ميكانيكا الكم تحقق طفرة غير مسبوقة في عالم الاتصالات بدون اختراق

القاهرة (خاص عن مصر)- في قفزة نوعية في مجال أمن البيانات، نجح باحثون في إرسال رسائل كمومية مشفرة عبر نظام اتصالات مشفرة غير قابل للاختراق في ألمانيا؛ مما يُشير إلى إمكانية تطبيق الاتصالات الكمومية خارج المختبرات.
وفقًا لتقرير فاينانشال تايمز استخدم باحثو توشيبا أوروبا تشفير توزيع المفاتيح الكمومية (QKD) لنقل الرسائل بشكل آمن عبر امتداد 250 كيلومترًا من شبكة الاتصالات التجارية الألمانية، مُمثلين بذلك إنجازًا هامًا في تطوير نظام اتصالات مشفرة من الجيل التالي مقاومة للاختراق.
تستخدم هذه التقنية مبادئ ميكانيكا الكم لضمان إمكانية اكتشاف أي محاولة لاعتراض الرسالة فورًا، مما يجعلها أكثر أمانًا بكثير من أساليب التشفير الحالية.إعلان
التشابك الكمي والعلم الكامن وراءه
يكمن سر هذا الاختراق في التشابك الكمي، وهي ظاهرة في فيزياء الكم حيث يرتبط جسيمان دون ذريين، بحيث تؤثر خصائص أحدهما بشكل مباشر على الآخر، بغض النظر عن المسافة بينهما. يتيح هذا للجسيمين العمل كمفتاحين آمنين للاتصالات المشفرة.
بقياس خصائص أحد الجسيمين، يُمكن استنتاج خصائص الآخر، مما يجعل من المستحيل على أي شخص اعتراض الرسالة أو فك تشفيرها دون أن يُكتشف أمره.
يُعد إنجاز الباحثين ملحوظًا بشكل خاص لأنهم تمكنوا من إرسال رسائل كمية باستخدام ألياف بصرية قياسية، دون الحاجة إلى أنظمة تبريد منخفضة الحرارة للغاية، وهي الأنظمة التقليدية المطلوبة لمثل هذه الاتصالات. هذا التبسيط يجعل التشفير الكمي أكثر عملية وقابلية للتوسع للاستخدام في شبكات الاتصالات في العالم الحقيقي.
فتح الباب أمام شبكات كمية عملية
إن نجاح هذه التجربة على شبكة تجارية – تمتد على مسافة 254 كيلومترًا بين فرانكفورت وكيرشفيلد وكيل – يفتح آفاقًا واسعة لاتصالات كمية آمنة.
كما أوضح روبرت وودوارد، قائد فريق البحث في توشيبا أوروبا، فإن هذا الإنجاز “يفتح الباب أمام العديد من تقنيات الكم المثيرة للانتقال من المختبر إلى الشبكات العملية”.
لطالما كانت الشبكات الكمومية، المقاومة للاختراق بفضل طبيعة التشفير الكمومي، مجالًا بحثيًا مكثفًا، لا سيما في الصين، التي تعمل على نظام اتصالات كمومي عالمي قائم على الأقمار الصناعية.
يشير البحث أيضًا إلى إمكانية نشر تقنية توزيع المفاتيح الكمومية (QKD) على المستويين الوطني والدولي، مما يؤمن المعلومات الحساسة، مثل المعاملات المصرفية والسجلات الصحية، من تهديدات الحوسبة الكمومية المستقبلية.
البساطة والاستدامة في الاتصالات الكمومية
من أهم ابتكارات هذه التجربة بساطة المعدات المستخدمة. فعلى عكس مشاريع الاتصالات الكمومية السابقة التي اعتمدت على آلات باهظة الثمن وكثيفة الاستهلاك للطاقة لتنظيم درجة الحرارة والكشف عن الجسيمات الكمومية، صُممت هذه الطريقة للعمل مع مكونات متوفرة تجاريًا، مما يجعلها أكثر فعالية من حيث التكلفة واستدامة.
أشادت البروفيسورة ساندرين هوتز من إمبريال كوليدج لندن بهذا الإنجاز، مشيرةً إلى أهميته في تمكين نشر أنظمة الاتصالات الكمومية على نطاق واسع.
يُميّز استخدام شبكات الاتصالات التجارية بدلًا من المعدات المتخصصة هذه التجربة عن جهود مماثلة في الصين، حيث أُنشئت شبكات اتصالات كمية باستخدام أقمار صناعية متخصصة وبنية تحتية أرضية.
بينما قد يُؤدي استخدام شبكات الألياف الضوئية الحالية إلى انخفاض طفيف في جودة الاتصالات، إلا أنه يُمكّن من إنشاء بنية تحتية عملية واسعة النطاق لاتصالات كمية دون الحاجة إلى بناء أنظمة جديدة كليًا.
خطوة نحو شبكات كمية واسعة النطاق
يؤكد نجاح هذه التجربة أيضًا على أهمية البنية التحتية القائمة في بناء أنظمة اتصالات كمية. ووفقًا لجيمس ميلين، عالم الكم في كلية كينجز كوليدج لندن، فبينما يُمكن إنشاء شبكات كمية عبر الأقمار الصناعية، فإن استخدام شبكات الألياف الضوئية الحالية أكثر فعالية من حيث التكلفة.
يُمهد هذا التحول الطريق لنشر الاتصالات الكمية على نطاق أوسع بكثير، لتصبح في نهاية المطاف جزءًا أساسيًا من الأنشطة اليومية مثل الملاحة والاتصالات الآمنة.
مستقبل الاتصالات الكمومية
على الرغم من وجود ثغرات محتملة في تقنية توزيع المفاتيح الكمومية (QKD) نتيجةً للهجمات على البنية التحتية نفسها، إلا أن الطبيعة المتأصلة للتشفير الكمومي تُمكّن من كشف أي محاولات للتنصت، مما يضمن أمن الاتصالات.
تبشر هذه التقنية بقفزة نوعية في تأمين نقل البيانات، وحماية كل شيء بدءًا من المعاملات المالية الحساسة ووصولًا إلى المعلومات الصحية الشخصية.
يمثل هذا التطور خطوةً أساسيةً نحو بناء مستقبل آمن كميًا، حيث تكون أنظمة الاتصالات منيعةً تقريبًا ضد أساليب الاختراق التقليدية. ومع تطور التكنولوجيا، قد يُمثل دمج الاتصالات الكمومية في الشبكات العالمية القفزة الكبرى التالية في حماية الخصوصية الرقمية في مواجهة التهديدات التكنولوجية المتطورة.