سلطنة عمان تنشئ مع هولندا وألمانيا أول ممر تجاري لتصدير الهيدروجين المسال بالعالم

شهدت العلاقات العُمانية الهولندية دفعة جديدة من التعاون الاستراتيجي، مع توقيع ثلاث اتفاقيات اقتصادية مهمة بين سلطنة عمان ومملكة هولندا، وذلك خلال زيارة يقوم بها السلطان هيثم بن طارق، سلطان عمان إلى الأراضي الهولندية.
وتأتي هذه الاتفاقيات في إطار سعي البلدين لتعزيز الشراكة الثنائية، خاصة في مجالات الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.إعلان
وقد استُقبل السلطان هيثم رسميًا من قبل الملك ويليام ألكسندر وقرينته الملكة مكسيما في القصر الملكي بالعاصمة أمستردام، حيث عُقدت لقاءات رسمية ناقشت آفاق التعاون الثنائي في عدة مجالات.
شراكة اقتصادية متعددة الأبعاد بين سلطنة عمان وهولندا
خلال الزيارة، التقى جلالة السلطان بعدد من كبار المسؤولين ورؤساء الشركات الكبرى ورجال الأعمال الهولنديين، بحضور الملك الهولندي.
وتركّزت المناقشات على سبل تنمية الشراكة في قطاعات متعددة، أبرزها الموانئ والخدمات اللوجيستية، والصناعات الكيميائية، والطاقة المتجددة، والزراعة، والأمن الغذائي، إلى جانب التعاون الأكاديمي والثقافي.
وأسفرت هذه اللقاءات عن توقيع ثلاث اتفاقيات اقتصادية ذات طابع استراتيجي، تمثل تحولاً كبيرًا في علاقات البلدين، وتحديدًا في مجال الطاقة.
اتفاقية ممر الهيدروجين الأخضر.. مشروع رائد عالميًا
تضمنت الاتفاقية الأولى إنشاء أول ممر تجاري عالمي للهيدروجين المُسال يربط بين سلطنة عُمان وهولندا وألمانيا.
وشارك في توقيع هذه الاتفاقية شركات عُمانية رئيسية مثل «هايدروم» و«أوكيو» إلى جانب ميناء الدقم العماني، حيث سيتم تصدير الهيدروجين من الدقم في سلطنة عمان إلى ميناء أمستردام، ومن ثم إلى مراكز استراتيجية في ألمانيا مثل ميناء دويسبورغ.
ويُعد هذا المشروع خطوة محورية لترسيخ مكانة سلطنة عُمان كمركز عالمي لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، ويعكس التزام السلطنة بمساهمتها في أمن الطاقة العالمي.
وسيركّز المشروع على استخدام ناقلات بحرية متقدمة، تطورها شركة «إيكولوج»، لتأمين عملية النقل بكفاءة عالية، بينما سيتم في أوروبا إنشاء محطات لتحويل الهيدروجين المُسال إلى حالته الغازية.
أدوار محورية للشركاء العمانيين
ستتولى شركة «هايدروم» بصفتها المنسق الوطني لاستراتيجية الهيدروجين الأخضر في عُمان، مسؤولية مواءمة الإنتاج مع الاستراتيجية الوطنية.
بينما ستعمل مجموعة «أوكيو» على تطوير البنية الأساسية للمشروع، بما في ذلك محطة إسالة الهيدروجين ومنشآت التخزين والتصدير، مستفيدة من الموقع الاستراتيجي لمنطقة الدقم.
وتهدف هذه الجهود إلى خلق منظومة وطنية متكاملة، تتيح تطوير الصناعات المرتبطة بقطاع الهيدروجين، وتعزز فرص التوظيف وتأهيل الكوادر الوطنية.
تصريحات تعكس الطموح والرؤية المستقبلية
قال المهندس سالم بن ناصر العوفي، وزير الطاقة والمعادن العماني، ورئيس مجلس إدارة «هايدروم» في تصريحات لوكالة الأنباء العمانية: “إن هذه الاتفاقية تمثّل خطوة استراتيجية لبناء اقتصاد قائم على الهيدروجين الأخضر في سلطنة عُمان، يعزز موقعها كمصدر موثوق للطاقة المتجددة عالميًا”.
وأشار إلى أن المشروع يشمل إحدى عشرة شركة من ثلاث دول تغطي مختلف مراحل سلسلة القيمة، مما يدل على الثقة الدولية المتنامية في قدرة عُمان على ريادة هذا القطاع الحيوي.
من جانبها، أوضحت وزيرة المناخ والنمو الأخضر الهولندية، صوفي هيرمانز، أن هذه الاتفاقية تمثّل “محطة مفصلية” في تعزيز العلاقات الثنائية، مؤكدة أن سلطنة عُمان تمتلك إطارًا تنظيميًا متينًا يجعلها وجهة مفضلة للاستثمار في قطاع الهيدروجين الأخضر.
وكشفت عن أن هناك تحالفات تضم 22 شركة عالمية بدأت بالفعل تنفيذ مشاريع للهيدروجين في محافظتي الوسطى وظفار بسلطنة عُمان، فيما تتحضر «هايدروم» لإطلاق الجولة الثالثة من المزايدات على أراضي المشاريع المتوسطة.
اتفاقيتان لدعم البنية الأساسية للطاقة النظيفة
أما الاتفاقيتان الثانية والثالثة، فقد ركزتا على تطوير البنية الأساسية لنقل الهيدروجين وثاني أكسيد الكربون عبر خطوط الأنابيب، وتعزيز التعاون بين شركة «أوكيو» وشركة «رويال فوباك» الهولندية، بهدف تحويل منطقة الدقم إلى مركز عالمي لتخزين وتداول المواد الهيدروكربونية والكيماويات والمنتجات منخفضة الكربون.
وأكد أشرف بن حمد المعمري، الرئيس التنفيذي لمجموعة «أوكيو» في تصريحات لوكالة الأنباء العمانية، أن هذه الشراكة تمهّد لبناء منظومة متكاملة تُسرّع وتيرة التحول نحو مستقبل طاقة مستدام، وتفتح آفاقًا جديدة للاستثمارات في البنية الأساسية، مما يعزز موقع سلطنة عُمان كمركز تنافسي عالمي للطاقة.
أبعاد استراتيجية وتنموية بعيدة المدى
أوضح الرئيس التنفيذي لشركة «رويال فوباك»، ديك ريشيل، أن هذه الشراكة تُسهم في جذب التمويل والخبرات الدولية، وتمكين سلطنة عُمان من بناء بيئة حيوية للاستثمار، ترتكز على الاستدامة وتتكامل مع التوجهات العالمية للتحول في قطاع الطاقة.
وقد تم توقيع الاتفاقيات من قبل ممثلين عن 11 جهة من سلطنة عُمان وهولندا وألمانيا، في حضور رسمي يُبرز الثقة المتبادلة بين الأطراف.
انعكاسات اقتصادية وتوظيفية متوقعة
من المؤمّل أن تُسهم هذه الاتفاقيات في دفع النمو الاقتصادي لسلطنة عُمان، وخلق فرص عمل جديدة للشباب العُماني، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالطاقة المتجددة، والخدمات اللوجيستية، والصناعات الكيميائية.
كما تمهد هذه المشاريع الطريق لتحول حقيقي في البنية الاقتصادية للسلطنة، عبر تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، وتعزيز سلاسل الإمداد المستدامة، بما يواكب التزامات السلطنة بأهداف الحياد الكربوني والتنوع الاقتصادي.