تعليق معاهدة السند يُشعل التوتر بين الهند وباكستان- هل تندلع الحرب المائية؟

صعَّدت الهند من موقفها تجاه باكستان بشكل غير مسبوق، من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية والأمنية التي شملت تعليق العمل بمعاهدة مياه السند التاريخية، التي صمدت لأكثر من 6 عقود.
وجاء ذلك في أعقاب الهجوم الإرهابي الأكثر دموية منذ سنوات في كشمير، والذي أودى بحياة 26 شخصًا، بينهم 25 هنديًا ومواطن نيبالي.إعلان
يأتي هذا التصعيد بعد اجتماع طارئ للجنة الأمن الوزارية برئاسة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي قطع زيارته إلى السعودية ليعود فورًا إلى العاصمة نيودلهي لمتابعة تداعيات الهجوم، الذي وقع في منطقة باهالجام السياحية في كشمير.
وفي هذا التقرير من خاص عن مصر، نستعرض ماهية معاهدة السند بين الهند وباكستان، وخطورة تعليق المعاهدة، والأسباب التي أدت لاتخاذ القرار وتداعياته.
معاهدة مياه السند.. حجر أساس العلاقات المائية بين الهند وباكستان
تُعد معاهدة مياه نهر السند من أقدم الاتفاقيات الدولية الخاصة بتقاسم الموارد المائية، وقد تم توقيعها عام 1960 برعاية البنك الدولي بين الهند وباكستان، لتقاسم مياه ستة أنهار رئيسية تنبع من جبال الهيمالايا وتعبر أراضي الدولتين.
وبموجب الاتفاق، حصلت الهند على حقوق الاستخدام الحصرية للأنهار الشرقية، بينما مُنحت باكستان حق الاستخدام الكامل للأنهار الغربية، وعلى رأسها نهر السند، الذي يمثل مصدرًا حيويًا لحوالي 80% من احتياجات باكستان الزراعية والمائية.
بينما تتزايد أهمية المعاهدة في تأكيد حصة كلا البلدين من المياه، وسط أزمات تعاني منها الهند وباكستان تتعلق بشح المياه بجانب التغيرات المناخية الشديدة التي أثرت على المنطقة ككل.
وعلى الرغم من خوض الدولتين 3 حروب دموية وتوترات عسكرية متكررة، بقيت المعاهدة صامدة، وشكلت نموذجًا نادرًا على فاعلية القانون الدولي في الحفاظ على حد أدنى من التنسيق بين خصمين نوويين.
تعليق معاهدة مياه السند: بداية مرحلة جديدة من التصعيد
أعلنت الهند رسميًا، عبر وكيل وزارة الخارجية فيكرام ميسري، تعليق العمل بمعاهدة مياه السند “بأثر فوري”، معللة ذلك بعدم تخلي باكستان عن “دعمها الموثق للجماعات الإرهابية العابرة للحدود”، وهو اتهام ترفضه إسلام آباد وتعتبره “مزاعم غير مدعومة بأدلة”.
إلى جانب تعليق المعاهدة، تضمنت الإجراءات الهندية والتي صدرت أمس الأربعاء، غلق معبر “أتاري – واجا” الحدودي، وتقليص عدد الدبلوماسيين الباكستانيين في نيودلهي، وطرد الملحقين العسكريين، إضافة إلى فرض قيود جديدة على منح التأشيرات للمواطنين الباكستانيين، وإمهال الموجودين منهم في الهند 48 ساعة للمغادرة.
هل نحن أمام حرب مياه جديدة؟
القرار الهندي بتعليق المعاهدة لم يكن مجرد رد فعل دبلوماسي على هجوم إرهابي، بل يحمل أبعادًا استراتيجية عميقة قد تعيد رسم خريطة الصراع بين الجارتين.
حيث إن هذه الخطوة قد تدفع المنطقة نحو صراع مائي حقيقي، في وقت تعاني فيه باكستان من أزمات مائية حادة، ويُعتبر نهر السند شريان الحياة لاقتصادها الزراعي.
ويؤكد خبراء أن حرمان باكستان من حصتها في مياه النهر قد يفاقم من التوترات، ليس فقط بين نيودلهي وإسلام آباد، بل أيضًا على مستوى الأمن الإقليمي.
باكستان ترد: لجنة أمن قومي طارئة
جنود من الهند وباكستان – صورة أرشيفية
أعلنت باكستان، أمس الأربعاء، من جهتها، عقد اجتماع عاجل للجنة الأمن القومي في العاصمة إسلام آباد، يضم كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين، للرد على الإجراءات الهندية.
وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية إسحق دار إن بلاده “سترد على كل إجراء بما يناسبه”، فيما وصف وزير الدفاع خواجة آصف القرار الهندي بأنه “مناورة سياسية مكشوفة”، مضيفًا أن “الهند ترغب منذ سنوات في الخروج من المعاهدة، ووجدت في الهجوم ذريعة مناسبة”.
المجتمع الدولي يراقب: قلق من انهيار أحد أعمدة الاستقرار
أثارت خطوة تعليق المعاهدة قلقًا دوليًا واسعًا، خاصة من جانب البنك الدولي، الذي كان الراعي الأساسي للاتفاق، ويُفترض أن يكون ضامنًا لاستمراريته.
ويرى محللون في تصريحات لوكالات الأنباء العالمية أن تفكك هذه المعاهدة قد يفتح الباب أمام نزاعات مفتوحة على المياه في جنوب آسيا، ما قد يؤدي إلى إعادة النظر في الاتفاقيات الدولية المماثلة حول العالم.
حيث قد يدفع التصعيد بين الجانبين، وصول الهند وباكستان لمرحلة خطرة تتجاوز الأبعاد الأمنية، والمناوشات الحدودية، لتصل إلى النزاع الحقيقي على موارد المياه، وهو ما قد ينذر بفتح ملفات الحروب المائية الذي طالما ظهر جليًا في الصراعات بين الدول.
التوتر السياسي والدبلوماسي يتصاعد
جندي هندي في إقليم كشمير الحدودي – صورة أرشيفية
الهجوم الذي استهدف مجموعة من السياح في باهالجام، والذي اعتبر الأسوأ منذ هجمات مومباي عام 2008، لم يُقابل هذه المرة بإدانة دبلوماسية فحسب، بل بسلسلة من الخطوات الميدانية، بدءًا من تعزيز الوجود العسكري في كشمير، وصولاً إلى شن حملات تمشيط واسعة، واستدعاء المشتبه في تعاطفهم مع الجماعات المسلحة لاستجوابهم.
وقالت جماعة تُدعى “مقاومة كشمير” إنها مسؤولة عن الهجوم، مشيرة إلى أن “المستهدفين لم يكونوا سياحًا عاديين، بل لهم ارتباطات أمنية”.
وقد أثار هذا التصريح ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية الهندية، التي ترى أن الجماعة واجهة لمنظمات متطرفة تتلقى دعمًا من الأراضي الباكستانية.
كشمير… مجددًا في قلب الصراع
منذ استقلالهما عام 1947، تتنازع الهند وباكستان السيادة على إقليم كشمير، الذي تقطنه غالبية مسلمة، وتشهد مناطقه المتنازع عليها صراعًا مسلحًا منذ عقود.
ورغم أن حدة العنف تراجعت في السنوات الأخيرة، خاصة بعد إلغاء نيودلهي الوضع الخاص لكشمير في 2019، إلا أن الهجوم الأخير يعكس هشاشة الوضع الأمني في الإقليم، ويؤكد أن كشمير لا تزال بؤرة نزاع مفتوح.
فيما تسعى حكومة ناريندرا مودي من خلال هذه الإجراءات إلى فرض معادلة جديدة في التعامل مع باكستان، عنوانها: “لا تساهل مع الإرهاب”، وفق تعبير وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ، الذي توعد بتعقب كل من شارك أو خطط أو دعم الهجوم “على الأرض الهندية”.
وتأمل نيودلهي أن تُجبر باكستان على إعادة النظر في سياساتها الإقليمية، من خلال الضغط السياسي والمائي والدبلوماسي، لكن هذا الطرح يلقى انتقادات داخلية أيضًا، حيث يرى معارضو الحكومة أن قرار تعليق المعاهدة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويقوض أي جهود سلام مستقبلية.
تعليق معاهدة مياه السند لا يعني فقط أزمة سياسية جديدة بين الهند وباكستان، بل قد يكون مؤشرًا على انهيار آخر الجسور المؤسسية التي كانت تضمن حدًا أدنى من التواصل بين البلدين.
وفي عالم تتزايد فيه التحديات المناخية والضغوط على الموارد الطبيعية، فإن تحويل المياه إلى أداة صراع جيوسياسي قد تكون له تداعيات كارثية، ليس فقط على شعوب الهند وباكستان، بل على أمن المنطقة بأكملها.