الدولار.. من ذهب بريتون إلى رمال مارالاغو

الدولار.. من ذهب بريتون إلى رمال مارالاغو
April 8th, 9:19pmApril 8th, 9:19pm
ابوظبي – ياسر ابراهيم – الثلاثاء 8 أبريل 2025 09:19 مساءً – هز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العالم في 2 أبريل الجاري، بفرضه رسوماً جمركية شاملة على الواردات من عشرات الدول، واصفاً ذلك اليوم بـ”يوم التحرير الاقتصادي”.
وفجر القرار اضطراباً واسعاً في الأسواق العالمية، حيث خسرت مؤشر عالمية أكثر من 4% في يوم واحد، وتراجعت أسواق أوروبا وآسيا بشكل حاد، فيما حذرت شركات كبرى من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وسارع المستثمرون نحو الأصول الآمنة وسط ذعر من انهيار سلاسل التوريد العالمية.
سال حبر كثير على هذا الموضوع، من خبراء ومحللين ومستشرفين، نأخذكم في هذا التقرير إلى زاوية من الزوايا التي طرقوها خلف هذه العاصفة التجارية، حيث ترى فئة من المستشرفين أن ملامح استراتيجية أعمق داخل إدارة ترامب بدأت تتكشف، مدارها: استغلال الرسوم الجمركية مدخلاً لفرض واقع نقدي جديد، قد يصل إلى خفض قيمة الدولار الأمريكي بشكل مدروس.
آخر الأسلحة
برر ترامب خطوة الرسوم الجمركية الجذرية بسعيه إلى استعادة “التوازن التجاري” المفقود منذ عقود، واتهم دولاً كالصين والهند وأوروبا باستغلال انفتاح السوق الأمريكية، مؤكداً أن واشنطن “لن تدفع ثمن رفاهية الآخرين بعد اليوم”.
بلغت الرسوم المفروtضة 10% على جميع الواردات، مع تعريفات إضافية تتجاوز إلى 50% على دول بعينها، في مقدمتها الصين. ترامب وفريقه يرون في هذه الإجراءات أداة لحماية الصناعة الوطنية، وإعادة التوازن إلى الميزان التجاري الأمريكي.
لكن كثيرين رأوا في القرار إعلاناً لحرب تجارية شاملة، ستدفع ثمنها الأسر الأمريكية عبر ارتفاع الأسعار، إلى جانب تهديد الوظائف والنمو الاقتصادي.
في خضم هذه الأزمة، تحدّثت تقارير موثوقة عن اتجاه داخل الإدارة الأمريكية يدفع لخفض قيمة الدولار، إما عبر ضغوط غير مباشرة على الاحتياطي الفيدرالي، أو من خلال إضعاف الثقة العالمية به.
يرى بعض المنظرين الاقتصاديين في الإدارات الأمريكية، منذ سيتينيات القرن الماضي، أن تعزيز القطاع الصناعي، لن يتحقق إلا من خلال مزيج من التعريفات الجمركية وضعف الدولار، ما يتطلب تعاوناً دولياً لجعل الصادرات الأميركية أرخص وأكثر تنافسية، وتحفيز الحلفاء والخصوم إلى “مشاركة العبء المالي” الذي تتحمله أمريكا، فيما دعته الصحافة “اتفاق مارالاغو” على غرار اتفاقي “بالزا” و”بريتون وودز”، ولكن بشروط أمريكية خالصة.
والجدير ذكره أن ترامب لطالما عبّر عن انزعاجه من قوة الدولار، معتبراً أن تلك القوة عبء على الاقتصاد المحلي. واليوم، قد تكون الظروف السياسية والاقتصادية مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتحويل هذا التوجّه إلى واقع.
قصة الدولار
خفض قيمة الدولار، في حال حدوثه، لن يكون بلا ثمن، فمن جهة، قد يدعم الصادرات والصناعة المحلية، لكنه سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الواردات، وزيادة التضخم، وتآكل القوة الشرائية للمواطن الأمريكي من جهة أخرى.
كما أنه يهدد مكانة الدولار كعملة احتياطية أولى في العالم، وقد يدفع دولاً لفك الارتباط بالدولار في التجارة والتمويل.
ولفهم خطورة التلاعب بقيمة الدولار، لا بد من العودة إلى قصته، فمنذ اتفاق “بريتون وودز” عام 1944، ارتبط الدولار بالذهب، وأصبح العملة المرجعية للعالم، ورغم فك الرئيس نيكسون ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، دخلنا عصر الدولار الورقي، ظل مهيمناً بفضل قوة الاقتصاد الأمريكي و”البترودولار”.
اليوم، لا تزال 60% من الاحتياطيات العالمية بالدولار، وما يقارب 90% من معاملات النقد الأجنبي تمر عبره، لكنه في المقابل، يواجه تآكلاً تدريجياً في الثقة، بفعل العقوبات الأمريكية، وتصاعد النزعة نحو التبادل بالعملات المحلية، وتطوّر أدوات مالية رقمية بديلة.
خطر متزايد
قد لا يسقط الدولار غداً، لكنه يواجه للمرة الأولى نظاماً دولياً غير متحمّس لاستمرارية هيمنته، حيث تدفع الصين باتجاه تدويل اليوان، ومجموعة البريكس تخطط لإنشاء آلية تسوية بديلة، بينما يتراجع نصيب الدولار من احتياطيات البنوك المركزية عاماً بعد عام.
وفي ظل قرارات ترامب، يتزايد الخطر من أن تُسرّع الولايات المتحدة زوال “الامتياز المالي” الذي تمتعت به لعقود، من حيث لا تدري.
سواء قرر ترامب خفض قيمة الدولار أم لم يفعل، يبدو جلياً أننا نعيش انعطافة في الدور الاقتصادي للولايات المتحدة عالمياً، ذلك أنها لحظة مفصلية تعيد تعريف علاقتها بالعالم الذي صنعت الظروف لقيادته، لكنها تراه الآن عبئاً يجب “التحرر” منه.