كيف أصبحت طموحات إيران النووية تهديدًا متزايدًا للغرب

القاهرة (خاص عن مصر)- في ظل التوتر الجيوسياسي المستمر المحيط بطموحات إيران النووية، تجد الولايات المتحدة نفسها في لحظة فارقة.
وبحسب تقرير صنداي تايمز، تُظهر صور الأقمار الصناعية من المحيط الهندي تمركزًا لقاذفات القنابل الأمريكية من طراز B-2 Spirit على قاعدة دييغو غارسيا، مما يُنذر بخطر وشيك يتمثل في عمل عسكري يهدف إلى شل البنية التحتية النووية الإيرانية.إعلان
أوضح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نيته منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، حيث حذرت التقارير الأخيرة الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن طهران قد تنتج ما يكفي من اليورانيوم الصالح لصنع الأسلحة لصنع قنبلة في غضون أسبوع واحد فقط.
مع انطلاق المحادثات غير المباشرة بين المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين نهاية هذا الأسبوع، يترقب العالم لمعرفة ما إذا كان الحل الدبلوماسي ممكنًا أم أن التدخل العسكري سيكون الحل الوحيد.
أصول البرنامج النووي الإيراني
يعود تاريخ البرنامج النووي الإيراني إلى خمسينيات القرن الماضي، عندما أدخلت مبادرة الرئيس دوايت د. أيزنهاور “الذرة من أجل السلام” التكنولوجيا النووية إلى البلاد.
زودت الولايات المتحدة إيران بأول مفاعل نووي عام 1967، وفي عهد الشاه، سعت إيران إلى تطوير برنامج نووي مدني قوي، مع طموحات لبناء العديد من محطات الطاقة، إلا أن الثورة الإسلامية عام 1979 أحدثت تغييرًا جذريًا في العلاقات الأمريكية الإيرانية، مما أدى إلى قطع التعاون النووي.
ووفقًا للدكتور ويليام ألبرك، المدير السابق لمركز الناتو للحد من التسلح ونزع السلاح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، فإن “كل شيء بعد عام 1979 كان مرتبطًا إلى حد ما بالولايات المتحدة”، إلا أن المحفز الحقيقي لطموحات إيران النووية جاء في أعقاب الحرب الإيرانية العراقية.
الحرب الإيرانية العراقية: نقطة تحول
من عام 1980 إلى عام 1988، خاضت إيران حربًا ضارية ضد العراق بقيادة صدام حسين، شهدت هجمات كيميائية وتبادلًا للصواريخ بين البلدين، وقد لعب هذا الصراع، الذي تكبدت فيه إيران خسائر فادحة، دورًا محوريًا في تغيير موقف طهران من الأسلحة النووية.
يشير ألبرك إلى أن الحرب جعلت إيران تدرك تمامًا حاجتها إلى رادع نووي، وأصبح هذا الخوف من الضعف قوة دافعة وراء سعيها لامتلاك قدرات نووية.
التقدم المطرد لإيران نحو القنبلة النووية
على الرغم من فرض عقوبات أمريكية متزايدة، واصلت إيران تطوير برنامجها النووي على مدى العقود التالية، وفي عام 2006، أعلنت طهران نجاحها في تخصيب اليورانيوم إلى 3.5% في منشأة نطنز، وهو إنجاز رئيسي في مسيرة التطوير النووي للبلاد.
بينما أصرّ الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي كان في السلطة آنذاك، على أن طموحات إيران النووية سلمية تمامًا، حذّر خبراء مثل ألبرك من أن أي دولة تُخصّب اليورانيوم بهذه المستويات تُمهّد الطريق لامتلاك أسلحة نووية.
في عام 2009، كشف اكتشاف منشأة فوردو، وهي موقع سري تحت الأرض مدفون في الجبال بالقرب من مدينة قم المقدسة، عن مدى طموحات إيران النووية.
تُشدّد كيلسي دافنبورت، مديرة منع الانتشار النووي في جمعية الحد من الأسلحة، على صعوبة استهداف منشأة شديدة التحصين بأسلحة تقليدية، مشيرةً إلى أن ذلك يتطلب ضربات متكررة بأكبر القنابل التقليدية في الترسانة الأمريكية لإحداث أضرار جسيمة.
التخريب والمقاومة: دور إسرائيل
انطلاقًا من قلقها إزاء تقدّم إيران، شنّت إسرائيل حملة سرية لتخريب برنامج طهران النووي. بدءًا من فيروس ستوكسنت عام 2010، الذي تسلل إلى أنظمة الحاسوب النووية الإيرانية، انخرطت إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة، في سلسلة من عمليات التخريب التي تهدف إلى تأخير التقدم النووي الإيراني.
إضافةً إلى ذلك، لقي العديد من العلماء النوويين الإيرانيين حتفهم في ظروف غامضة على مر السنين، بما في ذلك اغتيال محسن فخري زاده عام 2020، وهو شخصية رئيسية في البرنامج النووي الإيراني. ورغم هذه الانتكاسات، ردت إيران بتعزيز دفاعاتها وتوزيع مواقعها النووية لجعلها أكثر مقاومة للهجمات الخارجية.
الاتفاق النووي الإيراني وانهياره
في عهد الرئيس باراك أوباما، توصلت الولايات المتحدة وإيران إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) عام 2015، والتي وافقت فيها إيران على الحد من مخزونها من اليورانيوم وخفض مستويات التخصيب مقابل تخفيف العقوبات.
كان الأمل معقودًا على أن يؤدي التعاون الاقتصادي مع إيران إلى تحرير سياسي. ومع ذلك، وكما يشير الدكتور ألبرك، فإن استراتيجية الولايات المتحدة لجعل إيران “غنية ولطيفة” قد فشلت، إذ واصلت إيران دعمها للجماعات التابعة لها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
في عام 2018، انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، وردّت إيران بتسريع برنامجها النووي. وبحلول عام 2025، ارتفع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب إلى 8300 كيلوجرام، منها 275 كيلوجرامًا بنسبة نقاء 60٪، أي على بُعد خطوة واحدة من الوصول إلى مستوى المواد المستخدمة في صنع الأسلحة.
أثار هذا التصعيد مخاوف متجددة في الغرب، حيث أشار بعض المحللين إلى أن إيران قد تصنع سلاحًا نوويًا في أي لحظة.
اقرأ أيضا.. في اجتماع سري.. الصين تعترف بشن هجمات إلكترونية ضد أمريكا
المواجهة المستمرة: محادثات أم عمل عسكري؟
مع وصول مخزون إيران النووي إلى مستويات حرجة، صعّدت الولايات المتحدة من لهجتها، محذرة من أن الخيار العسكري لا يزال مطروحًا. إلا أن رسائل ترامب المتضاربة وموقفه المتناقض بشأن العمل العسكري تركا الكثيرين في حالة من عدم اليقين بشأن احتمال التدخل.
فبينما دعت إسرائيل إلى توجيه ضربات عسكرية للمنشآت الإيرانية، وخاصةً موقع فوردو تحت الأرض، لا تزال الولايات المتحدة مترددة في الانخراط في عملية عسكرية شاملة دون ضمان واضح للنجاح.
يشير بعض المحللين، بمن فيهم الدكتور ألبرك، إلى أن الوقت الحالي، ومع بقاء إيران على بُعد خطوة واحدة من امتلاك قنبلة نووية، قد يكون الوقت الأمثل للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي.
يقول ألبرك: “إذا أرادوا صنع قنبلة، فيمكنهم فعل ذلك غدًا. لكنهم قلقون بشأن العواقب”. بالنسبة لترامب، تبدو مخاطر الصراع العسكري، وخاصةً دون نتيجة مضمونة، غير جذابة.