الحرب لم تبدأ اليوم… الكيان الصهيوني يعاني منذ أن تسللت إيران إلى عمق نظامه الأمني.

الحرب لم تبدأ اليوم… الكيان الصهيوني يعاني منذ أن تسللت إيران إلى عمق نظامه الأمني.

 

 

نجاح محمد علي

ليس صحيحًا أن الحرب بين الجمهورية الإسلامية والكيان الصهيوني بدأت فجأة مع الهجوم الأخير على طهران. الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، وأعمق بكثير. الحرب بدأت فعليًا يوم 7 أكتوبر 2023، يوم زلزل  “طوفان الأقصى” هيبة العدو الصهيوني، وكشف عجز جيشه، وأسقط أسطورة أمنه.
منذ ذلك اليوم، ونحن نعيش في قلب معركة متعددة الجبهات: معركة ميدانية، معركة سيبرانية، معركة معلومات، ومعركة وعي. لكنها أيضًا معركة لا يريد البعض في الداخل أن يعترف بها. البعض يُصرّ على العيش في وهم الحياد، وكأنّ العدو يفرّق بين غزة وطهران، أو بين القدس والأهواز.
ما لم يُفهم بعد: نحن في قلب الحرب منذ أكثر من 600 يوم ما جرى في طهران من اغتيال قادة وعلماء، ليس بداية، بل هو حلقة في سلسلة. هو نتيجة، لا سبب. هو ردّ فعل مذعور من عدوّ تلقى ضربات موجعة على صعيد الأمن والمعلومات والهيبة العسكرية.
نعم، الجمهورية الإسلامية تمكنت خلال الأشهر الماضية من تنفيذ اختراقات استخباراتية تأريخية، لم يسبق لها مثيل. آلاف الوثائق الأمنية السرّية التي كانت حبيسة خزائن الكيان الصهيوني، أصبحت اليوم في قبضة المقاومة ومحورها.
الكيان اليوم لا يعرف بالضبط ماذا تعرف إيران، ولا كم وثيقة تمت مصادرتها، ولا ما إذا كانت “عقارب الساعة” بدأت تقترب من إعلان الصدمة الكبرى.
ضربات المقاومة ما عادت تقتصر على الصواريخ المقاومة اليوم لا تحارب فقط بالصواريخ والطائرات المسيّرة، بل بما هو أخطر: المعلومة، الاختراق، نشر الذعر داخل عقل العدو.
الكيان الصهيوني يعرف أنه بات عاريًا أمام محور المقاومة. يعرف أن قادته وقواعده ومنشآته مرصودة، وأن أي حركة غبية، قد تعني تسرّب المزيد من الوثائق الكارثية.
هو لا يخشى الرد العسكري فقط، بل يخشى من انفجار فضيحة أمنية في الداخل تُسقط آخر أوراقه أمام شعبه.

 

الهجوم على طهران: رسالة ضعف لا قوة

الهجوم الأخير على العاصمة الإيرانية ومدن أخرى لم يكن دليلاً على قوة الكيان، بل على ارتباكه العميق، وخوفه من القادم. هو هجوم انتقامي جبان، يريد من خلاله العدو أن يستعيد شيئًا من “صورة الردع” التي تحطمت في غزة.
لكن كل من يعرف طبيعة هذه المعركة، يدرك أن الكيان نفسه هو الذي فقد القدرة على الردّ الحقيقي، لذا لجأ إلى القتل الانتقائي، بعدما فشل في مواجهة المقاومة في كل الجبهات.

الخطر الحقيقي ليس في الهجوم، بل في الرواية التي تليه

هنا بيت القصيد: العدو لا يكتفي بالهجوم العسكري، بل يُطلق بعده هجوماً إعلامياً ونفسياً لا يقل خطورة.
وهنا يأتي دور الطابور الخامس، من “المحللين”، و”الخبراء”، و”الحياديين” الذين يروجون رواية العدو، سواء بقصد أو بجهل.
هم يقولون: “لماذا نحن مع فلسطين؟”
“لماذا لا نهتم بشؤوننا الداخلية؟”
“هل نستحق هذا بسبب موقفنا؟”
هذه ليست أسئلة بريئة، بل أسلحة نفسية مصوّبة إلى قلب الأمة.

الوحدة 8200.. العدو يزرع جنوده في إعلامنا

الوحدة 8200 في جيش الاحتلال الصهيوني هي المسؤولة عن الحرب النفسية، عمليات التضليل، التجسس الإلكتروني، وتفكيك المجتمعات من الداخل.
اليوم، لا حاجة لها لاختراق مواقعنا، لأنها زرعت أدواتها داخل إعلامنا وصفحاتنا ومجالسنا.
هم يتحدثون بلهجة ناعمة، وبلغة تحليلية، ويزعمون أن لديهم “معلومات دقيقة” عن نوايا العدو!
من أين لهم هذه المعلومات؟
هل يتلقون الوحي؟
أم أنهم جزء من شبكة متكاملة تهدف إلى تهيئة الوعي للهزيمة قبل أن تقع؟

في معركة اليوم، لا مكان للحياد

إما أن تكون مع فلسطين، أو مع الصهيونية.
إما في صف الشهداء، أو في خندق الخونة.
لا يمكن تبرير العدوان، لا يمكن الوقوف في المنتصف. كل من يروّج أن “إيران دفعت الثمن بسبب موقفها من فلسطين” يشرعن العدوان، ويمنح العدو تفويضاً باستمرار القتل.
الشهيد في إيران لا يسقط لأنه إيراني، بل لأنه وقف مع المظلوم، ودفع ثمن شرفه.
كل قطرة دم نزفت، هي صرخة في وجه مشاريع التطبيع، وصفعة في وجه كل من يظن أن فلسطين عبء.

الإعلام المقاوم… ضرورة وجود لا ترف فكري

ما نحتاجه اليوم هو إعلام صريح، شجاع، تعبوي، لا يعرف المجاملة، ولا يختبئ خلف “الموضوعية الباردة”.
الموضوعية الحقيقية هي أن تقول للعدو: أنت القاتل.
أن تقول لأدواته: أنتم الخونة.
أن تقول لشهدائنا: أنتم الجبهة الأولى.

علينا تحصين الرأي العام، فضح أدوات الحرب النفسية، وتحصين الوعي الجمعي من السقوط في رواية العدو.
هذا هو جهاد التبيين الذي نادى به الإمام الخامنئي، استكمالاً لنهج الإمام الخميني.

نختم من حيث يجب أن نبدأ: هذه حرب وجود

نعم، إنها حرب وجود، لا حرب حدود.
وجود المقاومة، وجود الإسلام، وجود فلسطين، ووجود الكرامة.
ومن لا يرى هذا اليوم، قد يستفيق ذات صباح وقد مُسحت خارطة القدس من الوعي.
لكننا لا ننتظر الفجر لنعرف، نحن نُبصر النور في ظلمة العدوان، ونقف.
سنقف، ونرد، ونحمي إرث الشهداء.

هذا هو زمن الوضوح.
الحياد خيانة.
والتردد موت بطيء.
إما أن نكون في صف فلسطين… أو لا نكون.
كاتب مختص بالشأن  الايراني