فنادق جبيلية ومدن تحت سطح الأرض.. نيوم تعيد تعريف السياحة العالمية في السعودية

من عمق الصحراء تنهض نيوم السعودية كمشروع غير مسبوق يعيد رسم حدود الخيال في صناعة السياحة العالمية. ليست مجرد مدينة، بل رؤية فريدة تجمع بين التقنية المتقدمة، والتصميم المعماري المستقبلي، والطبيعة البرية، في مشاريع تستهدف بناء وجهات سياحية فاخرة قد تغير خريطة السياحة العالمية والإقليمية لعقود مقبلة.
نيوم السعودية.. من تروجينا الثلجية إلى أكويليوم الجبلية
وتبدأ أبرز معالم نيوم السياحية بـ”تروجينا”، مدينة الثلج في قلب الصحراء، التي تقع على ارتفاع يتراوح بين 1500 و2600 متر فوق سطح البحر، وتُعد أول منتجع تزلج في الهواء الطلق بالخليج.
وصممت “تروجينا” لتستضيف دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، وتضم ناطحة سحاب كريستالية من تصميم “زها حديد أركيتكتس”، وبحيرة صناعية، وتلفريك يربطها بالمناطق المجاورة، بحسب “الشرق بلومبرج”.
أما جزيرة “سندالة”، فهي أول مشروع سياحي يفتتح فعلياً في نيوم، وتمثل بوابة المملكة إلى سياحة اليخوت الفاخرة. صمّمت الجزيرة على شكل فرس البحر، وتضم مرسى لليخوت بسعة 86 رصيفا، إضافة إلى فنادق فخمة ومطاعم راقية وملعب جولف.
وفي قلب الجبال، يأتي مشروع “ليجا”، الذي يحتفي بالتكامل مع البيئة الطبيعية، ويضم ثلاثة فنادق: فندق المغامرات المدمج في الصخور، فندق الواحة الذي ينبثق من الجبال، وفندق العافية ذو الواجهة العاكسة الذي يوفر تجربة استرخاء متناغمة مع الطبيعة.
ومن جهة أخرى، يُعد “أكويليوم” من أكثر المشاريع طموحا، فهو مدينة متكاملة تحت الأرض داخل جبل، بمدخل عبر ساحة مائية، وشارع رئيسي يربط الفنادق والمطاعم والمعارض، في تجربة معيشية رقمية متقدمة، دون التأثير على البيئة الخارجية.
أما مشروع “تريام”، فهو منتجع يمتد على جسر بطول 450 متراً فوق بحيرة فيروزية، مصمم ليُشعر الزوار وكأنهم يطفون فوق المياه، مع 250 غرفة فندقية فاخرة.
افتتاح تدريجي… وسندالة أول الوجهات المفتوحة للجمهور
وبدأت نيوم في أكتوبر 2024 باستقبال الزوار في جزيرة سندالة، مستهدفة استقبال نحو 2400 زائر يوميا بحلول 2028. ومن المتوقع افتتاح “تروجينا” في 2026، وبدء استقبال الزوار في “ليجا” و”أكويليوم” بين عامي 2025 و2026، بينما لم يُحدد موعد افتتاح “تريام” حتى الآن.
نخبة العالم أولا وتوسع قادم لاحتضان الطبقة المتوسطة
وفي مرحلتها الأولى، تستهدف مشاريع نيوم الزوار الأثرياء من أوروبا، الصين، والهند، خصوصا عشاق اليخوت والسياحة الفاخرة. غير أن المملكة تخطط لتوسيع قاعدة الزوار مستقبلا لتشمل الطبقة المتوسطة، لا سيما من الأسواق الناشئة، عبر تطوير خدمات بأسعار تنافسية ومرافق إقامة متنوعة، من الفنادق الفاخرة إلى الاقتصادية.
فعاليات ثقافية وترفيهية لتعزيز الجذب السياحي
وضمن خطة استقطاب أوسع، تشمل استراتيجية نيوم تنظيم برامج ثقافية وفنية ومهرجانات موسيقية ومعارض تفاعلية، بالإضافة إلى عروض أداء حية وأسواق محلية ومناطق ترفيهية مفتوحة في “ذا لاين” و”تروجينا”، تستهدف العائلات والزوار من جميع الفئات العمرية.
التحديات: تضخم التكاليف والتقنيات الناشئة والمخاوف البيئية
ورغم الطموح، لا تخلو مشاريع نيوم من تحديات كبيرة، أبرزها تضخم التكاليف وتأخر التنفيذ. فقد شهد مشروع “تروجينا” ارتفاعا كبيرا في الميزانية بسبب تعقيدات هندسية وغلاء المواد، بينما تأخر افتتاح “سندالة” لنحو عامين عن الجدول الأصلي.
كما تثار مخاوف بيئية حول تأثير المشاريع على الحياة البحرية والبرية، في ظل تطوير مكثف على سواحل البحر الأحمر. وتواجه نيوم تحديا في تطبيق رؤيتها البيئية، مثل اعتماد تحلية المياه بالطاقة المتجددة، وهي تقنية ما زالت ناشئة وتحتاج إلى بنية تحتية متقدمة.
وفي ضوء هذه التحديات، بدأت نيوم مراجعة نطاق بعض المشاريع، أبرزها مشروع “ذا لاين”، حيث جرى تقليص الطموحات قصيرة المدى، وتخفيض عدد السكان المستهدفين بحلول 2030 من 1.5 مليون إلى نحو 300 ألف فقط، بينما قد لا يتجاوز طول المدينة الفعلي في المرحلة الأولى 2.4 كيلومتر، وفقًا لتقرير “بلومبرج”.
اقرأ أيضا.. انخفاض أسعار الذهب في السعودية اليوم الأحد 8 يونيو خلال موسم الحج 2025
الرؤية مستمرة رغم التحديات
وتمثل نيوم نموذجا جديدا للسياحة، قائما على التقنية، والطبيعة، والتجربة الفريدة، إلا أن نجاح هذه المشاريع مرهون بقدرتها على التوازن بين الطموح الكبير، والواقع الاقتصادي والبيئي.
فبينما تسير المملكة بخطى واثقة نحو تحويل نيوم إلى أيقونة سياحية عالمية، يبقى النجاح مرتبطًا بمدى القدرة على التنفيذ المستدام، وإشراك فئات أوسع من الزوار، وتحقيق مردود اقتصادي يعزز من مكانة السعودية كوجهة سياحية مستقبلية.