قبل زيارة الرئيس الصيني إلى القاهرة: تدفق جديد من الاستثمارات الصينية في مصر

تستعد القاهرة لاستقبال زيارة رسمية مرتقبة للرئيس الصيني شي جينبينغ، في توقيت يشهد تطورًا لافتًا في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتزايدًا في اهتمام كبرى الشركات الصينية بإطلاق مشروعات صناعية واستثمارية جديدة في السوق المصري. وتشير التحركات الأخيرة إلى توجه صيني واضح نحو تعزيز الوجود الصناعي في مصر في قطاعات استراتيجية تشمل صناعة السيارات، والمستلزمات المكتبية، والمشروعات الزراعية.
GAC تضخ 300 مليون دولار في مصنع للسيارات
تتصدر المشهد شركة GAC Motor الصينية، التي أعلنت عن خطتها لضخ 300 مليون دولار لإنشاء مصنع متكامل لتجميع وتصنيع السيارات في مصر، على أن يبدأ التشغيل الفعلي خلال النصف الثاني من عام 2026. ويهدف المصنع إلى تلبية الطلب المحلي مع التوسع نحو التصدير للأسواق الإفريقية والعربية، مستفيدًا من الموقع الجغرافي لمصر وشبكة اتفاقياتها التجارية، وذلك ضمن استراتيجية GAC لتقليل الاعتماد على التصنيع داخل الصين.
GWM تدرس مصنعًا بسعة 120 ألف سيارة سنويًا
بالتوازي، تدرس شركة GWM (Great Wall Motor) إنشاء مصنع ضخم في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بطاقة إنتاجية تصل إلى 120 ألف سيارة سنويًا، يتم تنفيذها على مرحلتين. وقد تلقت الشركة عرضًا رسميًا من الحكومة المصرية لتخصيص الأرض وتقديم الرخصة الذهبية فور اتخاذ القرار النهائي، ما يعكس الدعم المباشر الذي توفره الدولة للمشروعات الكبرى.
Deli Group تستثمر 200 مليون دولار في العاشر من رمضان
وفي قطاع الأدوات المكتبية، أعلنت مجموعة Deli الصينية عن مشروع لإنشاء مجمع صناعي في مدينة العاشر من رمضان باستثمارات تبلغ 200 مليون دولار، على مساحة 160 ألف متر مربع. ويضم المشروع أكثر من 12 ألف منتج تشمل أدوات مدرسية، أدوات يدوية، وأثاث مكتبي، ويوفر نحو 2200 فرصة عمل، ما يجعله من أكبر المجمعات الإنتاجية في مجاله على مستوى المنطقة.
مشروع استصلاح مليون فدان في توشكى بتحالف صيني – مصري
وفي القطاع الزراعي، بدأ تحالف صيني–مصري تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع ضخم لاستصلاح وزراعة مليون فدان في منطقة توشكى، باستثمارات إجمالية تُقدّر بـ7 مليارات دولار. ويهدف المشروع إلى إنتاج محاصيل استراتيجية كالقمح، والذرة، والنخيل، وإنشاء مجمعات صناعية لتحويل المنتجات الزراعية وتصديرها. وتشمل المرحلة الأولى استصلاح ألف فدان، على أن تُستكمل باقي المراحل لاحقًا.
Beifa تدرس إنشاء مصنع أقلام للتصدير إلى أمريكا
كما تدرس شركة Beifa، إحدى أكبر شركات العالم في صناعة الأقلام واللوازم المكتبية، إقامة مصنع لها في مصر بهدف تصدير منتجاتها إلى الأسواق الأمريكية، اعتمادًا على اتفاقية QIZ التي تتيح دخول السلع المصرية إلى الولايات المتحدة دون جمارك. وتأتي هذه الخطوة ضمن خطة الشركة لتجاوز الرسوم الأمريكية المفروضة على المنتجات الصينية، وتنويع مراكز إنتاجها في ظل التوترات الجيوسياسية.
لماذا مصر الآن؟
تزايد اهتمام الشركات الصينية بالاستثمار في مصر يعود إلى عدة عوامل استراتيجية، يأتي في مقدمتها الموقع الجغرافي المحوري لمصر كبوابة تصدير إلى إفريقيا والعالم العربي وأوروبا. كما تستفيد من اتفاقيات التجارة الحرة مثل الكوميسا، وQIZ، والاتحاد الأوروبي، التي تمنح المنتجات المصنعة محليًا دخولًا تفضيليًا لأكثر من 2 مليار مستهلك حول العالم.
وترافق هذه المزايا التجارية بنية تحتية حديثة شهدت تطويرًا هائلًا في السنوات الأخيرة، تشمل شبكة طرق قومية، وموانئ مطوّرة مثل ميناء السخنة وميناء جرجوب، إلى جانب مشروع القطار الكهربائي السريع الذي يربط البحر الأحمر بالمتوسط، ويوفر محورًا لوجستيًا يخدم المناطق الصناعية. كما عززت استقرار شبكة الكهرباء ووفرة الطاقة من تنافسية مصر، خاصة للصناعات كثيفة الاستهلاك، فضلًا عن الاستقرار الأمني والسياسي الذي يمنح بيئة آمنة للمستثمرين.
اقرأ أيضا.. “الزهور” تنبت فوق أطلال “الزرايب”.. مشروع جديد يطوي مأساة 2020
وفي ظل تصاعد التوترات التجارية بين الصين والغرب، وما ترتب عليه من رسوم جمركية وعوائق، تسعى الشركات الصينية إلى إنشاء مراكز إنتاج خارجية قريبة من الأسواق المستهدفة، وهو ما يجعل من مصر خيارًا استراتيجيًا يجمع بين الكفاءة، والتكلفة، والانفتاح التجاري.
استثمارات صينية تتصاعد.. وتيدا تقود التوسعات الصناعية
وتُعد الصين حاليًا من أكبر الشركاء التجاريين والاستثماريين لمصر، إذ تجاوزت استثماراتها المباشرة حاجز 8 مليارات دولار، موزعة على أكثر من 1500 شركة تعمل في مجالات الصناعة والطاقة والبنية التحتية والاتصالات.

وتقود شركة تيدا TEDA الصينية هذه الموجة، حيث تُدير واحدة من أنجح مناطق الاستثمار الصينية بالخارج داخل نطاق المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وقد نفذت “تيدا” عددًا من المشروعات الصناعية الكبرى، ونجحت في جذب عشرات الشركات الصينية، كما تقدمت بطلب لتوسعة المنطقة بإضافة 10 ملايين متر مربع جديدة، مخصصة لصناعات متنوعة تشمل مكونات السيارات، الإلكترونيات، الألياف الزجاجية، والمنسوجات.

وتعكس هذه التوسعات الثقة المتزايدة من الصين في السوق المصري، ضمن رؤية متكاملة لتحويل قناة السويس إلى قاعدة صناعية وتصديرية إقليمية تربط بين آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وتعزز من مكانة مصر كمركز لوجستي عالمي في مبادرة “الحزام والطريق”.
