السياسة السعودية.. لماذا تدعم الرياض اتفاق ترامب النووي مع إيران وعارضت أوباما؟

السياسة السعودية.. لماذا تدعم الرياض اتفاق ترامب النووي مع إيران وعارضت أوباما؟

القاهرة (خاص عن مصر)- في تحولٍ ملحوظ عن موقفها السابق بشأن اتفاق نووي مع إيران، تدعم السعودية المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران بشأن برنامج طهران النووي، على الرغم من العداوة التاريخية بين القوتين الإقليميتين.يُمثل هذا التحول في المنظور تغييرًا جوهريًا في نهج المملكة تجاه الدبلوماسية الإقليمية، إذ تُحافظ على توازن دقيق بين التطلعات الاقتصادية ومخاوف الأمن القومي.إعلان

من المعارضة إلى الدعم: عقد من التغيير

قبل عقد من الزمان، عندما توصل الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وقادة العالم إلى اتفاق نووي مع إيران، عارضت المملكة العربية السعودية الاتفاق بشدة.اعتبرت المملكة الاتفاق نووي مع إيران متساهلًا للغاية، خوفًا من أن يُمكّن إيران، خصمها الإقليمي، ويزيد من نفوذ طهران في الشرق الأوسط. وصف المسؤولون السعوديون الاتفاق بأنه “ضعيف” وهللوا عندما انسحب منه الرئيس دونالد ترامب عام 2018.ومع ذلك، في ظل إدارة ترامب الثانية، ومع استئناف المفاوضات مع إيران، كان رد فعل المملكة العربية السعودية إيجابيًا بشكل غير متوقع. في بيان صدر مؤخرًا، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن أملها في أن تُعزز المحادثات، التي توسطت فيها عُمان، السلام في المنطقة.وفقا لتحليل صحيفة نيويورك تايمز، تجلى هذا التحول في قرار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إرسال شقيقه، وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، إلى طهران، حيث استقبله المسؤولون الإيرانيون بحفاوة. يتناقض هذا التطور بشكل حاد مع الماضي، عندما انتقد الأمير نفسه علنًا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، بل وشبهه بهتلر.

تغيير الأولويات: التنويع الاقتصادي والمخاوف الأمنية

يمكن أن يُعزى التحول في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية إلى عدة عوامل. تعمل المملكة، في إطار رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على تنويع اقتصادها بعيدًا عن اعتمادها الكبير على النفط.يشكل احتمال تحليق الطائرات المسيرة والصواريخ الإيرانية فوق المملكة العربية السعودية بسبب التوترات الإقليمية المتصاعدة تهديدًا كبيرًا لهذا التحول الاقتصادي. ويرى القادة السعوديون الآن قيمة في اتباع نهج مستقر ودبلوماسي لإدارة القضية النووية الإيرانية.توضح كريستين سميث ديوان، الباحثة البارزة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، أنه بينما كانت دول الخليج تخشى التقارب الأمريكي الإيراني في عهد أوباما، فإنها تخشى الآن التصعيد في عهد ترامب، مما قد يُلحق الضرر بأمنها.تقول ديوان: “لقد تغيرت عقليتهم اليوم”. فقد دفع التهديد المتزايد من الميليشيات المدعومة من إيران وقدرات طهران الصاروخية دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية، إلى اتباع الدبلوماسية بدلاً من المواجهة.أقرا أيضا.. سعر كرتونة البيض اليوم الأحد 20 أبريل.. انخفاض 3 جنيهات

تأثير السياسة الخارجية الأمريكية والتواصل مع إيران

لا يزال موقف ترامب من إيران مُركزًا بشكل كبير على منع طهران من امتلاك أسلحة نووية، لكن شكل الاتفاق لم يتضح بعد. ويشير المسؤولون الإيرانيون إلى أن الاتفاق لن يُلزمهم بتفكيك بنيتهم ​​التحتية النووية، وهو أمر كان محوريًا في الاتفاق الذي أُبرم في عهد أوباما.رغم هذه الشكوك، رحّبت المملكة العربية السعودية وجيرانها الخليجيين، بما في ذلك مصر وقطر والبحرين، بالمفاوضات الجارية، مُفضّلين الدبلوماسية على تصعيد الصراع العسكري.يرتبط تغيير موقف المملكة العربية السعودية أيضًا بتحولات إقليمية أوسع نطاقًا. فقد مثّلت المصالحة الناجحة بين المملكة وإيران في عام 2023، والتي سهّلتها الصين، نهايةً لسنوات من العداء العلني.سمح هذا الاختراق الدبلوماسي للمملكة العربية السعودية بالتركيز بشكل أكبر على استقرار النزاعات الإقليمية، وخاصةً الحرب الطويلة الأمد في اليمن، التي دمّرت المنطقة وأسفرت عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.يعكس استعداد الأمير محمد للانخراط دبلوماسيًا مع إيران إدراكه أن استمرار الصراع مع طهران قد يُقوّض خططه الاقتصادية. وقد جعل ضعف المملكة العربية السعودية أمام ضربات الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية، كما تجلّى في هجوم عام 2019 على منشآتها النفطية الرئيسية، احتمال اندلاع حرب إقليمية يبدو أكثر خطورة من التفاوض على حل سلمي.

التداعيات الإقليمية والعالمية

يشير الحوار المتجدد بين الولايات المتحدة وإيران، إلى جانب تأييد المملكة العربية السعودية، إلى تحوّل كبير في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. دول الخليج، التي كانت مهمّشة في المراحل الأولى من المفاوضات النووية، تشارك الآن بنشاط في هذه العملية، حيث تسعى إيران إلى التواصل مع دول مثل البحرين لحشد الدعم الإقليمي.تُشير سنام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، إلى أن التواصل الإيراني مع دول الخليج، إلى جانب دعمها للمحادثات، يُشير إلى رغبة في الحصول على دعم إقليمي لم تكن موجودة في الماضي.بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فإن المخاطر كبيرة. يدرك قادتها أن عدم الاستقرار في المنطقة، وخاصةً من إيران القادرة نوويًا، قد يكون له عواقب وخيمة على أمنها القومي وطموحاتها الاقتصادية.لذلك، فإن دعم المملكة للمفاوضات النووية الجارية، على الرغم من معارضتها التاريخية لصفقات مماثلة، يعكس تحولًا عمليًا نحو ضمان استقرار طويل الأمد في المنطقة.