مع دخول الحرب عامها الثالث.. هل تورطت فرنسا في صناعة أزمة بين تشاد والسودان؟
في ظل الحرب المشتعلة في السودان منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، برزت تشاد كأحد أبرز المتأثرين بتداعيات الصراع، خاصة على المستوى الإنساني والدبلوماسي.
وعلى مدار سنوات الصراع شهدت العلاقة بين السودان وتشاد توترات كثيرة وصلت لمرحلة العداء والتهديد بالحرب.إعلان
تهديدات متبادلة بين السودان وتشاد
في مارس الماضي، اعتبرت الخارجية التشادية في بيان رسمي أن التصريحات التي أطلقها ياسر العطا مساعد قائد الجيش السوداني، بمثابة إعلان حرب عليها، مشددة على حقها في الدفاع عن نفسها.
وكان العطا قد قال إن مطاري أم جرس وإنجمينا أصبحا “هدفين عسكريين مشروعين” للجيش السوداني.
ورأى البيان أن “تصريحات العطا تضمنت تهديدات صريحة لأمن وسلامة أراضي دولتنا”، محذرا من أن تؤدي هذه التصريحات إلى تصعيد خطير في المنطقة بأسرها.
هل أشعل الإعلام الفرنسي الأزمة؟
وفي خضم هذا الوضع، كشفت تقارير أن الإعلام الفرنسي، بما لباريس من نفوذ في إفريقيا يلعب دوراً محورياً في رسم صورة الصراع، ليس فقط عبر نقل الأخبار، بل من خلال تأطير الأحداث بأسلوب يوحي أحياناً بانحياز يُسهم في تأجيج التوتر بين السودان وتشاد.
وبحسب مرصد إعلامي فإنه بمتابعة تغطية تسع من أبرز المؤسسات الإعلامية الفرنسية مثل لوفيغارو، لوموند، لاكروا، ميديابارت، راديو فرنسا الدولي، جون أفريك، لومانيت، لو بوينت، وليكيب، تم تحليل 52 مقالاً خلال الفترة من يناير إلى أبريل 2025 ورد فيها ذكر تشاد والسودان في سياق النزاع.
وذكر التقرير إلى نمط التغطية في وسائل الإعلام الفرنسية يُظهر تحيّزاً ضمنياً أو صريحاً ضد أحد الطرفين، ما يؤدي إلى إعادة إنتاج خطاب يعمّق الانقسام الإقليمي.
اللاجئون السودانيون في تشاد
مع تدفق اللاجئين السودانيين إلى الأراضي التشادية، ركّزت التغطيات الفرنسية على وصف الأزمة الإنسانية بـ”الكارثية” و”غير القابلة للاستمرار”، كما ورد في تقارير لوموند ولاكروا.
ورغم أهمية نقل معاناة اللاجئين، إلا أن هذه التغطية ساهمت في خلق انطباع عام بأن السودان هو المسؤول المباشر عن زعزعة استقرار تشاد.
فعلى سبيل المثال، جاء في أحد تقارير لوموند تحت عنوان “ماذا سيتبقى من السودان في عام 2025؟” تصوير لتشاد كدولة مثقلة بـ”طوفان اللاجئين”، في حين تم تناول السودان كمنبع دائم للفوضى والانهيار.
تشاد تحت المجهر
في المقابل، لم تغب تشاد عن الانتقادات، فقد ركّزت تقارير راديو فرنسا الدولي، مثل تقرير “تشاد تمدد احتجاز صحفي من راديو فرنسا الدولي وسط تنديد بـ’القمع’”، على القضايا الداخلية، مثل انتهاكات حرية الصحافة وتضييق الحريات.
وفقا لتقرير فإن هذه التغطية، رغم واقعيتها، تكرس صورة سلبية عن الحكم في تشاد، ما يُضعف موقفها إقليمياً ويؤطرها كطرف هش في مواجهة الأزمة، ويعزز الشكوك حول قدرتها على ضبط الحدود أو الحياد تجاه النزاع السوداني.
تشاد كطرف في الحرب السودانية
أكثر المقالات إثارة للجدل ظهرت في تقارير جون أفريك ولاكروا، والتي لمّحت أو صرّحت بدور لتشاد في دعم أحد أطراف الصراع السوداني، ففي تقرير بعنوان “تشاد والسودان: هل هناك حرب جديدة؟”، أُشير إلى أن تشاد قد تكون متورطة، عبر مطار “أم جرش”، في تزويد قوات الدعم السريع بطائرات دون طيار وأسلحة إماراتية، وهو ما يعزز رواية السودان بأن تشاد طرف مباشر في الحرب.
هذا الخطاب يكرس رواية متصاعدة تفيد بوجود “حرب بالوكالة” تُخاض على الحدود، ما يعمّق الشكوك ويزرع بذور العداء بين الشعوب والحكومات.
لغة العاطفة بدل الحياد الصحفي
وفق التقرير يحمل المحتوى الإعلامي الفرنسي في هذه القضية لغة عاطفية مشحونة، تتكرر فيها كلمات مثل “كارثة”، “طوفان”، “عجز”، و”تهديد وشيك”. هذه اللغة لا تكتفي بوصف الوضع، بل تخلق تأطيراً درامياً يُنتج سردية طرف ضد طرف.
كما تكررت الإشارات إلى خطر اندلاع نزاع مباشر بين السودان وتشاد، كما في تقرير لوموند: “تشاد تواجه خطر اندلاع حرب مع السودان”.
استفزاز حكومات تشاد والسودان لتبني مواقف متشددة
يُظهر التحليل الكمي والنوعي للمقالات أن هناك تركيزاً متكرراً على أبعاد الأزمة التي تدين السودان، وتقوض تشاد، وتتجاهل محاولات التهدئة أو جهود الوساطة الإقليمية، بهذا، تُسهم وسائل الإعلام الفرنسية – ولو بشكل غير مباشر – في إعادة إنتاج صورة عدائية تعرقل فرص التقارب بين البلدين.
وبحسب التقرير ليست هذه التغطية مجرد انعكاس للواقع، بل تُسهم في تشكيله، من خلال تسليط الضوء على معاناة اللاجئين بعين، وتضخيم الدور الإقليمي لتشاد بعين أخرى، وتساهم وسائل الإعلام الفرنسية في خلق سردية تزيد من حدة الانقسام بين الخرطوم ونجامينا، في لحظة تحتاج فيها المنطقة إلى نزع فتيل التوتر لا صب الزيت على النار.
اقرأ أيضا
السودان يبدأ العام الثالث للحرب بـ500 قتيل وحكومة موازية.. هل انتهت فرص السلام؟