اختراق بوابات مؤسسات عمومية يعري فشل سياسات الأمن السيبراني في المغرب

أعاد الهجوم السيبراني الأخير، الذي استهدف عددًا من بوابات المؤسسات العمومية بالمغرب، الجدل إلى الواجهة حول نجاعة السياسات الرقمية الوطنية، وكفاءة تدبير الموارد المخصصة للأمن السيبراني، في ظل تصاعد المخاطر المرتبطة بالفضاء الرقمي وسيادة المعطيات الحساسة.
ففي وقت تتبنى فيه الحكومة خطابًا طموحًا حول التحول الرقمي، و”المغرب الرقمي” كرافعة للتنمية، يكشف الواقع الميداني عن اختلالات بنيوية في الحماية الإلكترونية للمرافق العمومية، ما يعرض البلاد إلى تهديدات متكررة تمس المعطيات الشخصية، والأنظمة المعلوماتية التي تشكل العمود الفقري للإدارة الحديثة.
ويجد هذا التراجع صداه في الانتقادات التي وُجّهت إلى وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، وهي الوزارة التي أحدثت عام 2021 ضمن تصور جديد لرقمنة المرفق العمومي، وأسندت إلى غيثة مزور، التي قُدمت آنذاك كخبيرة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
إلا أن سلسلة من الاختراقات، وضعف تدبير الملفات الرقمية الحساسة، فضحت محدودية الأثر الواقعي لسياسات الوزارة، وأثارت تساؤلات حول جدوى الصفقات المبرمة، ومدى فعالية الاستثمار العمومي في هذا القطاع الحيوي.
وبحسب معطيات مشروع قانون المالية لسنة 2024، تبلغ الميزانية الاستثمارية المخصصة للوزارة ما يقارب 1.758 مليار درهم، تضاف إليها 187.8 مليون درهم في باب المعدات والنفقات المختلفة، فضلاً عن 85.8 مليون درهم كمصاريف للموظفين.
ورغم ضخامة هذه الأرقام، فإن الحصيلة على مستوى التحصين الرقمي للمؤسسات العمومية تظل متواضعة، إن لم تكن شبه منعدمة في بعض القطاعات.
ويرى خبراء في الحوكمة الرقمية أن هذا الخلل يعكس غياب رؤية استراتيجية متكاملة، ترتكز على بناء قدرات وطنية في مجال الأمن السيبراني، بدل الاعتماد المفرط على صفقات خارجية لا تضمن الاستدامة، ولا تواكب تطور التهديدات الرقمية المتزايدة.
كما يدعو هؤلاء إلى إعادة تقييم أولويات الاستثمار العمومي في المجال الرقمي، وتركيز الجهود على التكوين، وتحديث البنى التحتية المعلوماتية، وتعزيز التنسيق بين المؤسسات الأمنية والتقنية، للوقوف سداً منيعاً أمام محاولات الاختراق، خاصة في سياق إقليمي ودولي يشهد توتراً سيبرانياً متصاعداً.
في المجمل، أعاد هذا الاختراق المؤلم طرح سؤال محوري: هل يستفيد المغرب فعلاً من أمواله الرقمية، أم أن جزءاً كبيراً منها يضيع في بيروقراطية ووعود غير مُحصنة؟ الجواب، وفق مراقبين، يمر عبر مراجعة شاملة لسياسات الرقمنة، بمنظور أمن رقمي صارم وشامل.