السودان والإمارات يتبادلان الاتهامات أمام العدل الدولية

تشهد أروقة محكمة العدل الدولية في لاهاي سجالًا قضائيًا وسياسيًا حادًا بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، في وقت لا تزال فيه نيران الحرب الأهلية تشتعل داخل الأراضي السودانية.
فقد تقدمت الحكومة السودانية بشكوى تتهم فيها أبوظبي بالتواطؤ في ارتكاب إبادة جماعية في إقليم دارفور، وتحديدًا ضد جماعة “المساليت” العرقية في غرب البلاد، من خلال دعمها المزعوم لقوات الدعم السريع.إعلان
في المقابل، رفضت أبوظبي بشدة هذه الاتهامات، ووصفتها بأنها “خدعة دعائية ساخرة”، مؤكدة أن لا أساس قانوني أو واقعي لها، وأنها محاولة من الحكومة السودانية لصرف الأنظار عن إخفاقاتها في إدارة الصراع المستمر منذ عامين.
الحرب الأهلية في السودان مأساة مستمرة
منذ أبريل 2023، يعيش السودان على وقع حرب دامية بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وقد أسفر هذا النزاع عن مقتل ما لا يقل عن 20 ألف شخص، وتشريد أكثر من 14 مليونًا، في واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم حالياً.
ومع تصاعد الصراع، تواجه الأطراف المتحاربة اتهامات دولية بارتكاب جرائم ضد المدنيين. وتشير تقارير أممية إلى وقوع انتهاكات جسيمة، بينها القتل الجماعي، والنهب، وعمليات التهجير القسري.
السودان أمام المحكمة: اتهامات مباشرة للإمارات
في جلسة استماع عقدتها محكمة العدل الدولية، قال وزير العدل السوداني بالوكالة، معاوية عثمان، إن “الإمارات كانت القوة الدافعة وراء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد جماعة المساليت في دارفور”، مشيرًا إلى أن “الدعم العسكري واللوجستي المقدم من أبوظبي إلى تلك القوات هو الذي مكنها من ارتكاب تلك الفظائع”.
وأكد السودان في دعواه أن هذا الدعم المزعوم يشكل خرقًا واضحًا لمعاهدة الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية، مطالبًا المحكمة بإلزام الإمارات بوقف دعمها الفوري لقوات الدعم السريع.
الإمارات: اتهامات جيش السودان زائفة
أكدت ممثلة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية ريم كتيت، نائبة مساعد الوزير للشؤون السياسية بوزارة الخارجية بالإمارات، اليوم الخميس، أن الاتهامات المقدمة من جانب القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات زائفة.
وقالت ممثلة الإمارات: “فكرة أن الإمارات هي التي تؤجج الصراع في السودان بعيدة عن الواقع وهذه الدعوة هي مثال لإساءة استخدام هذا الطرف للمؤسسات الدولية من أجل مهاجمة الإمارات في كل المناسبات من خلال التضليل وتقديم معلومات غير صحيحة”.
مشددة على أنه “منذ بدء الحرب لم تقدم الإمارات أي أسلحة لأي من طرفي الحرب”.
وأكدت ممثلة الإمارات بالعدل الدولية، أن أبوظبي حرصت على تقديم الدعم الإنساني للسودانيين، حيث عملت الإمارات على تخفيف معاناة المتضررين، وتقديم المساعدات للمحتاجين في ظل الوضع الصعب الذي يعاني منه الشعب السوداني.
وأوضحت، أن ما يشهده السودان اليوم يفطر القلب، مع تصاعد العنف الذي يستهدف المدنيين، هذا إلى جانب الأعمال المروعة التي تشمل العنف الجنسي، وهو ما يستدعي ضرورة وقفه فورا، وأن يتحمل مقترفوا هذه الجرائم المسؤولية.
رد إماراتي حاد: “حملة سياسية ومضللة”
وجاء الرد الإماراتي الآخر، على لسان المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، أنور قرقاش، الذي وصف الشكوى السودانية بأنها “لعبة سياسية” تهدف إلى جر الإمارات إلى الصراع، وتشتيت الانتباه عن الأوضاع المتدهورة في السودان.
وفي مقال نشره في النسخة الدولية لصحيفة “ذا ناشيونال”، قال قرقاش إن “الحكومة السودانية، بقيادة القوات المسلحة، تمارس حملة دعائية ممنهجة ضد الإمارات”، مشددًا على أن بلاده لم تقدم أي دعم عسكري لأطراف الصراع، وأنها عملت منذ اندلاع الأزمة على الدفع نحو حل سياسي ينهي الحرب.
اتهامات متبادلة واتهام أمريكي لطرفي الحرب
الولايات المتحدة كانت قد فرضت عقوبات على الطرفين، متهمةً الجيش السوداني بمهاجمة المدنيين، وقوات الدعم السريع بارتكاب “إبادة جماعية” في دارفور، ما يعكس حجم التعقيد في هذا الصراع متعدد الأطراف.
وأشارت أبوظبي، من جانبها، إلى أن تقارير صادرة عن الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى وثّقت انتهاكات جسيمة ارتكبها الجيش السوداني، بما في ذلك استخدام أسلحة كيماوية ضد المدنيين، وهو ما نفته الخرطوم.
محكمة بلا قوة تنفيذ
رغم أن قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة قانونيًا، فإنها تفتقر إلى آليات تنفيذ فعلية، ما يجعل إمكانية تطبيق أي حكم ضد الإمارات – في حال إدانتها – مرهونة بإرادة المجتمع الدولي والضغوط السياسية المصاحبة.
الإمارات ستواصل دعم الشعب السوداني
في معرض دفاعه عن موقف بلاده، شدد أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، على أن الإمارات “لن تنشغل بالهجمات المضللة”، مؤكداً أن التركيز سيبقى منصبًا على تخفيف المعاناة الإنسانية في السودان، من خلال دعم جهود السلام والعمل مع الشركاء الدوليين على إنهاء الحرب.
كما أشار إلى أن العلاقة التاريخية بين الإمارات والسودان لن تُقوضها “الدعايات المغرضة”، مبرزًا دور الجالية السودانية في الدولة، والعلاقات الودية التي تربط الشعبين.
وقال قرقاش إن “دولة الإمارات وفي سياق دعمها القانون الدولي تتمسك بضرورة المساءلة عن الفظائع التي ارتكبها الطرفان المتحاربان، وهي أيضاً في إطار التزامها الراسخ تؤازر الشعب السوداني الشقيق في الظروف الصعبة – وهو ما يشهد عليه التاريخ والسودانيون سواء على أرض السودان أو في دول الجوار”.
وفي ذات السياق، توجه بالنصح لقادة السودان بضرورة التركيز على كيفية وقف الحرب وحماية المدنيين، بدلاً من تضييع الفرص والاستعراضات المصطنعة.
وخلال الوقت الذي انعقدت فيه الجلسة اليوم بمحكمة العدل الدولية في لاهاي، أعلنت قوات الدعم السريع، السيطرة على مدينة أم كدادة القريبة من الفاشر بولاية شمال دارفور غرب السودان.
وبينما تزداد تعقيدات الأزمة السودانية، يزداد الوضع الإنساني صعوبة مع استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي.