الصراع على الطاقة النووية: كيف تحقق روسيا هيمنة عالمية على سلاسل توريد اليورانيوم؟

بينما يخيم الجمود على جبهات القتال في أوكرانيا، تحتدم معركة من نوع آخر بين روسيا والغرب، لكن بعيدًا عن الأسلحة التقليدية.
ساحة هذه المواجهة هي الطاقة النووية وسلاسل توريد اليورانيوم — وهي ورقة استراتيجية تلعب فيها موسكو دورًا فاعلًا، وتحصد من خلالها مكاسب تتجاوز حجمها الجيوسياسي.
في قلب هذه المعركة تبرز “روساتوم”، الذراع النووي الروسي، كلاعب مهيمن. فالشركة التي لم تطلها العقوبات الغربية حتى الآن، تواصل التمدد على الخارطة الدولية، حيث تبني اليوم 26 مفاعلًا نوويًا من أصل 59 قيد الإنشاء حول العالم — أغلبها خارج الأراضي الروسية.
وبلغت عائداتها 18 مليار دولار العام الماضي، مقارنة بـ12 مليارًا في 2022، بزيادة مذهلة تصل إلى 50% خلال عامين فقط.
الأخطر أن روسيا لا تكتفي ببناء المفاعلات، بل تسعى إلى احتكار كل حلقة في سلسلة القيمة النووية، من تعدين اليورانيوم إلى تشغيل وإيقاف المفاعلات.
وإذا كانت النيجر قد فقدت بوصلتها الغربية، فإن فرنسا — القوة النووية السابقة في مستعمرتها — تخسر امتيازًا استراتيجياً كان يشكّل ركيزة لسياستها الطاقية.
أما الولايات المتحدة، فتعتمد بشكل خطير على واردات اليورانيوم من روسيا وكازاخستان وأوزبكستان، بنسبة تفوق 48% مجتمعة، ما يجعلها عرضة لضغوط جيوسياسية مستمرة.
هذا النفوذ الروسي ينسحب أيضًا على آسيا الوسطى، حيث تهيمن موسكو على إمدادات اليورانيوم بفضل قربها الجغرافي، وقوة نفوذها في كازاخستان وأوزبكستان — الدول التي تنتج مجتمعة حوالي نصف الإنتاج العالمي.
كما تسعى روسيا إلى تصدير نفوذها نحو جنوب شرق آسيا وأفريقيا، مستخدمة الطاقة النووية كأداة تفاوض دبلوماسية، وملاذ للدول الساعية للابتعاد عن هيمنة الغرب والصين.
لكن هذه الهيمنة ليست قدَرًا. أوروبا والولايات المتحدة بدأت تدرك حجم التحدي، وتسعى لإعادة التمركز في آسيا الوسطى، حيث لا تزال فرص العقود النووية مفتوحة. فدول مثل كازاخستان
وأوزبكستان تخطط لبناء مفاعلات جديدة، وتسعى لتنويع شركائها وتفادي الارتهان للنفوذ الروسي. وقد مثّل عام 2025 فرصة ذهبية لإعادة تشكيل التحالفات، خاصة بعد قمة الاتحاد الأوروبي وآسيا الوسطى الأخيرة التي أولت اهتمامًا بالغًا بقطاعي التعدين والطاقة.
الكرة الآن في ملعب الغرب. فإذا أرادت واشنطن وبروكسل استعادة حصصهما السوقية وكبح صعود روسيا النووي، فعليهما التحرك بسرعة، واستثمار مليارات حقيقية في الشراكة مع الدول المنتجة. فطالما بقيت موسكو المورّد الأكبر للطاقة النووية في العالم، فإنها ستبقى قادرة على تمويل حروبها، ومواصلة التحدي للنظام العالمي من دون إطلاق رصاصة واحدة.