نزوة الفرعون أخناتون وثورته الدينية تكشف المدينة الذهبية المفقودة بمصر وكنوزها

 نزوة الفرعون أخناتون وثورته الدينية تكشف المدينة الذهبية المفقودة بمصر وكنوزها

القاهرة (خاص عن مصر)- في اكتشاف أثري بارز، قدمت مدينة سعود آتون القديمة، المعروفة باسم المدينة الذهبية المفقودة بمصر، ثروةً من المعلومات عن حياة الحرفيين والحرفيات، والحياة اليومية لعامة الناس في عهد الفرعون إخناتون.
ووفقا لتقرير موقع أن بي سي نيوز قبل أكثر من 3300 عام، أمر إخناتون سكان سعود آتون بمغادرة منازلهم وورش عملهم، وعزلها بالطوب الطيني في هجرة سريعة.إعلان
كانت هذه الخطوة جزءًا من إصلاحاته الدينية الجذرية، التي عززت عبادة إله الشمس آتون على معتقدات مصر التعددية التقليدية، وبينما كانوا يغادرون مدينتهم، ترك السكان وراءهم كنزًا دفينًا من المتعلقات الشخصية، مما وفر لعلماء الآثار المعاصرين لمحةً استثنائية عن الحياة في مصر القديمة.

 نزوة الفرعون أخناتون وثورته الدينية

عُرف الفرعون أخناتون، الذي حكم مصر من عام 1353إلى عام 1336 قبل الميلاد، بأفكاره التوحيدية الثورية، التي أحدثت تحولاً جذرياً في المجتمع المصري.
أوضح زاهي حواس، عالم المصريات البارز، أن قرار أخناتون بإجبار سكان مدينة سعود آتون على هجر مدينتهم كان متوافقاً مع رؤيته للتغيير الديني.
أشار حواس إلى أنه “عندما يتخذ الملك قراراً، على الجميع إطاعته”، مما يعكس السلطة المطلقة للفرعون. تمحورت عقيدة أخناتون الجديدة حول آتون، قرص الشمس، الذي يُحتمل أنه كان أول مثال تاريخي على التوحيد.
في حين يُفضل بعض المؤرخين، مثل سليمة إكرام، وصف أخناتون بأنه توحدي (يعبد إلهاً واحداً ويعترف بآلهة أخرى)، فمن الواضح أن عهده شهد انحرافاً كبيراً عن تعدد الآلهة التقليدي في مصر.
كان قرار إخناتون ببناء مدينة جديدة مُكرسة لإله الشمس، تُعرف الآن باسم تل العمارنة، لحظةً فارقةً في عهده. ومع ذلك، لم يُستشار مواطنو سعود آتون في هذه الخطوة، كما أشار حواس، قائلاً: “لا أحد يستطيع التحدث مع الملك”.

صورة لأشعة الشمس في منطقة سعود آتون

كنزٌ دفينٌ مُترَك: لمحات من الحياة اليومية

عندما غادر مواطنو سعود آتون مدينتهم، تخلّوا عن مجموعةٍ رائعةٍ من ممتلكاتهم الشخصية، التي اكتشفها علماء الآثار منذ ذلك الحين.
وشملت هذه الممتلكات مجوهراتٍ، وفخارياتٍ، وأحذيةً وألعاب أطفال، وحتى قشرة بيتزا – رمزٌ للحياة اليومية يربط المصريين المعاصرين بأسلافهم القدماء.
كما ذكر حواس اكتشاف أكثر من 500 تمثالٍ لسخمت، إلهة الشفاء، ومجموعةً متنوعةً من الفخار المطلي باللون الأزرق، وهو لونٌ كان يُخصص تقليديًا للملوك، تُقدم هذه الكنوز المُترَكة وراءهم رؤيةً قيّمةً لمستوى المعيشة المرتفع الذي كان يتمتع به الحرفيون والحرفيون في ذلك الوقت.
وفّر الموقع ثروةً من المعلومات عن الحياة اليومية للمجتمع، بما في ذلك اكتشاف حمامات داخل المنازل، مما يدل على مستوى من الراحة لم يكن شائعًا في الحضارات القديمة.
تقول سليمة إكرام، أستاذة علم المصريات، التي وصفت مشهد العمال وهم يضعون أدواتهم جانبًا أثناء العمل، مُلتقطةً بذلك الأنشطة اليومية للناس وهم يُجبرون فجأةً على مغادرة منازلهم: “إنها لمحةٌ عن الزمن”.
اقرأ أيضا.. مصر تهيمن على قطاع تطوير الفنادق في أفريقيا بـ143 فندقًا و33926 غرفة قيد الإنشاء 

المدينة الذهبية المفقودة بمصرالجدران المتموجة

عمارة المدينة: تصميم عملي ورمزي

يُعدّ تصميم سعود آتون وبنيته التحتية دالةً بنفس القدر. فقد تميزت المدينة بجدرانها المتموجة أو المتعرجة، المصممة لحماية السكان من مياه الفيضانات، وتوفير مساحات عمل مظللة، والحد من الدخول إلى المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، اكتشف علماء الآثار مؤخرًا بحيرةً اصطناعيةً مزودةً بمراسي للقوارب، يُرجّح أنها بُنيت لنقل البضائع من وإلى النيل.
تُبرز هذه الاكتشافات الموقع الاستراتيجي للمدينة بالقرب من الأقصر، إحدى أهم مدن مصر القديمة، والمُحاطة بمواقع أثرية مثل تمثالي ممنون والرامسيوم.

تحول في الفكر الديني

يشير اكتشاف صورة للشمس، محفورة على جدار غرفة مخصصة للغزل والجلود وصناعة المجوهرات، إلى تحول في الفكر الديني خلال عهد إخناتون.
أوضح حواس أن هذه الأيقونية تعكس سعي إخناتون لعبادة آتون. وتشير الصورة إلى أن المشهد الديني في مصر كان يشهد تحولاً مع مرور الوقت، حيث أصبح إله الشمس الشخصية المحورية في الروحانية المصرية.
في حين أن إصلاحات إخناتون الدينية كانت مثيرة للجدل بشدة، كما يتضح من رد فعل الكهنة الدينيين الذين استفادوا من عبادة آلهة متعددة، إلا أنها كانت رائدة أيضاً.
أشارت ياسمين الشاذلي، نائبة مدير مركز الأبحاث الأمريكي في مصر، إلى أنه في عهد والد إخناتون، أمنحتب الثالث، كانت عبادة الشمس قد ازدادت بروزاً، على الرغم من أنها لم تكن توحيدية بعد. مثّلت إصلاحات إخناتون تحولاً جذرياً، ولكن مدينة سواد آتون لم تشهد تراجعاً إلا بعد وفاته.

المدينة الذهبية المفقودة بمصر مجموعة متنوعة من القطع الفخارية المطلية باللون الأزرق

أسئلة بلا إجابات وأسرار مستمرة

على الرغم من غزارة الاكتشافات، لا تزال جوانب عديدة من سعود آتون غامضة. أشار حواس إلى أن بعض القطع، مثل سمكة مغطاة بالذهب، لا تزال تحير علماء الآثار. ولا تزال أسباب بعض الممارسات الثقافية، مثل تغطية سمكة بالذهب، مجهولة.
بالمثل، لا تزال أسباب تهجير أخناتون القسري لشعبه غامضة، تاركةً العديد من الأسئلة دون إجابة حول دوافع قراراته الجذرية.

إرث سعود آتون

بعد وفاة أخناتون، هُجرت مدينة سعود آتون، لكن الفراعنة اللاحقين استمروا في استخدامها، بمن فيهم توت عنخ آمون الشهير.
لا تزال آثار المدينة مصدرًا قيّمًا للمعلومات، إذ تقدم لمحة فريدة عن الحياة اليومية للمصريين العاديين خلال فترة شهدت تحولات دينية وسياسية عميقة. يعتقد حواس أن اكتشافات المدينة تُقدم صورة أوضح عن حياة الحرفيين والحرفيات، مُسلّطةً الضوء على مستوى معيشتهم الرفيع ورقي مجتمعهم.
يُتيح التنقيب في سعود آتون نافذةً على فترةٍ محوريةٍ في التاريخ المصري، فترةٌ شكّلتها ثورةٌ دينيةٌ طموحةٌ قادها فرعون.
بينما لا يزال الغموض يكتنف الكثير من قصة المدينة، فإن الكنوز والرؤى المُكتشَفة تُثري فهمنا للحضارة المصرية القديمة، مُسلّطةً الضوء على حياة الأشخاص الذين عاشوا خلال إحدى أكثر الفترات إثارةً للاهتمام في التاريخ المصري.