لا مكان آمن.. انهيار الأسهم والسندات والعملات يمحو تريليونات الدولارات خلال أيام

لا مكان آمن.. انهيار الأسهم والسندات والعملات يمحو تريليونات الدولارات خلال أيام

القاهرة (خاص عن مصر)- أحدث إعلان الرسوم الجمركية، وخاصةً رسوم “يوم التحرير” التي فرضها ترامب، صدمةً في الاقتصاد العالمي، مُسبباً انخفاضاً حاداً في قيمة الدولار، وبيعاً مكثفاً للسندات، وانخفاضاً كبيراً في أسعار الأسهم، مما أدى إلى محو تريليونات الدولارات من ثروات البلاد في غضون أيام.
انخفض الدولار، الذي لطالما اعتُبر ملاذاً آمناً، بأكثر من 1% مقابل سلة من العملات يوم الجمعة، مسجلاً أدنى مستوى له في ثلاث سنوات، ويُعدّ هذا الانخفاض جزءاً من اتجاهٍ مستمر، حيث فقد الدولار ما يقرب من 10% من قيمته منذ بداية العام.إعلان
يتفاقم هذا التقلب بفعل ردود فعل السوق الفوضوية، مما يدفع المستثمرين إلى التساؤل عما إذا كان الدولار الأمريكي يفقد مكانته كأكثر العملات موثوقية في العالم.

عدم القدرة على التنبؤ بسياسات ترامب

يرى خبراء، بمن فيهم جورج سارافيلوس، رئيس أبحاث الصرف الأجنبي في دويتشه بنك، أن التقلبات المحيطة بالدولار هي نتيجة مباشرة لقرارات ترامب السياسية المتقلبة، والتي خلقت حالة من عدم اليقين بشأن استقرار الاقتصاد الأمريكي في المستقبل.
أكد سارافيلوس أن الضرر قد وقع بالفعل، حيث أعادت الأسواق تقييم جاذبية الدولار كعملة احتياطية عالمية، وقد أدى ذلك إلى ما وصفه سارافيلوس بـ”التخلي السريع عن الدولرة” مع بحث المستثمرين عن بدائل أكثر استقرارًا.
كما أن فقدان الثقة في سندات الحكومة الأمريكية، التي تُعتبر تقليديًا “خالية من المخاطر”، أمرٌ بالغ الأهمية. في خطوة غير معتادة للسوق، شهدت كلٌّ من الأسهم الأمريكية والسندات الحكومية انخفاضًا متزامنًا، مما يشير إلى مخاوف متزايدة بشأن تأثير رسوم ترامب الجمركية وقدرتها على إحداث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة.
يتساءل المستثمرون الآن عما إذا كان الاقتصاد الأمريكي قادرًا على تحمل مثل هذه التقلبات، لا سيما وأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يدرس إمكانية خفض أسعار الفائدة استجابةً للأزمة.

التأثير العالمي: محو تريليونات الدولارات

لأكثر من 80 عامًا، حافظ الدولار الأمريكي على هيمنته كعملة احتياطية عالمية، مدعومًا بأكبر اقتصاد في العالم وأكثر الأسواق المالية سيولة.
مع ذلك، فإن فرض ترامب رسومًا جمركية عقابية على كلٍ من الحلفاء والخصوم قد قوّض الثقة التي دعمت قوة الدولار. وقد عزا راغورام راجان، المحافظ السابق لبنك الاحتياطي الهندي، أزمة العملة إلى المخاوف المتزايدة بشأن عدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الاقتصادية الأمريكية، لا سيما فيما يتعلق بالرسوم الجمركية.
حذّر راجان من أنه في حال استمرار ارتفاع مستوى التعريفات الجمركية، فقد تواجه الولايات المتحدة ركودًا اقتصاديًا، مما يُضعف الثقة العالمية بالدولار أكثر.
تسبب هذا الوضع في اضطراب كبير في سوق سندات الخزانة الأمريكية، وهو أمر بالغ الأهمية لتحديد أسعار الأصول المالية الأخرى.
شهد العائد على سندات الحكومة الأمريكية لأجل 30 عامًا أكبر زيادة أسبوعية منذ عام 1982، حيث قفز من حوالي 4.4% إلى 4.8%، مما يعكس عدم يقين المستثمرين بشأن الاستقرار الاقتصادي للبلاد.
اقرأ أيضا.. في اجتماع سري.. الصين تعترف بشن هجمات إلكترونية ضد أمريكا

محو تريليونات الدولارات: تأثير ترامب على هيمنة الدولار

جادل مارك سوبيل، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية، بأنه في حين أن الدولار سيظل على الأرجح العملة العالمية المهيمنة في المستقبل المنظور، فإن سياسات ترامب تُسرّع من تآكل هيمنة الدولار.
أوضح أن ترامب، بتقويضه للأسس الاقتصادية والمؤسسية لأمريكا، يُضعف العوامل ذاتها التي أدت إلى تنامي مكانة الدولار العالمية. يشير التقلب المفاجئ في سعر الدولار والسندات الحكومية إلى تفاقم أزمة الثقة في النظام المالي الأمريكي.
ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، لا يزال الدولار الأمريكي يُمثل ما يقرب من 60% من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية، متجاوزًا اليورو بنسبة 20%. ومع ذلك، أشار سوبل إلى أن الارتفاعات الأخيرة في استخدام عملات أخرى، مثل الدولارين الكندي والأسترالي، بالإضافة إلى الين الياباني، تُشير إلى أن سيادة الدولار قد تكون مُهددة على المدى الطويل.

مخاوف بشأن “الامتياز الباهظ” للدولار الأمريكي

من أبرز مخاوف المستثمرين أن تُحاول الولايات المتحدة إجبار دول أخرى على دفع ثمن “الامتياز الباهظ” المتمثل في استخدام الدولار كعملة احتياطية عالمية. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستستغل بنيتها التحتية المالية وقدرتها على الوصول إلى الأسواق للمطالبة بالامتثال لاستراتيجياتها الجيوسياسية، وخاصةً في عزل الصين.
لكن مثل هذه الخطوة قد يكون لها آثار كارثية على الاقتصاد العالمي، وتؤدي إلى مزيد من تآكل الثقة في الدولار وخلق حالة أكبر من عدم الاستقرار في السوق.

استجابة أوروبا: خطة طوارئ متنامية

في ظل تزايد حالة عدم اليقين المحيطة بالدولار الأمريكي، يدرس الاتحاد الأوروبي خيارات بديلة. وأشار خوسيه لويس إسكريفا، محافظ بنك إسبانيا، إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يصبح بديلاً أكثر جاذبية، إذ يوفر منطقة اقتصادية مستقرة وعملة متينة مدعومة بسياسات اقتصادية سليمة وسيادة القانون.
أعرب باسكال لامي، المفوض التجاري السابق للاتحاد الأوروبي، عن هذا الرأي، مجادلاً بأن حرب ترامب التجارية قد تدفع الدول إلى السعي إلى شراكات أقوى داخل أوروبا، حيث يضع الاتحاد الأوروبي نفسه كقوة موازنة للسياسات الأمريكية.
وأكد لامي أن الأزمة التي أحدثتها تصرفات ترامب هي في الأساس قضية أمريكية، وليست عالمية، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يحشد الدعم من دول أخرى غير راضية عن الإجراءات الأمريكية. وقد يؤدي هذا التحول إلى إعادة تقييم للديناميكيات المالية العالمية، مع بروز أوروبا كلاعب أقوى في النظام النقدي الدولي.