بعد 14 عامًا من الانعزال.. سوريا تستعيد مكانتها في الاقتصاد العالمي من خلال “سويفت”

بعد 14 عامًا من الانعزال.. سوريا تستعيد مكانتها في الاقتصاد العالمي من خلال “سويفت”

تستعد سوريا للعودة من جديد إلى النظام المالي الدولي بعد أكثر من عقد من العزلة الاقتصادية، حيث أعلن محافظ المصرف المركزي، عبد القادر حصرية، أن البلاد ستنضم بالكامل في شبكة سويفت العالمية للمدفوعات “خلال أسابيع”.

ووفقا لصحيفة “فايننشال تايمز”، يمثل هذا الإعلان نقطة تحول حاسمة في مساعي الحكومة الانتقالية لإعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام العالمي، وإنهاء سنوات من العزلة الاقتصادية والمؤسساتية، وتحويل البلاد من حالة منبوذة إلى لاعب مالي إقليمي مُحتمل.

وتأتي هذه العودة بعد 14 عاما من العقوبات والحرب الأهلية، وهي فترة تدهور فيها الاقتصاد السوري وانقطعت فيها العلاقات المالية العالمية.

وتعكس التصريحات الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة الجديدة لتحرير الاقتصاد، وجذب الاستثمارات الأجنبية، واستعادة الثقة بالمؤسسات المالية السورية.

سوريا من العزلة إلى الإصلاح: رؤية اقتصادية جديدة

وطرح حصرية، خلال مقابلة له مع “فايننشال تايمز”، خطة مفصلة لإعادة هيكلة النظام المالي السوري، وإصلاح السياسة النقدية، وإعادة ترسيخ مكانة سوريا في التجارة العالمية.

ويقود المحافظ، وهو خبير مالي مخضرم لعب دورا محوريا في صياغة القوانين المالية في عهد نظام الأسد، الآن حركة إصلاحية طموحة تهدف إلى تحويل سوريا إلى “مركز مالي”.

وقال حصرية: “نهدف إلى تعزيز صورة سوريا كمركز مالي في ضوء الاستثمار الأجنبي المباشر المتوقع في إعادة الإعمار والبنية التحتية – وهذا أمر بالغ الأهمية”. وأكد أنه على الرغم من التقدم المحرز، لا تزال هناك إصلاحات واسعة النطاق تنتظرنا.

وتشمل هذه الإصلاحات إصلاحا شاملا للقوانين المصرفية، وإعادة هيكلة البنك المركزي، وتطوير مؤسسات الإسكان والضمان الاجتماعي. ومن الأولويات الرئيسية استعادة ثقة المغتربين السوريين وتشجيع تدفق الاستثمارات إلى البلاد.

سوريا.. مرحلة سياسية جديدة تدفع التحول الاقتصادي

وبدأ التحول الجذري في المسار الاقتصادي السوري بإطاحة الرئيس بشار الأسد في ديسمبر على يد فصائل المعارضة بقيادة أحمد الشرع. وبعد سنوات من الصراع الدامي.

وحظيت حكومة الشرع المؤقتة بدعم مؤقت من القوى الدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي رفعت مؤخرا عقوبات رئيسية، وبدأت الحكومة الانتقالية تطبيق إصلاحات سريعة وشفافة.

وعلى الرغم من أعمال العنف المتفرقة، أظهرت إدارة الشرع التزاما بالشفافية وإصلاحات السوق، وعملت بسرعة على تفكيك الهياكل الاقتصادية المركزية التي ميّزت عهد الأسد. وقد أبدى المستثمرون الدوليون، الذين كانوا في السابق حذرين من المعارضة السورية ذات التوجه الإسلامي، تفاؤلا حذرا بشأن التوجه الجديد للبلاد.

ويرى حصرية أن ما تم حتى الآن من تخفيف العقوبات لا يكفي، قائلا: “حتى الآن، لم نشهد سوى إصدار تراخيص ورفع عقوبات انتقائي. يجب أن يكون التنفيذ شاملا، لا مؤقتا”. وتؤكد تصريحاته إدراكه لتعقيد المرحلة وضرورة وجود التزام دولي واضح وطويل الأمد.

إنقاذ القطاع المصرفي: العمود الفقري للتعافي

ويشكل انهيار القطاع المصرفي السوري، الذي نتج عن الحرب والأزمة المالية اللبنانية عام 2019 وعقود من سياسات نظام الأسد، جوهر خطة الإصلاح التي وضعها حصرية.

ويهدف حصرية إلى تحديث القطاع من خلال تحريره من القيود التنظيمية، وإعادة رسملته، واستعادة دور البنوك كوسيط بين الأسر والشركات.

وأوضح حصرية: “كان المصرف المركزي يُدير النظام المالي بدقة متناهية، ويفرط في تنظيم الإقراض، ويقيد سحب الودائع”، مضيفا أن الإصلاحات تهدف إلى تمكين البنوك من العمل باستقلالية أكبر، وتعزيز الشفافية، وزيادة قدرة الإقراض للأفراد والمؤسسات.

عودة سويفت.. دعم للتجارة وكبح للتمويل غير الرسمي

ويمثل الانضمام مجددا إلى شبكة سويفت خطوة رئيسية نحو إعادة بناء الترابط الاقتصادي لسوريا و نقطة محورية في جهود سوريا للعودة إلى التجارة العالمية؛ مما يسهل الصادرات، ويخفض تكاليف الاستيراد، ويُعزّز احتياطيات النقد الأجنبي، ويُساعد في مكافحة النشاط المالي غير المشروع.

وأضاف حصرية: “تتمثل الخطة في أن تُمرّر جميع عمليات التجارة الخارجية الآن عبر القطاع المصرفي الرسمي”، مما يقلّل الاعتماد على الصرافين غير الرسميين المكلفين.

ولتأمين البيئة المصرفية وتعزيز الثقة، تخطط الحكومة لإنشاء مؤسسة عامة لضمان ودائع البنوك الخاصة، مما يعزز استقرار النظام المالي.

استقرار العملة وابتكار التمويل الإسلامي

ولا تزال الليرة السورية، التي فقدت 90% من قيمتها قبل سقوط الأسد، متقلبة. ويهدف برنامج “حصرية” إلى توحيد سعر صرفها واعتماد استراتيجية تعويم مُدار لتعزيز استقرار العملة نسبيا.

ويُعد استقرار الليرة أمرا أساسيا للاستثمار طويل الأجل والتخطيط الاقتصادي الكلي.

في إطار الابتكار المالي، تنظر وزارة المالية في إصدار أول صكوك إسلامية (سندات متوافقة مع الشريعة الإسلامية) في تاريخ سوريا، كبديل عن القروض التقليدية، وتجنبًا للاقتراض السيادي. هذا التوجه قد يمنح الحكومة أدوات تمويل جديدة تتماشى مع القيم الدينية والاقتصادية المحلية.

اقرأ أيضا.. آثار سوريا للبيع على فيسبوك.. نهب الكنوز المدفونة يزداد بعد سقوط الأسد

دعم دولي يمهد لإعادة الإعمار

وتقدر تكاليف إعادة إعمار سوريا بمئات المليارات من الدولارات. وقد بدأت الحكومة المؤقتة محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحصول على الدعم الفني والمالي.

ووفق حصرية، فإن الهدف هو إطلاق خطة استقرار اقتصادي تمتد من 6 إلى 12 شهرا، تشمل مشاريع إسكان وطاقة وتعليم وصحة.

وقد ظهرت بوادر مشجعة، حيث قامت المملكة العربية السعودية وقطر مؤخرا بتسوية ديون سوريا للبنك الدولي البالغة 15.5 مليون دولار، وتعهدتا بتمويل رواتب القطاع العام. وتشير الاتفاقيات الأولية مع شركات من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر إلى اهتمام إقليمي قوي بالاستثمار في البنية التحتية والطاقة.

وقد حصلت سوريا أيضًا على منح دولية، منها 146 مليون دولار من البنك الدولي لدعم قطاع الطاقة، و80 مليون دولار من السويد لتحسين النظام الصحي والتعليمي.

سوريا على مفترق طرق

وتعد إعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي لحظة فارقة بالنسبة لها. فمع رفع العقوبات، وإطلاق إصلاحات هيكلية، وتزايد الدعم الدولي، تفتح أمام سوريا نافذة جديدة لإعادة الإعمار والتنمية.

ومع ذلك، لا تزال التحديات هائلة. وكما يقر حصرية، فإن تحول الاقتصاد السوري سيكون عملية طويلة الأمد تتطلب ثقة دولية، واستقرارا سياسيا محليا، ومرونة مؤسسية.