بعد غياب طويل.. سوريا تلغي الضرائب على الأسمنت وتستعد لعملية إعادة الإعمار

بعد غياب طويل.. سوريا تلغي الضرائب على الأسمنت وتستعد لعملية إعادة الإعمار

أوقفت وزارة الاقتصاد والصناعة ضرائب كانت مفروضة على الأسمنت المنتج في القطاعين العام والخاص في خطوة تُعد الأولى من نوعها ضمن خطط الحكومة السورية الجديدة لإنعاش الاقتصاد المحلي وتحفيز الإنتاج الوطني.

ويمثل القرار جزءا من استراتيجية أوسع لرفع القدرة التنافسية لهذه المادة الحيوية، تمهيدا لمرحلة إعادة الإعمار التي يُنظر إليها كأحد أكبر التحديات الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب، بحسب “الشرق بلومبرج”.

الأسمنت لإعادة الإعمار في سوريا

ويأتي قرار الإعفاء الضريبي بالتزامن مع جهود حثيثة لإعادة تشغيل معامل الأسمنت المتوقفة وتطوير خطوط إنتاج جديدة، وسط مؤشرات على تصاعد الطلب المحلي في السنوات المقبلة.

ووفقا لما صرح به مدير المؤسسة العامة للأسمنت ومواد البناء، محمود فضلية، فإن الأسمنت يعد صناعة استراتيجية وربحية، ويلعب دورا محوريا في خطط إعادة الإعمار.

وأكد فضيلة أن سوريا لم تبدأ بعد فعليا بمرحلة إعادة الإعمار، لكنها في طور التحضير لها، مشيرا إلى أن معامل جديدة سترى النور قريبا، فيما ستعاد بعض الوحدات الإنتاجية إلى العمل خلال الشهرين القادمين.

فجوة في الإنتاج واستيراد يغطي النقص

ويقدر الإنتاج اليومي الحالي للأسمنت في سوريا بنحو 10 آلاف طن، وهو ما يغطي فقط نصف احتياجات السوق، ما يدفع الحكومة إلى اللجوء للاستيراد لسد الفجوة.

وأوضح فضيلة أن السوق الإقليمية تحدد مصادر الاستيراد، لافتا إلى أن مصر، وتركيا، والأردن، والسعودية من أبرز الدول المصدرة، بفضل فائضها في الإنتاج. وأضاف أن الانفتاح على السوق الحرة جعل من الإسمنت المستورد منافسا شرسا للإنتاج المحلي.

تحديات في الوقود والطاقة وغياب القطع

ورغم الخطط الطموحة، يواجه قطاع الإسمنت في سوريا جملة من التحديات أبرزها تأمين مادة الفيول، والتي تُشكل نحو 65% من كلفة الإنتاج، إضافة إلى ارتفاع أسعار الكهرباء ونقص قطع الغيار اللازمة للصيانة.

وهذه العوامل ترفع تكلفة طن الأسمنت إلى ما بين 100 و123 دولاراً، وفقا لنوعيته والمنطقة الجغرافية.

تصاعد متوقع في الاستهلاك… حتى 15 مليون طن

وتشير التوقعات إلى أن الطلب المحلي على الإسمنت سيشهد ارتفاعا كبيرا، إذ قد تصل الاحتياجات إلى 8 ملايين طن سنويا بحلول عام 2025، وتتضاعف إلى 15 مليون طن في 2035.

وكشف فضيلة أن الحكومة تعمل على تجهيز عدة معامل جديدة وصلت نسبة الإنجاز في بعضها إلى 85%، بالإضافة إلى تشغيل معامل بترخيصات قديمة في ريف دمشق وحمص، مستفيدة من إعفاءات على استيراد المعدات الميكانيكية.

وأشار إلى أن هذه المعامل تعود لشركات أجنبية لم يُفصح عنها، وتبلغ قيمة الاستثمار في كل منها نحو 500 مليون دولار، مع طاقة إنتاجية يومية تصل إلى 10 آلاف طن.

المصانع الحكومية والخاصة… مساعٍ للإحياء

وتضم سوريا حالياً أربعة مصانع حكومية ومصنعا خاصا واحدا، في حين تتجه النية لإعادة تأهيل المصانع المتوقفة، مثل مصنع “العربية” في حلب، ومصانع في حماة وعدرا.

ويبرز مصنع “إسمنت البادية” كمثال على المصانع المعطلة نتيجة توقف توريد الفحم، ما أدى لتوقف إنتاجه منذ عام 2023، رغم طاقته السنوية البالغة 1.6 مليون طن، وهو مملوك لمجموعة سعودية.

تكلفة إعادة الإعمار… بين الواقع والطموح

ووصف الخبير الاقتصادي، عمار يوسف، تقدير احتياجات الإسمنت بأنه “عملية معقدة” في ظل عدم وجود أرقام دقيقة حول حجم الدمار، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة قدّرت تكلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار، بينما توقع أن ترتفع هذه الكلفة إلى 700 مليار دولار في حال إعادة بناء المساكن المدمّرة بالكامل.

وحذر يوسف من الاعتماد الكامل على الاستيراد، لافتا إلى أن سوريا تمتلك موارد طبيعية تؤهلها لتصنيع الإسمنت محليا بجودة عالية.

وأوضح أن بناء وتطوير المعامل السورية قد يستغرق نحو ثلاث سنوات، لكنه قادر على تغطية احتياجات البلاد لعدة سنوات لاحقة دون استيراد.

اقرأ أيضا.. خطوة غير مسبوقة.. سوريا تعين طفلًا متحدثًا رسميًا باسم وزارة الاتصالات

اقتصاد منتج قبل إعمار السكن

وفيما يخص تمويل عملية الاستيراد، دعا يوسف إلى استثمار موارد سوريا من النفط والغاز، خصوصا في المناطق الشمالية، إلى جانب السعي للحصول على مساعدات دولية.

كما شدد على أن الأولوية يجب أن تكون لاقتصاد منتج من خلال مشاريع زراعية وصناعية، وليس فقط التركيز على إعادة إعمار المساكن.

موارد محلية تغني عن الاستيراد

وأكدت بيانات مؤسسة الإسمنت والعمران أن خامات الإسمنت الأساسية مثل الحجر الكلسي والبازلت واللاتيريت متوفرة بوفرة في سوريا، ويمكن أن تغطي إنتاجاً سنوياً يقدّر بـ5 ملايين طن لمدة 75 عاماً، ما يدعم قدرة البلاد على الوصول إلى الاكتفاء الذاتي على المدى المتوسط.