تقرير: رفع أسعار الوقود زاد من معاناة الفقراء وأدى إلى تدهور مستوى الحياة للطبقة الوسطى

بعد ما يقرب من عقد على التحرير الكامل لأسعار الوقود في المغرب، كشفت ورقة بحثية حديثة عن أن إصلاح نظام المقاصة لم يحقق أهدافه المرجوة في حماية القدرة الشرائية للفئات الأكثر تضررًا.
على العكس من ذلك، تُشير الدلائل إلى تدهور الأوضاع المعيشية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ما يُثير تساؤلات حول فعالية هذا الإصلاح وأثره الاجتماعي الحقيقي.
الورقة، الصادرة عن مبادرة الإصلاح العربي تحت عنوان “تفكيك صندوق المقاصة في المغرب: هل تدفع الفئات الفقيرة والمتوسطة ثمن “الإصلاح”؟”، تؤكد أن الفئات الفقيرة أصبحت أكثر معاناة، بينما تتجه شريحة واسعة من الطبقة الوسطى نحو عتبة الفقر.
ويُعزى هذا التدهور إلى غياب حماية اجتماعية قوية تُعزز القوة الشرائية للشرائح المتضررة من رفع الدعم.
يُشير عبد الرفيع زعنون، الأستاذ الزائر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان ومعد هذه الورقة، إلى أن الحكومة بدأت في 20 مايو 2024 بتفكيك ما تبقى من صندوق المقاصة، وذلك من خلال تقليص الدعم الجزئي لأسعار غاز البوتان.
و يأتي ذلك بعد أن تخلت الحكومة عن دعم المواد النفطية السائلة منذ عام 2015، وكان من المفترض أن تُوجه الوفورات المالية الناتجة عن ذلك لتدعيم الاستدامة المالية للتحويلات النقدية المباشرة الموجهة للفئات الفقيرة.
و على عكس التطمينات الحكومية بشأن المكاسب المتوقعة من تحرير أسعار الوقود، أسهمت تقلبات السوق الدولية في زيادة تكلفة المقاصة، حيث يُتوقع أن تصل في عام 2025 إلى 1.6 مليار دولار.
كما يشير الباحث إلى ارتفاع فاتورة الإعانات المخصصة لمهنيي النقل الطرقي، والتي بلغت 156 مليون دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 93% مقارنة بالعام السابق.
هذا يعكس، حسب الباحث، فشل سياسة تحرير الوقود من منظور أصحاب المصلحة، حيث دعت النقابة الوطنية لقطاع النقل الطرقي للبضائع إلى استبدال الدعم المالي بدعم عيني في شكل قسائم.
وتلفت الورقة الانتباه إلى أن تحرير المواد التي كانت تستنزف جزءًا كبيرًا من الإنفاق العام لم يخفف من المديونية، التي وصلت إلى 69% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، مقارنة بـ 58% في عام 2014.
ويوضح الباحث أن محدودية المكاسب الاقتصادية للإصلاح قد ترسخ النهج النيوليبرالي في تصميم السياسات الاجتماعية تحت ضغط الجهات المانحة، مما يجعل شبكات الحماية الاجتماعية تقتصر على الأشخاص الأشد فقرًا لدواعي التقشف.
وبغض النظر عن الأثر المالي للإصلاح، فإن المشكلة تظهر بوضوح أكبر من زاوية الاقتصاد الجزئي، حيث تتضرر الأسر الهشة والمقاولات الصغيرة والمتوسطة من رفع الدعم.
ويؤكد عبد الرفيع زعنون أن التزام الحكومة بالتخصيص الاجتماعي للأموال الموفرة بفضل “الإصلاح” لا يزال غير ملموس.
فمنذ عام 2016، وفر تحرير أسعار الوقود ما لا يقل عن 3.5 مليارات دولار سنويًا، لكن هذه العوائد لم توجه بالقدر الكافي لتعزيز وصول الفئات الأكثر احتياجًا إلى شبكات الأمان الاجتماعي.
تحذر الورقة من أن التفكيك التدريجي لصندوق المقاصة ينذر بـالإخلال بتوازنات النسيج الاجتماعي. ولا يبدو أن استبدال الدعم المالي المعمم بالدعم النقدي المستهدف سيساهم في تحسين فعالية سياسات إعادة التوزيع، ليس فقط بسبب الاختلالات الظرفية الناتجة عن تحرير الأسعار، بل أيضًا بسبب العيوب المتأصلة في منهجية الاستهداف التي قد تعمق من هشاشة إعادة توزيع الدخول والفجوات الاجتماعية.
فيما يخص الفئات الضعيفة، لا يبدو، وفقًا للباحث، أن أحوالها المعيشية تتحسن بالمستوى الذي يوازي العائد المالي لإصلاح المقاصة. بل تبقى قوتها الشرائية مهددة بالتآكل المستمر أمام ارتفاع الأسعار وتثبيت الأجور، وهو ما حدث في الجزائر بعد شروعها في التخلي عن الدعم الشامل للسلع الأساسية.
وتشير الورقة إلى أن المساعدات النقدية المستهدفة قد تمكن الفقراء من الحصول على إعانات منتظمة لتلبية بعض احتياجاتهم، لكنها “أبعد ما تكون عن إمكانية تأمين الحد الأدنى للدخل اللازم للعيش الكريم”.
وفيما يتعلق بالطبقة الوسطى، يوضح المصدر ذاته أن وضعها الاجتماعي والاقتصادي يتدهور بسبب تضررها المزدوج من تفكيك نظام المقاصة.
فمن جهة، تُجبر هذه الطبقة على شراء السلع الأساسية بسعر السوق دون إمكانية الاستفادة من أي دعم، مما قد يؤدي إلى تدحرجها نحو عتبة الفقر. ومن جهة أخرى، تفتقر الطبقة الوسطى للبديل الناجع والقادر على التعويض عن ذلك في تأمين حد أدنى من الضمان الاجتماعي.