د. عبده منصور المحمودي: الرمزية والتكثيف السردي: “صنعاء الصغيرة.. صنعاء الكبيرة” رواية للكاتب حميد عقبي

 د. عبده منصور المحمودي: الرمزية والتكثيف السردي: “صنعاء الصغيرة.. صنعاء الكبيرة” رواية للكاتب حميد عقبي

 

 

 د. عبده منصور المحمودي
ينتمي هذا العمل الروائي للكاتب اليمني حميد عقبى “صنعاء الصغيرة.. صنعاء الكبيرة”، إلى رواية “النوفيلا”. ومن أهم الخصائص الفنية لهذا النسق من الكتابة الروائية: التكثيف والاختزال، واللقطة السردية الموحية، والأحداث المتسارعة المتداخلة.تزخر الرواية بعدد كبير من الأحداث المتسارعة المتشابكة، بما هي عليه من سياقات سردية متنوعة، استوعبت الحرب وتداعيات الصراع، وما يترتب على ذلك من آثار سلبية في الحياة العامة والنسيج الاجتماعي، لا سيما ما يتعرض له هذا النسيج من تمزق وشتات.
لقد اتخذ العمل من تقنية الرمزية ــ وما يرتبط بها من إمكانات فنية ــ آليةً لاشتغاله السردي، فاستطاع من خلالها إثراء مضامينه وتخصيبها. كما تمكّن ــ في الآن نفسه ــ من فتْح البنية السردية الدلالية والإحالية على فضاءات متعددة. منها ما استمد مضامينه من الحياة الواقعية، ومنها ما قام على نسقٍ من السردية الفانتازية. وبمزيج من تسريد الواقع والفانتازيا، تعاطى العمل مع مدينة “صنعاء”، في نسقيها: (صنعاء الكبيرة/ صنعاء الصغيرة).
يحيل اسم “صنعاء الصغيرة”، على إحدى الفتيات الصغيرات اللواتي قذفت بهن أتون الصراع إلى التشرد. ومن خلال أحوال هذه الفتاة، تجلّت مأساة صنعاء واليمن بوجه عام، بما هي عليه من تفاصيل كارثية، تشكّلت أبعادها بالحرب والصراع والتمزق المستشري في البُنية الاجتماعية.
ويظهر نوع من التكثيف السردي، الذي استوعب العملُ ــ من خلاله ــ المشكلات الصحية التي تخلفها الحرب، وتتناسل من بؤر الصراع، إذ تنتشر الأوبئة بشكل مخيف ومرعب، بل يحلّق الخيال السردي والفنتازيا بأجنحة رمزية إلى فضاء من التصوير المرعب للفيروسات والأوبئة. لا سيما ما يتصل من هذا التصوير السردي (الرمزي/ والفانتازي) باستحضار التاريخ القديم، من خلال توظيف أسطورة “الفأر”، التي تشير إلى أن انفجار سد مأرب لم يكن المتسبب فيه سوى فأر.
وقد اتخذ السياق السردي من الفأر ــ بأبعاده الأسطورية ــ نسقًا رمزيًّا إلى كل ما يتسبب في دمار الوطن والنيل من مقدراته. كما عمل على تسريد نوع من التجانس، بين هذا النسق (نسق الفأر) وأنساق رمزية أخرى، تقوم جميعها على توظيف الحشرات والزواحف والقوارض والثعابين، في استيعاب الإحالة على كل ما يفضي إلى كارثة تدميرية متعددة العوامل والتداعيات.
كما أن من أبرز المضامين السردية في هذا العمل، حال الفقر، التي حظيت بمساحة سردية كبيرة، لا سيما في تضفيرها بفاعلية الحرب والصراع في الوصول إليها، حد أن تفضي إلى مأساة الإقدام على التحرر من الحياة، لا التحرّر من الفقر وعوامله وأسبابه.
لقد استأنس هذا العمل بالرمزية والفانتازيا في تسريد مضامينه، كما كان مستندًا إلى واقعٍ معيشٍ، منهك بالحروب والصراعات، فاستوعبت السياقات السردية كثيرًا من تفاصيل الحياة اليمنية المعاصرة، التي تجلّت ــ في هذا العمل ــ واقعًا مثخنًا بالبؤس والمعاناة والفقر والمرض.
رواية صنعاء الصغيرة..صنعاء الكبيرة ، تصدر عن دار دان للنشر والتوزيع في القاهرة وهي الرواية السابعة عشرة للكاتب اليمني حميد عقبي .

أستاذ النقد والأدب الحديث المساعد في جامعة عدن ــ اليمن