إنشاء محطة الأقصر للقطار السريع بتصميم مستوحى من معبد الملكة حتشبسوت

في خطوة تعكس المزج الفريد بين العمارة الفرعونية والحداثة، شرعت مصر في إنشاء محطة القطار السريع بمدينة الأقصر بتصميم معماري مستلهم من معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري، أحد أبرز معابد الدولة الحديثة. يأتي هذا المشروع كجزء من شبكة القطارات السريعة العملاقة التي تربط شمال مصر بجنوبها، ضمن خطة الدولة لتحديث البنية التحتية وتقليل الاعتماد على الطرق البرية.
مواصفات محطة الأقصر للقطار السريع
•الموقع: مدينة الأقصر – جنوب مصر
•التصميم: يحاكي الشكل الطبقي المتدرج لمعبد الدير البحري، مع واجهات ضخمة وممرات مرتفعة وسلالم خارجية تشبه الطراز المعماري للمعبد
•السعة: مصممة لاستيعاب آلاف الركاب يوميًا من السائحين والمواطنين
•الوظيفة: ستكون المحطة إحدى نقاط التوقف الرئيسية في خط القطار السريع “سفنكس – الأقصر”، والذي يربط العاصمة الإدارية والجيزة ووسط الصعيد حتى الأقصر وأسوانإعلان
القطار السريع: نقلة نوعية في النقل الجماعي
يعد مشروع القطار الكهربائي السريع في مصر واحدًا من أضخم مشروعات النقل في الشرق الأوسط، ويجري تنفيذه على ثلاث مراحل بإجمالي أطوال تتجاوز 2000 كم. ومن أبرز أهدافه:
•تقليل زمن الرحلات بين المدن (القاهرة – الأقصر في أقل من 4 ساعات)
•تعزيز السياحة عبر ربط المواقع الأثرية بالمنتجعات السياحية بوسائل مواصلات حديثة
•رفع كفاءة النقل الداخلي وجذب الاستثمارات السياحية إلى محافظات الصعيد
وصول أولى القطارات في أغسطس وتشغيل جزئي في 2026
وتستعد مصر لاستقبال أول قطار كهربائي فائق السرعة خلال شهر أغسطس المقبل، ضمن الاتفاقية الموقعة مع شركة “سيمنس” الألمانية لإنشاء وتشغيل شبكة القطارات السريعة. ويُعد هذا القطار أول نموذج عملي يُختبر على الأرض من الجيل الجديد للقطارات التي ستحمل مسافري مصر بين المحافظات بسرعة تصل إلى 250 كم/ساعة.

انطلاق أولى الرحلات بين السخنة وأكتوبر في 2026.
يأتي ذلك بالتزامن مع استعداد الدولة لتشغيل المرحلة الأولى من الخط الأول للشبكة في عام 2026، والتي تمتد من العين السخنة على ساحل البحر الأحمر حتى مدينة 6 أكتوبر غرب القاهرة، مرورًا بالعاصمة الإدارية الجديدة، والجيزة، وعدد من المجتمعات العمرانية الحديثة. ومن المقرر أن تُحدث هذه المرحلة تحولًا نوعيًا في حركة النقل بين شرق وغرب الجمهورية، وتخفف الضغط عن شبكة الطرق السريعة.

معبد حتشبسوت.. تحفة معمارية تتحدى الزمن
يقع معبد الملكة حتشبسوت، الذي شُيّد بين عامي 1479 و1458 قبل الميلاد خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة، في قلب الضفة الغربية لمدينة الأقصر، أسفل سفوح جبل القرنة، في موقع يفرض هيبته بصريًا ويعكس عظمة تخطيط المصريين القدماء. المكان اختير بعناية ليكون بمواجهة معابد الكرنك على الضفة الشرقية، في محاكاة رمزية لعقيدة البعث والخلود.

الحقبة التاريخية والتصميم المعماري
شُيّد المعبد خلال عهد الأسرة الثامنة عشرة، في عصر الدولة الحديثة، ويمثل ذروة ما وصلت إليه العمارة الجنائزية في مصر القديمة. وقد صممه المهندس “سننموت” ليكون منسجمًا مع الجبل، فجاء على ثلاث مصاطب متدرجة تنفتح على ساحة أمامية فسيحة، ويعلوها صفوف من الأعمدة المستوحاة من طراز الأعمدة الأوزيرية.

الدور الديني والرمزي
كان المعبد مخصصًا لعبادة الإله آمون رع، إلى جانب تقديم الطقوس الملكية التي تؤله حتشبسوت باعتبارها “ابنة الإله”، في محاولة لترسيخ شرعيتها كامرأة على العرش. النقوش التي تغطي جدرانه تسرد أهم إنجازاتها، وعلى رأسها رحلتها الشهيرة إلى بلاد بونت، والتي تم تصويرها بتفاصيل دقيقة غير مسبوقة في تاريخ النقش المصري.

حتشبسوت.. امرأة على العرش وقصة صعود استثنائية
تولّت حتشبسوت حكم مصر في ظروف استثنائية بعد وفاة زوجها تحتمس الثاني، وحكمت كوصية على العرش قبل أن تتخذ لقب الفرعون الكامل. اختارت لنفسها اللقب الملكي “ماعت كا رع” والذي يُترجم إلى “العدل هو روح رع”، لتُظهر التزامها بالنظام الكوني والشرعي.

إعادة تعريف السلطة الملكية
على عكس الملكات السابقات، لم تكتفِ حتشبسوت بدور الشريك في الحكم، بل تبنّت الخطاب الذكوري الكامل للملوك، وظهرت في التماثيل باللحية الملكية والتيجان الرسمية. ومع ذلك، لم تُخفِ أنوثتها، بل وظفتها سياسيًا ودينيًا لصالح ترسيخ سلطتها.

إنجازاتها العمرانية والاقتصادية
تميّز عهدها بالاستقرار والرخاء، وشهد نشاطًا عمرانيًا واسعًا في الكرنك والدير البحري، إلى جانب المسلات التي لا تزال شاهدة على حكمها. كما قادت بعثات تجارية ناجحة، أبرزها البعثة إلى “بونت” التي أعادت معها البخور والعاج والذهب، ما عزز نفوذ مصر التجاري والديني.

الجدل التاريخي حول إرثها
رغم إنجازاتها، حاول خلفاؤها طمس آثارها، وعلى رأسهم تحتمس الثالث، الذي أمر بإزالة اسمها من السجلات والمعابد. لكن آثارها المادية، وخاصة معبد الدير البحري، صمدت لتروي فصولًا من حكم امرأة أعادت تعريف مفهوم القوة في مصر القديمة.

حين يصبح الماضي بوابة المستقبل
لا يقتصر مشروع محطة الأقصر للقطار السريع على كونه بنية تحتية حديثة، بل يمثل فلسفة دولة تسعى إلى بناء مستقبلها بالاعتماد على جذورها العميقة. فحين تستلهم مصر تصميم محطة قطارات من معبد فرعوني، فإنها لا تنقل فقط المسافرين بين المدن، بل تنقل معهم رسالة حضارية تؤكد أن التقدم لا يعني القطيعة مع الماضي، بل التفاعل الخلاق معه.اقرأ ايضا.. مدن وأحياء جديدة ترى المترو قريبًا في مصر للمرة الأولى

بهذا المزج بين التاريخ والحداثة، تُثبت مصر أنها قادرة على أن تقدم للعالم نموذجًا فريدًا من التنمية يحترم الهوية، ويُعيد بعث روح المعمار القديم في مشروعات الغد، لتظل قاطرة الحضارة المصرية مستمرة في السير نحو المستقبل بثبات، وعلى قضبان من المجد القديم والمعرفة الجديدة.