تحديات السيادة الدوائية في المغرب..من الاكتفاء الذاتي إلى الطموحات الكبرى

تحديات السيادة الدوائية في المغرب..من الاكتفاء الذاتي إلى الطموحات الكبرى

رغم أن الحديث عن السيادة الدوائية في المغرب أصبح يتصدر النقاشات خلال الأزمات الصحية الكبرى، إلا أن جذور هذا التوجه تعود إلى سنة 1965، حين فرضت السلطات المغربية تصنيع جميع الأدوية المروّجة محليًا.

هذا القرار كان بمثابة حجر أساس لتوجه استراتيجي نحو الاكتفاء الذاتي في قطاع حيوي، تعزز خلال ثمانينات القرن الماضي في مواجهة تحديات صحية كبرى مثل داء السل، وفيات الرضع، والأمراض المنقولة عبر المياه.

وأكدت مجلة “جون أفريك” الفرنسية أن أزمة كوفيد-19 شكّلت اختبارًا فعليًا لهذا التوجه، حيث لم يشهد المغرب أي انقطاع في الأدوية الأساسية، في وقت عانت فيه دول أوروبية من اضطرابات في الإمدادات.

ورغم هذه الصلابة الظاهرية، أشار تقرير هيئة الصيادلة لسنة 2022 إلى هشاشة البنية الدوائية، مسلطًا الضوء على مشكلات ضريبية واختلالات في الميزان التجاري، إلى جانب غياب رؤية صناعية واضحة تعزز السيادة الدوائية.

واستعرضت المجلة محطة بارزة في هذا المسار، تمثلت في تطوير علاج مغربي لالتهاب الكبد “سي”، بعد أن استُبعد المغرب من رخص توزيع دواء “سوفوسبوفير” الأمريكي الفعال، الذي قُدّر سعره في الولايات المتحدة بـ100 ألف دولار. ورغم ذلك، خاض مختبر “فارما 5” المحلي مغامرة جريئة لتطوير بديل جنيس، مستفيدًا من عدم تسجيل براءة الاختراع في المغرب.

وفي أقل من عام، تم الترخيص للعقار المغربي، الذي طُرح في السوق بسعر لا يتجاوز 3 آلاف درهم، وتم إدراجه لاحقًا ضمن لائحة التعويضات الصحية وبدأت عملية تصديره إلى إفريقيا وروسيا.

لكن هذا الزخم لم يستمر على نفس الوتيرة. مشروع “سنسيو فارماتك” في بنسليمان، الذي أُطلق بشراكة مع المجموعة السويدية “ريسيفارم”، كان يعوّل عليه ليجعل المغرب مركزًا قارّيًا في إنتاج اللقاحات، بتغطية تصل إلى 70% من الطلب الوطني و60% من حاجيات إفريقيا.

إلا أن المشروع، رغم حصوله على دعم مالي ومؤسساتي قوي بقيادة تحالف بنكي كبير، واجه عراقيل على مستوى الحوكمة، تأخر في الحصول على التراخيص، وغياب لإنتاج المادة الفعالة، ما أدى إلى تباطؤ تنفيذه.

من جانب آخر، ما زالت الأدوية المستوردة تهيمن على لائحة الأدوية الأكثر تعويضًا في المملكة، وغالبًا ما تكون أسعارها مرتفعة مقارنة بأوروبا. على سبيل المثال، يباع دواء “جانوميت” بـ437 درهمًا في المغرب، مقابل 257 درهمًا فقط في فرنسا، ما يكلف ميزانية الدولة نحو 125 مليون درهم سنويًا. وقد انتقد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، هذه الفجوة، معتبرًا أن تحقيق هوامش ربح تتجاوز 300% أمر غير مقبول في السوق الوطنية.

وتبرز المجلة اختلالًا آخر في النظام الضريبي؛ إذ تهيمن الشركات متعددة الجنسيات على نحو 68% من مداخيل قطاع الأدوية، بينما لا تتجاوز مساهمتها الضريبية 2%، في حين تساهم المختبرات المحلية بنسبة 5% رغم حصتها المحدودة في السوق (31.6%).

وفي هذا السياق، شددت نائبة رئيس مختبر “فارما 5″، ميا لعلو فيلالي، على الفرق الجوهري بين الشركات العملاقة “بيغ فارما” والمختبرات الوطنية التي لا تحقق سوى هامش ربح صافٍ لا يتجاوز 7%. كما دعا المدير العام لمجموعة “كوبر فارما”، أيمن شيخ لعلو، إلى تبني سياسة عمومية داعمة للإنتاج المحلي وتشجع على تصنيع الأدوية الجنيسة.

وختمت “جون أفريك” تقريرها بالتنبيه إلى أن غياب قيادة استراتيجية واضحة قد يحول دون تحويل قطاع الأدوية في المغرب إلى رافعة صناعية وتنموية حقيقية، رغم ما يزخر به من طاقات وإمكانات.