الذكاء الاصطناعي في المغرب: فرصة مهدرة أم تحول منتظر؟

في عالم يشهد ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، يتوقع أن يتجاوز الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي حاجز 632 مليار دولار بحلول عام 2028، حسب تقرير مجموعة بوسطن للاستشارات حول “مصفوفة نضج الذكاء الاصطناعي: أي الاقتصادات مستعدة لهذا التحول؟”.
هذا التحول التكنولوجي الهائل يفرض على المغرب ضرورة إعادة تقييم موقعه في خريطة التحول الرقمي العالمي.
وأصبح من الضروري أن يضع المغرب خطة استراتيجية قوية لتبني الذكاء الاصطناعي، خاصة وأن هذا المجال أصبح يشكل معيارًا رئيسيًا للتنافسية والنمو على الساحة العالمية.
حسب تقرير مجموعة بوسطن، تم تصنيف المغرب ضمن فئة “الممارسين التدريجيين” في مصفوفة نضج الذكاء الاصطناعي، مما يعني أنه لا يزال في مراحل التبني المبكرة، ويعاني من العديد من التحديات في البنية التحتية التكنولوجية، المهارات، والاستثمار في البحث والتطوير.
و يتم تقييم الدول في هذا التصنيف بناءً على مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على اقتصاداتها ومدى استعدادها للاستفادة من هذه التقنيات لزيادة النمو الاقتصادي.
وفي ما يتعلق بمؤشرات المغرب في الذكاء الاصطناعي، حصل المغرب على 31 نقطة من أصل 100 في مؤشر “أسبير”، الذي يعكس الأداء العام عبر عدة أبعاد حيوية.
على مستوى “الطموح”، الذي يقيس وجود استراتيجية وطنية واضحة للذكاء الاصطناعي، سجل المغرب 7 نقاط من أصل 10، مما يشير إلى أن هناك جهودًا رسمية، لكنها لا تزال في مراحلها الأولى ولم تُترجم بعد إلى نتائج عملية.
أما في ما يخص “المهارات”، فقد حصل المغرب على 7 نقاط من أصل 25، مما يعكس نقصًا كبيرًا في عدد المتخصصين في الذكاء الاصطناعي وضعف مشاركة المغرب في المنصات العالمية مثل “غيت هَب” و”كاغل”.
وعلى مستوى السياسات والتنظيم، سجل المغرب 5 نقاط من أصل 10، مما يعكس تقدمًا نسبيًا في الحكامة الرقمية، لكنه لا يزال متأخرًا عن الدول الرائدة في هذا المجال.
أحد أبرز التحديات التي يواجهها المغرب هو نقص الاستثمارات في الشركات الناشئة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، حيث حصل على نقطتين فقط من أصل 15 في مؤشر “الاستثمار”، مما يشير إلى قلة رؤوس الأموال المغامِرة الموجهة لهذا القطاع.
كما أظهرت المؤشرات في مجال البحث والابتكار تراجعًا كبيرًا، حيث حصل المغرب على نقطة واحدة فقط من أصل 15، ما يعكس غياب الحضور العلمي المغربي في المحافل الدولية وقلة براءات الاختراع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
أما بالنسبة للبنية التحتية الرقمية، فقد حصل المغرب على 9 نقاط من أصل 25، وهو أداء مقبول لكنه لا يتماشى مع تطلعات دولة تهدف إلى الريادة في اقتصاد المعرفة.
عند مقارنة المغرب بدول مثل الإمارات والسعودية، اللتين تم تصنيفه ضمن فئة “المنافسين الصاعدين”، يظهر الفارق الكبير في الاستعداد والتخطيط الاستراتيجي.
تمكّنت الإمارات والسعودية من الاستفادة من السياسات العامة الذكية التي سرعت من تبني الذكاء الاصطناعي، من خلال تحسين البنية التحتية، جذب الاستثمارات، وتحفيز الابتكار المحلي.
في المقابل، لا يزال المغرب يعتمد على مقاربات تجريبية وغير مهيكلة بما يكفي لتحقيق تأثير اقتصادي ملحوظ في المدى المتوسط أو الطويل.
من الواضح أن المغرب يواجه تحديات هيكلية كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهي تحديات تتطلب استجابة عاجلة لتقليص الفجوة مع الدول الرائدة.
رغم توافر بعض المقومات الأساسية مثل الطموح السياسي والاهتمام بالتحول الرقمي، فإن المغرب بحاجة إلى تكثيف استثماراته في هذا القطاع الحيوي، وتعزيز مهاراته الرقمية، ودعم البحث والابتكار ليتمكن من مواكبة هذا التحول التكنولوجي الهائل.