واقعية

من هنا، تأتي الأرقام التي تصدر عن المجالس معبرة عن قراءة واقعية تستند إلى معطيات فعلية، بينما الأرقام التي تصدر عن الجهات الحكومية غالبًا ما تكون ذات طبيعة تحفيزية، أو ما يمكن تسميته -بلغة علم النفس- «الترسيخ” (Anchoring).

ياسمين منير: وكأن هناك هدفًا ذهنيًّا يُلقى في الأفق؟

تحقيق 145 مليار دولار صادرات يتطلب أدوات ومناخ أعمال داعم

د.وليد جمال الدين: تمامًا، كأنك أمام مدير مبيعات يريد تحفيز فريقه، والفريق يحقق مثلًا 40 وحدة، فيأتي المدير ويقول: «أريد منكم أن تحققوا 140». هو يعلم تمامًا أن الرقم مبالغ فيه، لكنه يفعل ذلك ليحفّزهم، ولو حققوا 80، فقد كسب هو الرهان. الأمر شبيه بهذا تمامًا. حين تعلن الدولة عن مستهدفات تصديرية عند حدود 145 مليار دولار، فهي لا تقول بالضرورة إننا سنحقق هذا الرقم، لكنها تدفعنا للتحرك نحوه.

لكن السؤال هنا: هل سنتمكن فعليًّا من الوصول إلى هذا الرقم؟

والواقع أننا في المجلس كان يُطرح علينا هذا السؤال خلال لقاءاتنا مع مسؤولي الدولة. كنا نجلس مع مسؤولين في مستويات مختلفة، ونؤكد أننا لن نرفض الرقم أو نقلل من طموحه، بل سنعمل بجدية لتحقيقه. ولكن في المقابل، كنا نطالب الدولة بأن تيسر لنا الأدوات والآليات اللازمة للاقتراب من هذا الهدف.

لا يمكن الحديث عن مستهدفات طموحة في ظل بيئة استثمار طاردة

لا يُعقل أن يُطلب منا تحقيق مستهدفات طموحة في ظل مناخ أعمال يعج بالعراقيل والتحديات. بيئة الاستثمار في مصر، بصراحة، لا تزال طاردة وصعبة، وهذه الحقيقة ينبغي أن تُواجه بجدية إذا كنا نريد ترجمة الأرقام الطموحة إلى واقع فعلي.

ياسمين منير: في الحقيقة، هذا كان جوهر سؤالي الموجه للمهندس علاء السقطي، والمتعلق بمدى قدرة بيئة الاستثمار في مصر على أن تكون محفزة للنشاط التصديري. لا شك أن هناك أهدافًا إستراتيجية بعيدة المدى ترتبط بعمليات التأسيس، لكن في المقابل، هناك أيضًا أهداف سريعة يمكن تحقيقها لتسريع الدفع نحو الهدف الأكبر. فلو افترضنا أننا نريد وضع خطوات واضحة، واحد، اثنين، ثلاثة ـ ما هي أبرز العناصر التي من شأنها أن تجعل مناخ الاستثمار بيئة جاذبة ومُشجعة على التصدير؟

م.علاء السقطي: قبل أن أعدد لك هذه العناصر بشكل مباشر، دعيني أبدأ بمثال بسيط يوضح الفكرة. مثلًا قطاع السياحة، وهو أحد أهم مصادر العملة الصعبة في مصر، بل وفي بعض الأوقات قد يتجاوز في عوائده قطاع التصدير ذاته.

البيئة الاستثمارية تحتاج إلى تفكير غير تقليدي.. والتكنولوجيا جزء من الحل

حين نُحلل التحديات في هذا القطاع، نجد أن هناك فجوة واضحة: عدد الغرف الفندقية المتاحة أقل بكثير من عدد السائحين المستهدف استقبالهم. ولكن بناء الفنادق الجديدة عملية تستغرق سنوات. فطرحنا حينها مقترحًا بديلًا: لدينا ما يقرب من نصف مليون وحدة سكنية غير مأهولة، شقق سكنية شاغرة وموزعة على أنحاء الجمهورية.

ياسمين منير: لكن دعنا لا ندخل في تفاصيل قطاعات بعينها، حديثي هنا يدور حول الإطار الأوسع: بيئة الاستثمار كمنظومة، كهدف.

لا قفزة في الصادرات دون مضاعفة الطاقة الإنتاجية وقاعدة صناعية قوية

م.علاء السقطي: دعيني أوضح أولًا لماذا رغبت في إجراء هذا الإسقاط. اليوم، هناك حلول تكنولوجية متقدمة -مثل تطبيقات السوفت وير- تتيح تأجير الشقق السكنية كمنشآت فندقية معتمدة، وهذه حلول موجودة وتُطبّق بالفعل. هذا النموذج يبرهن على ضرورة الخروج من النمط التقليدي في التفكير، وهو ما يجب أن ينطبق على بيئة الاستثمار عمومًا.

أزمة ندرة الأراضي الصناعية المرفقة تعرقل توسع المصانع القائمة

أما إذا انتقلنا للحديث عن القطاع الصناعي فإن أول وأبرز العقبات التي نواجهها هي ندرة الأراضي الصناعية المرفقة. هذه أزمة حقيقية.

اقترحنا استغلال المساحات غير المُستخدمة داخل المصانع لكن تم رفض المقترح

حين بدأنا البحث عن حلول عملية، اقترحنا استغلال الأصول القائمة: هناك أصحاب مصانع يمتلكون أراضي غير مستغلة بالكامل داخل مصانعهم، بل أحيانًا لا يُستخدم سوى نصف المساحة فقط. فقلنا ببساطة: لماذا لا يُمنح هؤلاء صلاحية استغلال الجزء غير المُستخدم في نشاط آخر؟ أو حتى الشراكة مع مستثمر آخر لتشغيل الجزء غير المستغل؟ الأرض بالفعل مرفقة، والدولة أنفقت عليها تجهيزًا وربطًا بالمرافق. لكن هذا المقترح رُفض.

لا يمكن تحقيق مستهدفات التصدير دون أراضٍ جاهزة واستثمارات ودعم حكومي مباشر

وهنا أؤكد اتفاقي الكامل مع الأستاذ محمد: الوصول إلى مستهدفات تصديرية بهذا الحجم يتطلب بالضرورة مضاعفة القدرة الإنتاجية. لا يمكن الحديث عن قفزات في الصادرات من دون قاعدة إنتاجية صلبة، تبدأ بجودة الإنتاج -نعم- ولكن تسبقها وفرة الإنتاج أصلًا.

ولكي أحقق نموًّا في الإنتاج، فأنا بحاجة إلى مصانع إضافية وطاقة إنتاجية أعلى. ولكي أحقق ذلك، لا بد من توافر عناصر محددة: أراضٍ صناعية جاهزة، استثمارات جديدة، وحوافز ودعم من الدولة.

أحمد رضوان: وأيضًا عمالة.

العمالة ليست أزمة.. والمشكلة في غياب الأراضي المرفقة وارتفاع تكلفة التمويل

م.علاء السقطي: العمالة هي آخر ما يقلقني في هذه المعادلة، رغم أننا نجلد أنفسنا باستمرار تحت دعوى أننا نفتقر إلى عمالة مدربة، وهذا غير دقيق.

أحمد رضوان: هل تقصد أن هناك بالفعل عمالة مدرّبة وجاهزة للعمل؟

م.علاء السقطي: لا، ليست مدربة بالمعنى الكامل، لكنها قابلة للتدريب بسهولة أكبر مما يتخيله البعض. العمالة المصرية لديها قدرة عالية على التحمل، وإمكانات كبيرة يمكن صقلها ببرامج تدريبية بسيطة، ويمكن لربّ العمل أن يتكفل بها داخليًّا.

ما يُقلقني حقًّا في المشهد الاستثماري اليوم ليس نقص العمالة، بل أمران أساسيان: ارتفاع تكلفة الاقتراض نتيجة أسعار الفائدة المرتفعة، وغياب الأراضي الصناعية المجهزة بشكل كافٍ.

رضوى إبراهيم: لكن أسعار الفائدة بدأت في التراجع بالفعل.

م.علاء السقطي: صحيح، تم خفضها بنسبة 2.25%، ويمكن القول إن هذا اتجاه إيجابي، لكن الحقيقة أنه لا يزال غير كافٍ. المشكلة الأكبر أن البيئة الاستثمارية لا تزال تفتقر إلى عناصر التشجيع الحقيقي. ببساطة، لا يمكنك الحديث عن استثمارات جادة في ظل هذا الكم من الصعوبات المرتبطة بمرحلة التأسيس.

المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي ركيزة التوسع التصديري الحقيقي

وأنا هنا لا أتحدث عن الاستثمارات الكبرى فقط، بل تحديدًا عن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو القطاع الذي ينبغي أن يمثل العمود الفقري للتوسع التصديري. لا يمكن أن نعتمد في تحقيق أهدافنا التصديرية على خمسة أو ستة، أو حتى عشرة مصدرين كبار فقط. إن لم تكن لدينا قاعدة عريضة من المصدرين، فسنظل نواجه تحديات كبيرة.

لا يمكن بناء اقتصاد تصديري يعتمد على 10 مصدرين فقط

العقبات الأساسية اليوم تتعلق بالإنتاج، وكل من تحدث قبلي أشار إلى ذلك. فالمنطق البسيط يقول: لكي نُصدّر، لا بد أن نُنتج، ولكي ننتج، يجب أن نبني مصانع، ونستورد آلات ومعدات. هذه هي الخطوة الأولى والأساسية، وهنا بالضبط تكمن المشكلة.

قبل أن نصدر علينا أن ننتج.. وقبل الإنتاج يجب أن نُوفّر بيئة تأسيس ميسّرة

النقطة الثانية، والمهمة جدًّا، أننا نفتقر إلى منظومة واضحة تُرشد المصنعين والمستثمرين إلى اتجاهات السوق العالمية. من يخبرنا بما يحتاجه العالم اليوم؟ هذا الدور غائب. خذي مثالًا بسيطًا: لو قرر أحدهم اليوم إنشاء مصنع لإنتاج أجهزة التلفزيون التقليدية -القديمة وكبيرة الحجم- سيكون مصيره الفشل، لأن السوق العالمية تجاوزت هذا النموذج منذ زمن.

نحتاج إلى جهة رسمية ترشد المصنعين إلى ما يطلبه العالم لا أن ننتظر السوق ليلقننا الدرس

في وقتٍ سابق، لم تكن لدينا منظومة تنقل هذه التحولات التكنولوجية للمُصنّعين بالشكل الكافي. من أبلغنا أن العالم انتقل إلى الشاشات الذكية المسطحة؟ هذا استغرق وقتًا. وما نحتاجه اليوم هو وجود جهات -وغالبًا يجب أن تكون حكومية- تُبلغ المصنعين باتجاهات الأسواق، وتقدم لهم تصورات محدثة عن التحولات في المنتجات والطلب.

لا نريد جهة حكومية بالضرورة.. بل كيانات ذات كفاءة تعرف السوق وتوفر المعلومات

على سبيل المثال فرشاة الأسنان: كانت تُصنع بطريقة معينة، واليوم تغيرت كليًّا. وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع الأثاث، وهذا ما أدى إلى تدهور مدينة دمياط، التي استمرت لفترة طويلة تُنتج أثاثًا تقليديًّا، دون أن تواكب التحولات العالمية في الذوق والتصميم ومتطلبات المستهلك.

المهندس علاء السقطي رئيس اتحاد المشروعات الصغيرة والمتوسطة ونائب رئيس اتحاد مستثمري مصر

رضوى إبراهيم: لكن إذا كان المصنّع نفسه غير مدرك لتطورات قطاعه، وينتظر من الدولة أن تخبره، أليس هذا في حد ذاته مؤشرًا على عدم جاهزيته أو كفاءته؟

م.علاء السقطي: هذا ليس دوره أصلًا. نحن لا نتحدث عن مصنع بحجم موبيكا أو كيانات كبرى تدير بحوثها وسوقها. أنا أتحدث عن القاعدة العريضة، عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي لا تمتلك أدوات الرصد أو التحليل، وتحتاج إلى دعم معلوماتي وتوجيهي منظم.

د.وليد جمال الدين: حسنًا، لديّ اقتراح عملي. نحن في جمعية المصدرين نقوم حاليًا بإعداد دراسات متخصصة للأسواق الخارجية.

م.علاء السقطي: ممتاز، إذًا يمكن الاعتماد على جهة مثل جمعيتكم، لا أقصد أن تكون الجهة هي الدولة، بل أقصد أن تُفَعّل كيانات ذات خبرة وكفاءة، مثل جمعيتكم، وتُدعم بشكل منهجي. فالأمر يتطلب جهدًا كبيرًا: دراسات سوق، وسفر لبعثات خارجية، واستقبال وفود، وجمع معلومات دقيقة. هذا كله يحتاج إلى تمويل ودعم منظم.

جمعية المصدرين مستعدة لتقديم دراسات تسويقية متخصصة لأي قطاع يسعى للتصدير

د. د.وليد جمال الدين: ونحن بالفعل، في جمعية المصدرين، مستعدون تمامًا لتقديم الدراسات التسويقية لأي قطاع صناعي يحتاجها.

م.علاء السقطي: مثال حي أمامنا: مدينة دمياط.

د.وليد جمال الدين: دمياط، في الحقيقة، تمثل حالة مختلفة تمامًا. النموذج هناك يقوم على إنتاج تقليدي يتم تنفيذه بكفاءة عالية، نعم، لكن التحدي الأكبر لا يقتصر فقط على الجودة. أحد أبرز المشكلات التي تواجهنا -وهذه نقطة شديدة الأهمية- تتعلق بتكلفة الإنتاج.

المصدر لا يحدد سعر البيع.. والتنافسية تتحقق بكفاءة الإنتاج لا بسعره

في قطاع التصدير، المُصدر لا يمتلك رفاهية تحديد سعر البيع. السعر يُفرض عليه من خلال السوق العالمية (السعر الدولي للسلعة). وبالتالي، الربح لا يتحقق من السعر، بل من الكفاءة.

وأنا دائمًا ما أقول لجميع زملائنا المصدرين إن مكسبكم الحقيقي لا يأتي من السعر الذي تبيعون به، بل من قدرتكم على إنتاج السلعة بكفاءة أعلى وتكلفة أقل.

الربح الحقيقي يأتي من تقليل التكلفة عبر التكنولوجيا والتدريب وتقليل الهدر

وكفاءة الإنتاج لا تتحقق من فراغ، بل تتطلب تبني تكنولوجيات إنتاج متطورة، وتحسين مستوى تدريب العمالة، واستخدام خامات أفضل، وتقليل الفاقد والهدر في المواد الخام، وتبني أساليب تصنيع أكثر رشادة. كل هذه العوامل تُشكّل مفهوم «كفاءة الإنتاج»، وهو ما يصنع الفارق الحقيقي في التنافسية والربحية.

ونحن في جمعية المصدرين لدينا فرق عمل متخصصة في تحليل ودراسة الأسواق العالمية، ومستعدون لتقديم هذه الخدمة لأي قطاع صناعي يسعى جديًّا إلى التوسع في التصدير.

رضوى إبراهيم: هذا طرح مهم، خاصة ما يتعلق بدور جمعية المصدرين في دعم الصناعة. لكنني أود الانتقال الآن إلى محور بالغ الأهمية في ملف التصدير، وهو برامج المساندة التصديرية. سؤالي للدكتور وليد: كيف تُقيّمون هذه البرامج؟ هل تراها تتحسن وتسير في الاتجاه الصحيح؟ وهل ثمة التزام فعلي بها؟ وهل يمكن القول إنها تعاني من عدم الاستقرار أم أن في ذلك مبالغة؟

المساندة التصديرية ليست منحة بل رد أعباء اقتصادية يتحملها المُصدر المصري

د.وليد جمال الدين: فكرة برامج المساندة التصديرية في جوهرها سليمة ومبنية على منطق اقتصادي صحيح. الاسم الرسمي لها هو «برنامج رد الأعباء التصديرية»، وهذا يعكس الفلسفة التي يقوم عليها البرنامج. فكما قال زملائي الضيوف، المُصدر المصري يتحمّل أعباءً إضافية في بيئة التشغيل، أعباء قد لا تُفرض على المصدرين في دول أخرى. نحن نواجه، على سبيل المثال، أسعار فائدة أعلى، وتكاليف نقل داخلي مرتفعة مقارنة بجيراننا، فضلًا عن تحديات لوجستية متعددة.

البرنامج يُفترض أن يقوم بإعادة جزء من هذه التكاليف، بحيث يُعزز قدرة المُصدر المصري على التنافس في الأسواق العالمية بشكل أكثر عدالة.

أداء الصادرات يرتبط مباشرة بفاعلية صرف مستحقات الدعم

وقد أثبتت التجربة أن كفاءة تنفيذ البرنامج ترتبط ارتباطًا مباشرًا بأداء الصادرات. ففي الفترات التي عمل فيها البرنامج بفعالية، شهدنا زيادة ملحوظة في أرقام الصادرات. وعلى العكس، حين تعرّض البرنامج لتوقفات وتأخيرات في الصرف، كما حدث على مدار أربع سنوات لم تُصرف فيها مستحقات، تراجعت الصادرات بوضوح. ثم، عندما استؤنف صرف المستحقات، عادت الصادرات للارتفاع مجددًا. العلاقة بين الاثنين واضحة ومثبتة بالتجربة.

غياب الاستقرار في برامج الدعم يفقد المصدرين الثقة والقدرة على التسعير التنافسي

ما نأمله هو الاستقرار والاستدامة. لا يصح أن نشهد تقلبًا في أداء البرنامج كل بضع سنوات، حيث يتأخر الصرف، ثم تعود الدولة لتطلق «مبادرات تسوية» تصرف فيها المتأخرات بعد سنوات، وغالبًا بعد خصومات كبيرة. هذه التقلبات تُفقد المصدرين الثقة في البرنامج.

تأخر صرف المساندة حوّلها من أداة تحفيز إلى بند محذوف من خطط المصدرين

في كثير من الأحيان، المصدر أصبح لا يضع المساندة ضمن حساباته. بدلًا من أن يستغل النسبة المقررة له في تخفيض سعره جزئيًّا -بحيث يحتفظ بجزء منها كربح، ويوجه الجزء الآخر لتقديم حافز للمستورد وبالتالي توسيع السوق- أصبح يعتبر أن هذه المستحقات «غير مؤكدة»، أو أنها ستصل بعد سنوات، فتُفقد قيمتها الاقتصادية. وبهذا، لا تتحقق الأهداف الأصلية التي أُنشئ البرنامج من أجلها.

نحتاج إلى إستراتيجية دعم تصديري تمتد لخمسة أعوام.. لا سياسات تُدار عامًا بعام

لذلك، ما نحتاجه فعليًّا هو رؤية إستراتيجية تمتد لخمس سنوات على الأقل، لا أن يُدار البرنامج عامًا بعام. نريد وضوحًا في المسار: ما هي القطاعات المستهدفة؟ وما نسب الدعم؟ وما سقف النمو المتوقع؟ والعودة إلى الفلسفة الأساسية للبرنامج: دعم القطاعات الجديدة والناشئة التي لم تترسخ بعد في الأسواق الدولية، من خلال تقديم دعم مرحلي لمدة 3 إلى 5 سنوات. وبمجرد أن تُثبت هذه القطاعات وجودها من حيث الجودة والسعر والكفاءة، يجب أن تنسحب عنها المساندة تدريجيًّا.

يجب سحب الدعم تدريجيًّا من القطاعات التي ترسخت عالميًّا وفتح المسار للناشئة

هناك قطاعات، للأسف، تحصل على دعم تصديري منذ تأسيس الصندوق ولم تنقطع عنه. هذا النمط يُفرغ البرنامج من محتواه، ولا بد أن تقف هذه المساندة.

رضوى إبراهيم: ولماذا إذًا لم يتم وقف المساندة عن هذه القطاعات؟ هل تمثل بالفعل نسبة كبيرة من إجمالي الصادرات، أم أن هناك أسبابًا أخرى؟

بعض القطاعات دمجت الدعم التصديري في هيكل التكلفة.. وتحولت المساندة إلى عادة

د.وليد جمال الدين: هي بالفعل تمثل نسبة جيدة من الصادرات، ولكن المشكلة أن الأمر تحوّل إلى نمط اعتيادي. المصدرون في هذه القطاعات باتوا يُدرجون الدعم في تكلفة إنتاجهم وتسعيرهم.

محمد قاسم رئيس جمعية المصدرين المصريين اكسبو لينك وعضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات

رضوى إبراهيم: وما هي القطاعات التي ترى أنها أصبحت أولى الآن بالحصول على هذا النوع من الدعم؟

محمد قاسم: دعيني أُكمل على ما تفضل به صديقي الدكتور وليد، وأؤكد نقطة في غاية الأهمية: برامج المساندة التصديرية ليست بدعة مصرية. نحن لم نخترع هذه الآلية. جميع دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، تقدم دعمًا لصادراتها بشكل مباشر أو غير مباشر.

د.وليد جمال الدين: والصين وتركيا على وجه الخصوص!

محمد قاسم: الصين وتركيا، بالتأكيد، فهما نموذجان معروفان في تقديم دعم شامل للمُصدرين. لكن المثير للاهتمام أن الدول التي تطالبنا بعدم تقديم مساندة لصادراتنا هي ذاتها أول من يفعل ذلك.

أعود بالتاريخ قليلًا: عندما كنت رئيسًا لجمعية مصدري الملابس، كان ذلك في عهد الدكتور يوسف بطرس غالي. ذهبنا إليه آنذاك وقلنا له بوضوح: إذا أردنا فعلًا تنمية صادراتنا، فلا بد من مساندة حقيقية، لأننا ببساطة ننافس في سوق مفتوح، واللاعبون الآخرون يتمتعون بمزايا كبيرة. لا يمكن أن نلعب بذات القواعد إذا كانت أرضية المنافسة غير متكافئة.

كان رده منطقيًّا: من حيث المبدأ، لا مانع، ولكن لا بد أن يكون هناك تصور واضح لكيفية الخروج من هذه المعادلة تدريجيًا كما قال الدكتور وليد.

فاتفقنا على صيغة واضحة: قلنا إن لدينا 10 مشكلات هيكلية تعوق قدرتنا على المنافسة. إذا حصلنا على دعم بنسبة 10%، فكلما قامت الدولة بحل مشكلة من هذه العشرة، يتم تخفيض نقطة من نقاط الدعم – أي 1% لكل مشكلة تُحل. هذه كانت رؤية تستهدف إصلاحًا تدريجيًا.

رضوى إبراهيم: وهل تحقق ذلك بالفعل؟ هل تم تنفيذ هذا الطرح القائم على حل المشكلات تدريجيًّا مقابل خفض نسبة المساندة؟

محمد قاسم: للأسف، لم يحدث. ببساطة لأن المشكلات العشر التي تحدثنا عنها لم تُحل. علينا أن نُدرك أن المطالبة بالمساندة التصديرية لا تأتي من فراغ، فالفكرة الجوهرية وراء هذا الدعم هي أننا نحاول منافسة مصدرين في دول أخرى لا يواجهون نفس المعوقات التي نواجهها نحن في مصر.

خطة الخروج (Exit Plan) من برنامج المساندة لا تكون بالإلغاء المفاجئ، بل من خلال إصلاح البيئة الاستثمارية والتصديرية. فإذا تمكنا من إزالة العراقيل وتحقيق معاملة عادلة للمصدر المصري مقارنة بمنافسيه في الخارج، عندها فقط لن نحتاج إلى المساندة، لأن التنافسية ستكون قد تحققت على أرض الواقع.

رضوى إبراهيم: حسنًا، يتضح أن برامج المساندة التصديرية كانت مظلومة في التقييم العام، لكن أود أن أعود لسؤالي المباشر لحضرتك: ما هي القطاعات التي ترى أنها أحق بالحصول على دعم إضافي في الوقت الراهن؟ تلك التي يمكن أن تُحدث بالفعل طفرة في أداء الصادرات المصرية؟

أولويتنا دعم الصناعات التي تحتاج إلى قفزة تكنولوجية عاجلة

د.وليد جمال الدين: برأيي، الأولوية يجب أن تذهب للقطاعات التي تشهد نموًّا عالميًّا مدفوعًا بتغيرات تكنولوجية جوهرية. نحن الآن أمام موجة جديدة من الابتكار الصناعي مدعومة بتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي (AI). لقد باتت تقنيات الإنتاج الحديثة أكثر تطورًا من حيث السرعة والحجم، الأمر الذي يستدعي ضخ استثمارات جديدة لتحديث خطوط الإنتاج وتبنّي أدوات تكنولوجية تواكب هذا التحول العالمي.

في المقابل، عدد من القطاعات الصناعية في مصر لا تزال تعمل بتكنولوجيا تقليدية نسبيًّا، ما يجعل قدرتها التنافسية تتراجع بمرور الوقت.

الصناعات التقليدية تتراجع أمام الموجة العالمية للذكاء الاصطناعي

ومن هنا، فإن الدعم الذي تحتاجه هذه القطاعات لا يجب أن يقتصر على رد الأعباء التصديرية بمعناها التقليدي، بل يجب أن يتحول إلى مساندة موجهة لتحديث التكنولوجيا. نحن لا نتحدث فقط عن تقليل التكلفة، بل عن تمكين تلك الصناعات من اللحاق بالتطور العالمي.

برامج الدعم يجب أن تتحول من رد الأعباء إلى تمويل التحول التكنولوجي

إذا تُركت هذه الصناعات على حالها، دون تحديث للآلات أو تطوير في نظم التشغيل، فالعالم سيتجاوزنا.

رضوى إبراهيم: بمعنى الرهان على هذه القطاعات.

د.وليد جمال الدين: نعم، أرغب في المراهنة على هذه القطاعات، خصوصًا تلك التي ترتبط بكفاءة الإنتاج كما ذكر الأستاذ محمد. العديد من الصناعات الحالية تشهد تراجعًا في كفاءة إنتاجها نتيجة للتطورات التكنولوجية التي شهدتها مناطق متعددة. ومن ثم، يصبح من الضروري تحديث المعدات والآلات، وزيادة سرعة الإنتاج، وإدخال تقنيات مثل الروبوتات في عمليات التصنيع.

لا بديل عن تحديث الآلات ودمج الروبوتات لرفع كفاءة الإنتاج

فعلى الرغم من أهمية تدريب العمالة، إلا أن الاعتماد على كثافة العمل اليدوي لم يعد مجديًا، ولا يمكن الاستمرار في وجود فاقد أو انخفاض في الإنتاجية. وبالتالي، تبرز الحاجة الماسة إلى نقلة تكنولوجية حقيقية. وأقول اليوم، يجب التوجه نحو الصناعات التي تحتاج إلى تطور تكنولوجي، والتفكير بشكل جديد ومختلف عما هو قائم حاليًا.

أحمد رضوان: عذرًا، لدي تساؤل هنا: لماذا يعمد القطاع الخاص دائمًا إلى تعقيد الأمور على نفسه؟ عندما نضيف معايير جديدة أو نوسع من البنود التي يتم على أساسها استحقاق المساندة التصديرية، تتطلب العملية التعامل مع جهاز إداري معقد، ويتوجب على الشركات توثيق كل بند من هذه البنود التي ذكرتها، سواء كان متعلقًا بتكنولوجيا جديدة أو آلات حديثة أو غيرها من التفاصيل. لماذا لا يُصاغ برنامج أبسط؟ فمثلما أعلنت الحكومة منذ أيام عن نية إلغاء الرسوم الحالية مقابل فرض ضريبة إضافية موحدة، لماذا لا يتم ربط المساندة التصديرية بنسبة من قيمة الصادرات، على أن يتم الأمر ببساطة وبدون تعقيد؟

د.وليد جمال الدين: أعتقد أننا قد اقترحنا هذا بالفعل منذ وقت طويل. إذا افترضنا، على سبيل المثال، أن حضرتك مُصدر وقمت بتصدير كونتينر واحد فقط، فلا داعي لتخيل تصدير عشرات الحاويات أو المئات منها، فإنه في حال تصدير حاوية واحدة، سيكون عليك تقديم عدد ضخم من المستندات للحصول على المساندة المرتبطة بذلك الكونتينر. ولكل شحنة، يجب أن تقدم إقرارًا منفصلًا، وهذا الإقرار يجب أن يتضمن توقيعًا معتمدًا من البنك، كما يتطلب موافقة رسمية من رئيس مجلس الإدارة أو من يفوضه بتوقيع هذا الإقرار، وهو ما يهدف لتجنب المسؤوليات القانونية أو الجنائية.

تقديم مستندات منفصلة لكل شحنة عبء لا يتحمله المصدرون

ولكن لماذا لا يكون من الممكن تقديم هذا الإقرار مرة واحدة في السنة، بدلًا من تقديمه مع كل شحنة؟ بل الأغرب أن هذا الإقرار يحتاج إلى أن يُرسل إلى البنك في كل مرة، ليتم التصديق على صحة التوقيع. وعلاوة على ذلك، يجب توفير شهادة جمركية عن كل شحنة. فإذا كان الجمرك قد أصدر الشهادة بالفعل، يتعين على المندوب التوجه إلى الجمرك للحصول على صورة طبق الأصل منها، رغم أنه يمكن للجمرك نفسه إرسالها مباشرة إلى وزارة التجارة الخارجية إلكترونيًّا.

مثال آخر على التعقيد يمكن أن نراه عند التصدير إلى ليبيا، حيث يعمل المقيّمون في السلوم. كل يوم يأتي أحدهم ليخبرك أن الختم غير واضح، لتعود إلى نقطة البداية، مما يؤدي إلى إضاعة الوقت وتباطؤ الإجراءات.

رضوى إبراهيم: الطريقة التي تحدث عنها أحمد بأنه يتم ربطها بنسبة من قيمة الصادرات هل يتم تطبيقها في دول نرى أن فيها طفرة مثل تركيا؟

إقرار بنكي لكل شحنة وإجراءات مرهقة تُهدد جدوى الدعم

د.وليد جمال الدين: نعم مطبقة في تركيا .. وسوف نعطي مثالًا لها، وليكن مستثمر قام بتصدير شحنة بقيمة 10 ملايين دولار، ونفترض أن نسبة الدعم 10%، فإن الجمرك بطريقة أوتوماتيكية يرسل لوزارة المالية بأن هذا المصدر يستحق 10 آلاف دولار بما يعادله عملته المحلية كرصيد في حساب الضرائب الخاص به.. ما الصعوبة في ذلك؟ بياناتي موجودة لدى الجمرك وشركتي مستحقة للدعم وفقا لسجلات وزارة التجارة.. وقد أقر الجمرك بوصول الشحنة التي سيتم تصديرها وأقر بأن قيمتها تساوي 10 ملايين دولار.. وهنا المصدر يستحق ما يعادل 10 آلاف دولار بالعملة المحلية.. لماذا لا يبلغ الجمرك وزارة المالية ووزارة التجارة بأن المصدر وليد جمال الدين مثلًا قام بتصدير شحنة قيمتها كذا ويستحق مبلغ كذا.. ما الصعوبة في ذلك؟ هذا الإجراء سهل جدًّا في تطبيقه عمليًّا وأوتوماتيكيًّا.

رضوى إبراهيم: ونحن ننادي من هنا من صالون حابي بضرورة أن يتم مراجعة أسلوب حساب المساندة التصديرية.

د.وليد جمال الدين: بالضبط.. لماذا يجب علينا تقديم ملف 20 أو 30 ورقة عند تصدير كل شحنة.

أحمد رضوان: بالتأكيد على كل ورقة رسوم.

تبسيط الإجراءات لم يعد مطلبًا.. بل ضرورة لاستمرار المصدرين في الأسواق العالمية

د.وليد جمال الدين: نعم بجانب دمغة يتم خصمها مع كل صرف، وهناك نسبة يتم خصمها من كل صرف ليس لها مسمى، وأتحدى أن أي مصدر يستطيع أن يعرف حجم الدعم المستحق له من الصندوق، فمثلًا لو الحسابات الداخلية للشركة تشير إلى أن لها 2 مليون جنيه لدى الصندوق وطلبت من الصندوق ما يفيد ذلك فإنه من المستحيل أن يعطيها هذه الورقة.

أحمد رضوان: ننتقل الآن للمهندس علاء السقطي.. مع كل أزمة نقد أجنبي نمر بها يبدأ ظهور الحديث الخاص بضخامة الواردات، وأن المصريين يستوردون بعشرات المليارات من الدولارات، لكن في الفترة الأخيرة، تفاجأنا بوزير الاستثمار والتجارة الخارجية المهندس حسن الخطيب يصرح بأن حجم وارداتنا لا يتناسب مع خططنا المرتبطة بالنمو والتصدير، وأن حجم وارداتنا طبيعي وأقل من الطبيعي في بلد يريد أن ينمو بقوة وأن يصدّر بقوة، بماذا تفسر استخدام سلاح الواردات لكي نتحدث عن مشاكلنا المرتبطة بعجز الميزان التجاري.. وهل وضع الواردات مناسب لإحداث قفزة في الصادرات؟

م.علاء السقطي: لدينا واردات تدخل كمستلزمات إنتاج ولدينا واردات منتج نهائي، كلاهما لا بد من النظر إليه والعمل عليه، ليس هناك تعارض بين العمل على تقليل واردات مستلزمات الإنتاج وتصنيعها محليًّا إذا استطعنا ذلك، أو أننا نقوم بتصنيع المنتج النهائي، للأسف حجم استيرادنا كبير وليس قليلًا، وإذا كانت الأسعار أو الفواتير قيمتها مختلفة عن الحقيقة فليس هذا معناه أن حجم استيرادنا قليل.

أحمد رضوان: ماذا يعني ذلك؟

م.علاء السقطي: سوف أعطي لك مثالًا، لو قمنا بتجميع فواتير استيراد ألعاب الأطفال سنجد أنها رقم لا يتناسب مع قرية في مصر، وفي واقع الأمر نحن نستورد بأرقام كبيرة، هناك بند واحد فقط وهو البالونات، ولماذا نتحدث عن البالونات، لأن رئاسة الجمهورية طلبت منا في 2017 تقديم عرض عن البالونات، وهذا الكلام موثق.

ربط التصدير بجودة الإنتاج مهم.. لكن الأهم أن نبدأ بوفرة الإنتاج أولًا

أحمد رضوان: تصنيع أم استيراد؟

م.علاء السقطي: تصنيع.. قمت وقتها بزيارة إلى الصين قبل مؤتمرالشباب في أسوان، وذهبت إلى بيت صيني يضم زوجًا وزوجته وولدين، يقومون بتصنيع البالونات، جلست معهم وحصلت منهم على كيس بالونات وعرضت على الرئيس التجربة وأوضحت له أن هذا الكيس حصلت عليه من هذا البيت الصيني، والكيس الآخر اشتريته من مصر من تصنيعهم أيضًا، نحن نستورد بالونات وشمع بملايين الدولارات، والآن المسؤولون الحكوميون يصرحون بأن حجم الاستيراد قليل، لا، نحن نستورد بأرقام كبيرة ولا بد أن يتم تصنيع هذه المنتجات في مصر.

عندما نتحدث عن إحلال الواردات بمنتجات محلية فهذا ليس معناه وقف استيراد ما لا نستطيع تصنيعه في مصر.

أحمد رضوان: نعم مع حضرتك لكن لو عدنا إلى أصل الموضوع وتم توفير قطعة الأرض اللازمة لبناء المصنع، وبسعر مناسب، فسيتم البدء في حل المشكلة.

م.علاء السقطي: هذا موضوع آخر.

د.وليد جمال الدين: هل مشكلتنا في مصر زيادة الواردات أم نقص الصادرات.

م.علاء السقطي: الاثنان معًا.

د.وليد جمال الدين: نعم لكن نقص الصادرات مشكلة ملحة أكثر وهى الأساس، الـ 40 مليار دولار صادرات رقم لا يتناسب مع إمكانات مصر كما قيل منذ قليل، ولا بد أن يتم تركيز مجهودنا على زيادة الصادرات، لأن سوق الصادرات يكون فيه نوع من الذوق والـ branding، فمن الممكن أن نستورد نظارة شمس لأنها ماركة عالمية، ولذلك هناك منتجات ليس في استطاعتنا منع استيرادها لأن المستهلك يريد شراءها بالتحديد.

لا يمكن إلغاء المساندة دون إصلاح بيئة المنافسة ورفع كفاءة البنية التصديرية

م.علاء السقطي: لا أوافقك في هذا الرأي، لأن معظم الشعب يستخدم المنتجات العالمية المقلدة وليس الأصلية.

د.وليد جمال الدين: نعم ولكن هناك منتجات يصعب تقليدها أو استبدالها بأخرى محلية، هل نستطيع إنتاج سيارة تعادل المرسيدس؟ ليس باستطاعتنا ذلك.

رضوى إبراهيم: إذا افترضنا أننا أصبحنا شعبًا مرفها ويحتاج كل هذه الواردات ولدينا الشريحة التي تستطيع الإنفاق على هذا النوع من المنتجات، من الممكن أن نقوم بإنتاج وتصدير المنتجات الخاصة بنا إلى دول أخرى، هذا الأمر لا يتعارض مع ذلك.

محمد قاسم: الحقيقة في مسألة الاستيراد والتصدير إننا نختلق ونفتعل المشكلة لأنها ليست موجودة، واقع الحال يشير إلى أن 85% من وارداتنا ضرورية لأنها سلع غذائية «قمح وزيت وخلافه» وبترول ومنتجاته وآلات ومستلزمات إنتاج.

رضوى إبراهيم: وقد تكون اضطرارية.

محمد قاسم: المناقشة في هذه المسألة مضيعة للوقت، وإذا استمر الحديث عن أننا لماذا لا ننتج علبة الكبريت والبالونة وغيره فلن نغير شيئًا، من الذي قال إننا لا ننتجها؟ قوى السوق هي التي تحدد ما يمكننا إنتاجه.

التنافس العادل يستوجب دعمًا يضارع حجم المعوقات

هناك تجربة موجودة عندما قيل في وقت من الأوقات أننا نستورد مئات الملايين من قطع بعينها من جهاز سخان المياه، عندما حاول البعض إنتاجها محليًّا وجدوا أن تكلفتها 60 جنيها، بينما نشتريها من الخارج بـ 5 جنيهات. لا بد أن نفهم أن الإنتاج هو عبارة عن تخصيص موارد سواء رأس المال أو الأرض أو المهارات لإنتاج منتج معين، إذا كنت متفوقًا في إنتاج منتج معين، فما الداعي لإنتاج منتج آخر بجودة منخفضة، وهذا هو المبدأ الذي تقوم عليه التجارة العالمية من خلال التخصص وتقسيم العمل.

هناك دول تستطيع إنتاج منتجات معينة بكفاءة عالية، ونحن في مصر مثلًا لدينا منتجات معينة لا يستطيع أحد منافستنا فيها، ولذلك من الأفضل لنا التخصص فيما ننتجه بمهارة وجودة، أما فكرة أننا نستطيع إنتاج كل شيء فليست الفكرة الأفضل، وقد حاولنا بالفعل إنتاج كل شيء من الإبره للصاروخ لكن دون نتيجة، كل الدول التي حققت تنمية حقيقة كانت تعتمد على التصدير، وبالتالي فكرة إحلال الواردات هي فكرة مستدعاة من زمن سابق، ستسهتلك الوقت دون فائدة.

85 % من وارداتنا ضرورية لأنها سلع غذائية وبترول وآلات ومستلزمات إنتاج

لكي نقوم بتحسين بيئة الأعمال والاستثمار لا بد أن نجري إصلاحًا مؤسسيًّا وعملية تقوية للمحافظات حتى نستطيع زيادة الأعمال فيها، وتكون كل محافظة قادرة على الإنتاج، إذا قمنا بذلك مع الاهتمام بالتصدير فإن أي شيء آخر سيأتي بالدفع الذاتي.

ياسمين منير: دكتور وليد جمال الدين.. نحن نتحدث منذ فترة عن دعم الصناعة والتصدير بالتزامن مع مبادرات تمويلية مختلفة، عنصر التمويل مؤثر جدًّا للصناعة والمبادرات مهمة خاصة في أوقات وجود الفائدة العالية، ما تقييمك لهذه المبادرات وآخرها مبادرات الصناعات ذات الأولوية، من حيث طبيعة الإجراءات وحجم التمويل وشروطه وكفاءة المبادرات في تحقيق هدفها؟

د.وليد جمال الدين: على المدى الطويل نتمنى انخفاض الفوائد بحيث تكون معقولة وألا نحتاج إلى مثل هذه المبادرات من الأساس، والتي تم الإعلان عنها لظروف معينة في الاقتصاد الكلي اضطرتنا إلى رفع الفائدة لنسب عالية جدًّا، وأصبحت الصناعة معها غير قادرة على الاقتراض بهذه الفوائد، وبالتالي تقوم الدولة بإطلاق المبادرة كباب لتمويل الصناعة وحمايتها من الفوائد العالية، ولا نتمنى أن نحتاج إليها في المستقبل.

لا بد من مراجعة أسلوب حساب المساندة والأفضل ربطها بنسبة من قيمة الصادرات

كان لدينا مبادرة بفائدة 5% للصناعات الصغيرة ثم مبادرة بـ 11% للصناعات المتوسطة، وبعدها تحولت إلى 15%، وعلى حد علمي الـ 15% غير مفعلة، هناك فترة كبيرة بين الإعلان عن المبادرة وتفعيلها في البنوك، هذه الفترة تتجاوز السنة والسنة ونصف وبالتالي تفقد المبادرات قيمتها، يجب تطبيق المبادرة فور الإعلان عنها.

ما يحدث هو الإعلان عن المبادرة في الصحف ووسائل الإعلام ويتفاءل مجتمع الأعمال بالإعلان وبعدها يتوجه العميل إلى البنك الذي يخطره بأنه لم تأت إليه تعليمات بالمبادرات، مثلما تصدر قوانين محفزة منصوص بها أن اللائحة التنفيذية ستصدر خلال شهر، ويستعد الجميع للاستفادة منها، ثم يكتشف المحاسبون القانونيون أن اللائحة لم تصدر، قس على ذلك قرارات المساندة التصديرية، حيث يتم تخصيص الأموال بعدها بشهور. لماذا تكون لدينا هذه المشكلة دائمًا؟ الدولة تعلن عن مبادرات ممتازة لكن ما بين الإعلان والتنفيذ فترة زمنية طويلة جدًّا تفرغ المبادرات من مضمونها.

رضوى إبراهيم: السؤال الأخير في الجزء الأول من الصالون للأستاذ محمد قاسم.. ما الحوافز والإجراءات التنظيمية أو التعديلات التشريعية التي نحتاجها وقادرة على تنشيط حركة الصادرات المصرية؟

محمد قاسم: هذا السؤال صعب جدًّا.

رضوى إبراهيم: دعنا نحاول سويًّا.

هناك حالات تحتاج إلى إصلاح تشريعي وأخرى قرار وزاري أو جمهوري

محمد قاسم: الموضوع ليس بالبساطة التي يمكن أن نقول فيها مجموعة من الإجراءات المطلوبة، كما قلت وزملائي أيضًا، الاهتمام بالتعليم مهم جدًّا لأن الطبقة التي تعمل لا بد أن يكون لديها أساسيات الدخول لسوق العمل، كما نحتاج أيضًا إلى إتاحة الأراضي.

رضوى إبراهيم: أي أن الحوافز تتركز في التدريب مثلًا، لو أردنا صياغتها في حافز أو إجراء ما هو؟

محمد قاسم: الأمر ليس مجرد حوافز، لأن الحوافز معناها أن النظام عاطل ونقوم بتشغيله بطريقة استثنائية، نحن نريد الانتهاء من الاستثناءات، كل الحوافز التي تمت لم تصل بصادراتنا إلى المطلوب، ولم تحل أصل المشكلة.

أصل المشكلة هو التعليم والصحة، والبناء المؤسسي، لا بد أن يكون أسهل وأبسط في الإجراءات كما تفضل زميلي د. وليد وشرح ذلك، وأن تكون بيئة العمل محفزة للإنتاج ولا تكون طاردة له، مع ضرورة النظر إلى المستقبل، فمثلًا اليوم نتحدث عن الإفراج الجمركي وتكدس الموانئ، إذن ماذا سيحدث بعد سنوات من الآن؟

رضوى إبراهيم: مسألة التكدس في الموانئ أزمة منذ سنوات ومهما حدث لا نشعر أنها تختفي وسط الأزمات التي يعاني منها القطاع الخاص.. ما الحل؟

أحمد رضوان: نحن نتحدث هنا عن تكدس مرتبط بالنقد الأجنبي أم زمن الإفراج؟

رضوى إبراهيم: إجراءات الإفراج.

محمد قاسم: الموضوعات متشعبة ومدة الإفراج تصل إلى 10 أيام و14 يومًا، بينما هناك دول حولنا تفرج عن البضائع خلال ساعات أو 24 ساعة على أقصى تقدير، وهذا كلام أعلن عنه وزير الاستثمار، لماذا كل ذلك الوقت؟

رضوى إبراهيم: ماذا ينقصنا إذن؟

محمد قاسم: ينقصنا إصلاح مؤسسي وتدريب الموظفين وتخليص النظام من التعقيدات الإدارية التي تؤدي إلى التعطيل كما شرح د. وليد عندما تحدث عن السبب في تقديم أوراق هى في الأساس خاصة بالحكومة.

الحوافز المعلنة لم تصل بصادراتنا إلى المطلوب.. ولم تحل أصل المشكلة

رضوى إبراهيم: إذن نحن لسنا في احتياج إلى حوافز، وما قلته متعلق أكثر بالإجراءات التنظيمية، هل هناك مطالب تشريعية سواء تعديل أو قانون جديد؟

محمد قاسم: كل حالة يجب التعامل معها على حدة، فهناك حالات تحتاج إلى إصلاح تشريعي وأخرى لقرار وزاري، وغيرها لقرار جمهوري وهكذا.. كان لدينا مبادرات في الماضي تختص بالتشريعات التجارية والاقتصادية وكيفية إصلاحها، هناك أمور عديدة يمكن تحسينها وسؤدي إلى إحداث فارق، لكن الفكرة تتمثل في أن كل مشكلة يجب البحث عن جذورها ومعالجتها، وليس إعطاء مسكنات فقط.

أحمد رضوان: أستأذن حضراتكم في 5 دقائق استراحة ونعود مرة أخرى للجزء الثاني من صالون تنمية الصادرات.