هل تستطيع الصين التفوق على ترامب لتصبح القوة العظمى في العالم؟

القاهرة (خاص عن مصر)- في أسبوع بلغت فيه التوترات بين واشنطن وبكين مستويات جديدة، يبقى السؤال مطروحًا: هل تستطيع الصين التفوق على ترامب لتصبح في نهاية المطاف القوة العظمى في العالم؟
وفقا لتقرير صنداي تايمز، جعلت عقود من التخطيط الدقيق من قبل الحكومة الصينية البلاد أقرب إلى أن تصبح القوة العظمى في العالم، مما يجعل واقع توازن القوى العالمي الجديد وشيكًا أكثر من أي وقت مضى.إعلان
تصاعد الحرب التجارية
اشتدت الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين، حيث تسعى إدارة الرئيس ترامب إلى معالجة العجز التجاري الكبير مع الصين، والذي تجاوز 295 مليار دولار العام الماضي.
فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية باهظة على السلع الصينية، وصلت إلى 145%، لكن بكين ردّت بتدابير انتقامية مماثلة، حيث فرضت رسومًا جمركية بنسبة 125% على الواردات الأمريكية.
رغم تعليق مؤقت لبعض الرسوم لمدة 90 يومًا، لا تزال التوترات التجارية الكامنة دون حل، حيث تُعارض الصين بشدة ما تعتبره “ابتزازًا” أمريكيًا.
يزداد الوضع تعقيدًا، حيث ترد بكين من موقع قوة نسبية. فبينما تكبدت الولايات المتحدة خسائر فادحة، أظهر اقتصادها مرونة، حيث لا تُمثل التجارة مع الولايات المتحدة سوى 2% من إجمالي ناتجها المحلي الإجمالي.
شجعت هذه القوة الاقتصادية المتنامية بكين على تحدي الهيمنة التجارية الأمريكية وتشكيل النظام الاقتصادي العالمي وفقًا لشروطها الخاصة.
النفوذ الاقتصادي الصيني: سلاح الديون
يُعدّ استحواذ الصين الهائل على الديون السيادية الأمريكية، والذي يتجاوز 750 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 2.6% من الدين القومي الأمريكي، عاملاً رئيسياً في الاستراتيجية الاقتصادية الصينية. يمنح هذا النفوذ المالي الصين القدرة على زعزعة استقرار الاقتصاد الأمريكي إن شاءت.
بينما يعتقد العديد من المحللين أن من غير المرجح أن تتخلص الصين من ديونها الأمريكية بسبب التداعيات المحتملة، فإن مجرد وجود هذا السلاح المالي يزيد من مخاطر الحرب التجارية الدائرة.
حذّر جورج سارافيلوس، المحلل في دويتشه بنك، من أن هذا قد يؤدي إلى “حرب مالية” تستخدم فيها الصين ممتلكاتها الضخمة من الأصول الأمريكية لزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي، مع عواقب وخيمة محتملة على جميع الأطراف المعنية.
اقرأ أيضا: اليوم النجمي والسنة الشمسية.. التقويم المصري القديم أدق أنظمة ضبط الوقت
التوازن العسكري: القوة البحرية الصاعدة للصين
إلى جانب الاقتصاد، يشهد التوازن العسكري بين الولايات المتحدة والصين تحولاً. لطالما افتخرت الولايات المتحدة بهيمنتها البحرية، لكن الصين تلحق بها بسرعة. ففي عام 2024، أطلقت الصين أكثر من 250 سفينة، بينما أطلقت الولايات المتحدة خمس سفن فقط.
تُثير هذه الفجوة في القوة البحرية قلقًا بالغًا، إذ تمتلك الصين الآن عددًا أكبر من السفن الحربية والغواصات الرئيسية مقارنةً بالولايات المتحدة. فمع امتلاكها 234 سفينة حربية رئيسية مقابل 219 سفينة أمريكية، يُشكل أسطول الصين المتنامي تهديدًا كبيرًا للعمليات العسكرية الأمريكية، لا سيما في المحيط الهادئ.
يُقرّ الأدميرال البحري مايك ستوديمان، الرئيس السابق للاستخبارات البحرية الأمريكية، بأن الصين تُعدّ بالفعل “ندًا” للولايات المتحدة من حيث القوة البحرية، وأن قدراتها العسكرية المتنامية قد تُمكّنها قريبًا من تحدي الولايات المتحدة في سيناريوهات استراتيجية مُختلفة، لا سيما في منطقتها.
يُشير تسارع وتيرة بناء السفن في الصين، إلى جانب تركيزها على زيادة القوة البحرية، إلى تحول في ميزان القوة العسكرية، وهو تحول قد تُواجه الولايات المتحدة صعوبة في عكسه في المستقبل القريب. برنامج بناء السفن والغواصات الاستراتيجي الصيني: يشهد قطاع بناء السفن في الصين نموًا وتطورًا مذهلين.
فعلى مدار العقد الماضي، أضافت الصين 29 سفينة حربية وطرادًا ومدمرة وفرقاطة جديدة إلى أسطولها البحري. في المقابل، واجهت الولايات المتحدة تحديات كبيرة في صيانة أسطولها وتوسيعه، بدءًا من تقادم السفن ووصولًا إلى نقص العمالة الماهرة.
إضافةً إلى ذلك، تُركز الصين على تعزيز أسطولها من الغواصات، وهو مجالٌ حاسمٌ قد يُرجّح كفة ميزان القوى لصالحها. ويخشى المحللون من أن تُؤدي القوة البحرية المتنامية للصين، لا سيما في سياق شراكتها مع روسيا، إلى تعزيز قدراتها، بما في ذلك غواصات أكثر هدوءًا وتطورًا.
التداعيات الدبلوماسية: تحالفات متوترة وتوترات متزايدة
لا يقتصر نفوذ الصين المتزايد على القوة العسكرية والاقتصادية فحسب، بل بدأت التداعيات الدبلوماسية للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تُغيّر التحالفات في المحيط الهادئ.
تأثر حلفاء رئيسيون للولايات المتحدة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، سلبًا برسوم ترامب الجمركية، مما أتاح للصين فرصة استغلال الانقسامات داخل نطاق النفوذ الأمريكي التقليدي.
ردًا على ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى إحياء قطاع بناء السفن وتعزيز تحالفاتها، إلا أن النزاع المستمر على الرسوم الجمركية يُعقّد هذه الجهود. فبينما تسعى الصين إلى توطيد علاقاتها مع هذه الدول، قد يؤدي ذلك إلى مزيد من تآكل النفوذ الأمريكي في المنطقة، مما يُصعّب على واشنطن الحفاظ على موطئ قدمها الاستراتيجي.
القوة العظمى في العالم: صراع على النفوذ
على الرغم من الجهود المبذولة لعكس اتجاهات الصعود الاقتصادي والعسكري الصيني، يتضح بشكل متزايد أن صعود الصين أمر لا مفر منه.
لا تزال الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة، بدءًا من ارتفاع الديون ووصولًا إلى تراجع قوتها البحرية، وقدرتها على الحفاظ على هيمنتها في الوقت الذي تُختبر فيه القوة العظمى العالمية على جبهات متعددة. في حين أن موقف إدارة ترامب العدواني تجاه الصين قد أثار عدم استقرار اقتصادي وتوترًا دبلوماسيًا، إلا أن النتيجة على المدى الطويل لا تزال غير مؤكدة.
في مواجهة هذه التحديات، قد لا يكون أمام الولايات المتحدة خيار سوى تبني نهج أكثر ترويًا، والسعي إلى تسوية مع الصين مع تعزيز قوتها العسكرية والاقتصادية. ومع ذلك، فإن أي تنازلات تُقدم الآن قد تكون لها تكلفة باهظة، مما قد يُلحق الضرر بعلاقاتها مع حلفائها العالميين الرئيسيين، ويُقوّض مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية عظمى.