ضجة إعادة الذئب الرهيب المنقرض.. إنجاز حقيقي أم مجرد دعاية؟

ضجة إعادة الذئب الرهيب المنقرض.. إنجاز حقيقي أم مجرد دعاية؟

القاهرة (خاص عن مصر)- في السنوات الأخيرة، استحوذ وعد القضاء على الانقراض على اهتمام الجمهور، بدءًا من إحياء الماموث وصولًا إلى الأمل في إعادة إحياء أنواع شهيرة مثل التسمان، والذئب الرهيب المنقرض.
هذا الأسبوع، تصدرت شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية “كولوسال بيوساينسز” عناوين الصحف بإعلانها “إعادة إحياء” الذئب الرهيب، وهو حيوان مفترس منقرض جاب أمريكا الشمالية في نهاية العصر الجليدي الأخير.إعلان
لكن بينما كانت العناوين الرئيسية مثيرة، فإن الواقع وراء هذا المشروع أقل إثارة بكثير – وربما أكثر تعقيدًا بعض الشيء، بحسب مقال الجارديان لهيلين بيلشر كاتبة علمية ومؤلفة كتاب “إعادة الملك: العلم الجديد لمحاربة الانقراض” و”تغيير الحياة: كيف يغير البشر الحياة على الأرض”.

الذئب الرهيب المنقرض

كشفت شركة “كولوسال بيوساينسز” عن لقطات فيديو لثلاثة صغار من “الذئاب الرهيبة” تعوي لأول مرة منذ أكثر من 10000 عام، مما أثار حماس الجمهور ووسائل الإعلام.
رافق الإعلان مزاعم بتحقيق اختراقات جينية وانتصارات في مجال القضاء على الانقراض، ومع ذلك، يكشف الفحص الدقيق للمشروع أن هذه الحيوانات ليست ذئابًا رهيبة حقيقية، بل ذئاب رمادية معدلة وراثيًا.
قامت الشركة بتعديل الحمض النووي لخلايا الذئب الرمادي، مُجريةً عشرين تغييرًا على 14 جينًا مختلفًا تتعلق بصفات مثل لون الفراء، وحجم الجسم، وشكل الجمجمة، جعلت هذه التعديلات الذئاب تبدو أشبه بالذئاب الرهيبة المنقرضة، لكنها وراثيًا، تبقى في المقام الأول ذئابًا رمادية.
وبالتالي، فإن ما أنشأته شركة كولوسال ليس نوعًا “مُعاد إحياؤه”، بل نسخة معدلة وراثيًا من نوع موجود.

قوة الدعاية

تعتمد استراتيجية كولوسال بوضوح على اهتمام وسائل الإعلام، وقد حققت نجاحًا باهرًا في هذا الصدد، رافق إعلان الذئب الرهيب شراكات إعلامية رفيعة المستوى، ومحتوى حصري لوسائل إعلام مثل تايم وإيه بي سي نيوز، ومقاطع فيديو فيروسية حصدت ملايين المشاهدات.
ركزت الحملة الأنيقة، المُشبعة بثقافة البوب، والمُزودة بمقاطع فيديو مبهرة، على العرض المذهل بدلًا من التعقيدات العلمية المُتضمنة.
هذا النهج فعال – فمصطلح “الذئب الرهيب” يُذكرنا فورًا بمخلوقات من مسلسلي “صراع العروش” و”وورلد أوف ووركرافت”، مما يزيد من الاهتمام، إلا أن المشكلة تكمن في أن جوهر العلم الكامن وراء هذه المشاريع مُغطى بالضجة.
لا توجد ورقة علمية مُراجعة من قِبل الأقران مُرفقة بإعلان “كولوسال”، وتبقى تفاصيل المنهجية سرية إلى حد كبير، مما يُثير مخاوف بشأن الشفافية وإمكانية وصول المجتمع العلمي الأوسع إلى البيانات.
اقرأ أيضا.. العلماء يُحيون الذئب الرهيب بعد 13 ألف عام من الانقراض.. ظهر بمسلسل صراع العروش

ثورة علمية عامة؟

في حين أن استراتيجيات العلاقات العامة التي تتبعها “كولوسال” قد تكون فعّالة في إثارة الضجة، إلا أن غياب التحليل العلمي الدقيق والمتاح للجمهور أمر مُقلق.
تعتمد المساعي العلمية التقليدية على الأبحاث المُراجعة من قِبل الأقران والتدقيق العام، لكن أساليب “كولوسال” أقرب إلى العلم المُعتمد على البيانات الصحفية. ونتيجة لذلك، يصعب على المجتمع العلمي تقييم صحة ادعاءاتهم بشكل نقدي.
على الرغم من الاهتمام المُحيط بـ”الذئب الرهيب”، إلا أن الإنجاز الحقيقي لشركة كولوسال يكمن في العمل الذي تقوم به مع الذئاب الحمراء.
هذه الحيوانات المُهددة بالانقراض بشدة، حيث لم يتبقَّ منها سوى أقل من 20 فردًا في البرية، كانت محور العمل الجيني لشركة كولوسال، والذي قد يُساعد في استعادة التنوع الجيني داخل هذا النوع.
بينما قد يحمل عمل الشركة مع الذئاب الحمراء قيمة حقيقية في مجال الحفاظ على البيئة، إلا أن الحملة الصاخبة والبارزة حول الذئب الرهيب تُطغى عليه.
اقرأ أيضا.. بقبعة ترامب وخطبة لماو.. الصين تسخر من أمريكا وتعلن انتصارًا كاملاً في الحرب التجارية

أخلاقيات وأثر مكافحة الانقراض

تزعم شركة كولوسال أن العمل المُنجز في مشروع الذئب الرهيب يُمكن تطبيقه في جهود الحفاظ على البيئة، مثل تحسين التنوع الجيني للأنواع المُهددة بالانقراض. وتؤكد الشركة أن إعادة إحياء نوع مثل الذئب الرهيب يُمكن أن يُسهم في استعادة التوازن في النظم البيئية.
مع ذلك، فإن الواقع هو أن الذئاب الثلاثة المُعدلة وراثيًا، التي تُكمل حياتها في محمية خاصة، لن تُطلق في البرية أبدًا، وتأثيرها البيئي غير مؤكد في أحسن الأحوال.
علاوة على ذلك، فإن قرار الاستثمار في جهود إنعاش كائنات مثل الذئب الرهيب، بدلاً من التركيز فقط على الأنواع المهددة بالانقراض والتي لديها فرصة حقيقية للتعافي، يثير تساؤلات حول الأولويات. هل من الأخلاقي إنفاق الموارد على إنتاج ذئاب معدلة وراثيًا ذات غرض بيئي ضئيل، بينما يمكن التركيز على جهود حفظ أكثر إلحاحًا؟

رسالة مضللة للجمهور

قد يُضلّل عرض شركة “كولوسال” لعملها الجمهور بسهولة ويدفعه إلى الاعتقاد بأن إنعاش الأنواع المنقرضة أقرب إلى الواقع مما هو عليه في الواقع.
تُولّد الضجة الإعلامية المحيطة بصغار الذئب الرهيب أملًا كاذبًا، مما يدفع الناس إلى الاعتقاد بأن الأنواع المنقرضة تُبعث من جديد، بينما في الواقع، ما تم إنتاجه هو نسخة معدلة وراثيًا من حيوان موجود. يُهدد الضجيج المحيط بالمشروع بحجب الإنجازات العلمية الحقيقية في مجال الحفاظ على البيئة والبحث الجيني.
في عصر الإعلام الفيروسي، حيث تضيق آفاق الاهتمام وتسيطر العناوين المثيرة، ربما يكون تركيز فيلم “كولوسال” على العرض المسرحي أكثر من الجوهر قد أكسبه تغطية إعلامية واسعة، إلا أنه يثير أيضًا مخاوف أوسع نطاقًا بشأن العلاقة بين العلم ونظرة الجمهور إليه.
لتحقيق تقدم حقيقي في علوم إنقاذ الأنواع من الانقراض أو الحفاظ عليها، يجب أن تكون الشفافية والبيانات المُراجعة من قِبل الأقران والاعتبارات الأخلاقية في صدارة الأولويات.