الذهب يعيد ترسيخ مكانته في ظل اضطرابات التجارة العالمية وتراجع الثقة بالدولار

الذهب يعيد ترسيخ مكانته في ظل اضطرابات التجارة العالمية وتراجع الثقة بالدولار

في ظل التصعيد التجاري المستمر بين الولايات المتحدة والصين، بدأت خريطة الملاذات الآمنة تتحول بشكل لافت، حيث استعاد الذهب بريقه كمركز الثقل الرئيسي للمستثمرين الباحثين عن الاستقرار، مدعومًا بتراجع قوة الدولار الأمريكي.

ورغم إعلان واشنطن عن استثناء بعض المنتجات التكنولوجية من الرسوم الجمركية في محاولة للتهدئة، إلا أن حالة الضبابية لا تزال تخيم على الأسواق العالمية، وسط ترقب دائم لأي قرار جديد قد يعيد إشعال فتيل التوترات.

يؤكد عدد من الخبراء أن حالة التقلب السريع في القرارات الاقتصادية والتصريحات الرسمية تعيق المستثمرين عن اتخاذ توجهات واضحة، مشيرين إلى أن الرسوم الجمركية ما هي إلا “قشرة” تخفي أزمة أعمق تتعلق بارتفاع تقييمات بعض الأسواق المالية إلى مستويات غير واقعية.

وفي هذا السياق، ينصح المحللون بتوجيه حصة معتبرة من المحافظ الاستثمارية نحو الذهب، الذي يظل أكثر الأصول صلابة في مواجهة عدم اليقين. كما يُطرح خيار الاحتفاظ بالسيولة النقدية كاستراتيجية وقائية، خصوصًا في ظل بيئة أسعار الفائدة المرتفعة عالميًا.

ومن التحولات اللافتة، تراجع اعتبار الدولار الأمريكي كملاذ تقليدي، نتيجة ارتباطه المباشر بالقرارات التجارية الأميركية. ويشير محللون إلى انفصال واضح بين حركة عوائد السندات الأميركية وسعر صرف الدولار، ما يعكس قلقًا متزايدًا لدى المستثمرين من مستقبل العملة الخضراء، لاسيما مع التلميحات المتكررة من بعض الدول بإمكانية بيع جزء من حيازاتها من السندات الأميركية كإجراء مضاد في الحرب التجارية.

في ظل هذه المعطيات، يبرز الذهب مجددًا كخيار استثماري أكثر أمنًا، مدعومًا بتراجع الدولار ومخاوف المستثمرين من الانزلاق نحو أزمة أعمق. كما يشهد الين الياباني اهتمامًا متزايدًا، خصوصًا مع ترقب إمكانية تخفيف القيود الجمركية، ما قد يمنحه دفعة إضافية باعتباره عملة ملاذ آمن.

أما على صعيد الأسواق، فتُظهر العقود الآجلة ارتفاعات محدودة، خصوصًا في قطاع التكنولوجيا، الذي قد يستفيد من الاستثناءات الأخيرة في الرسوم الجمركية. ومع ذلك، يحذر الخبراء من الإفراط في التفاؤل، مؤكدين أن الأسواق تظل رهينة لأي تحول جديد قد يعيد التصعيد إلى الواجهة من جديد.

في المحصلة، يعيد هذا المشهد تشكيل معايير الاستثمار الآمن، مع بروز الذهب مجددًا كمرتكز رئيسي للاستقرار، في وقت تفقد فيه بعض الأصول التقليدية بريقها نتيجة للتقلبات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة.