محمد الرصافي المقداد: هل نحن في عصر شعوب حرة وحكومات غير فعالة؟

محمد الرصافي المقداد: هل نحن في عصر شعوب حرة وحكومات غير فعالة؟

محمد الرصافي المقداد
فيما عبّر أحرار الغرب من مختلف بلدانه، بالتظاهر ضد سياسات حكوماتهم الداعمة لإسرائيل، والداعمة لها بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر، حتى تلك المحرّمة دوليا منها، بعدما استفزهم صمتها المُريب، إزاء ما يجري من أعمال إبادة لأهل قطاع غزّة، لم يشهد لها العالم مثيلا في الوحشية، بل إن فيهم من يبرر تلك الاعمال الاجرامية على أنّها تأتي دفاعا عن النفس، وأنّ المستهدفين من طرف القوات الصهيونية، يشكلون خطرا على وجود كيانهم على أرض فلسطين.
جاء القرار الشعبي من شمال افريقيا من تونس والجزائر للتعبير بقوة على رفض ما يتعرض له الفلسطينيون في غزة من تقتيل وتجويع وحصار ودمار، فأعلنت فتح باب التطوع لمن يرغب بالمشاركة في قافلة الصمود، وغايتها كسر الحصار عن قطاع غزة، ثم انطلقت القافلة يوم الاثنين 9/6/2025 برتل 18 حافلة و100 سيارة وعدد 1700 مشارك(1)
لم يكن كيان الاحتلال بمعزل عما يجري، وكان يأمل فشل القافلة في اجتياز ليبيا تأمّلا في الوضع الأمني الطارئ فيها، فكانت الهبّة الجماهيرية الليبية غربا وشرقا مؤشرا أفزعه ما دفع وزير دفاع (يسرائيل كاتس) الى طلب منع دخول القافلة الى الأراضي المصرية، جاء ذلك في بيان قال فيه: أتوقع من السلطات المصرية أن تمنع وصولهم إلى الحدود المصرية الإسرائيلية وألا تسمح لهم بالقيام باستفزازات أو محاولة دخول غزة، وهي خطوة من شأنها أن تعرض سلامة الجنود (الإسرائيليين) للخطر ولن يُسمح بها”(2)
أما من جانب الحكومة المصرية فقد جاء التماسا للإجراءات القانونية المتعامل بها حيث أكدت وزارة الخارجية المصرية أنه لا بد من الحصول على موافقات مسبقة لإتمام الزيارات لأراضيها، وذلك ردا على الطلبات والاستفسارات المتعلقة بزيارة وفود أجنبية للمنطقة الحدودية المحاذية لغزة (مدينة العريش ومعبر رفح) خلال الفترة الأخيرة، وفق تعبيرها وبالتزامن مع انطلاق قافلة الصمود المغاربية نحو معبر رفح الحدودي مع غزّة المحاصرة.  وأكّدت في بيان لها مساء الأربعاء، أهمية التزام مواطني كافة الدّول بالقوانين والقواعد المنظمة للدخول إلى الأراضي المصرية، بما في ذلك الحصول على التأشيرات أو التصاريح المسبقة والمنظمة لذلك.(2)
وعلى ارض الواقع وقبل أن تصل القافلة برا إلى الحدود المصرية ومعبر ( السلوم) بدأت السلطات المصرية باتخاذ إجراءات منع بالنسبة الى الوافدين اليها من مطار القاهرة، فقد صرحت وكشفت المحامية الجزائرية فتيحة رويبي، عن احتجاز ثلاثة محامين جزائريين في مطار القاهرة الدولي، خططوا للمشاركة في القافلة الإنسانية. وقالت رويبي، في منشور لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إن السلطات المصرية أقدمت على احتجاز زملائها المحامين مصطفاوي سمير، ومحمد عاطف بريكي، وعباس عبد النور، حوالي الساعة الخامسة مساءً بتوقيت الجزائر، وذلك برفقة نحو 37 شخصاً من المشاركين في القافلة. وأكدت أن عملية الاحتجاز جاءت دون أي مبرر قانوني واضح، مشيرة إلى أنه تم سحب هواتفهم ووثائقهم الرسمية، في خطوة وصفتها بأنها انتهاك صارخ لحقوق الإنسان وحرية التنقل وكرامة المواطن الجزائري، خاصة حين يتعلق الأمر بمحامين يمثلون بلادهم في إطار مهني أو حقوقي.
وأوضحت المحامية فتيحة رويبي بعد ذلك لـ “العربي الجديد”، “أنه جرى التحقيق مع المحاميين الثلاثة، وسيتم إرجاعهم إلى البلد رفقة مواطنين آخرين اتضح أنهم جميعا جزائريين، دون أن نعلم متى سيتم ترحيلهم”، مشيرة بالقول: “إلى حدود هذه اللحظة، لا توجد توضيحات رسمية من السلطات المصرية، ما يجعل هذا التوقيف يثير الكثير من التساؤلات، خاصة وأن المشاركين في القافلة لم يكونوا يحملون أي أجندة سياسية أو تنظيمية، بل تحركوا بدافع إنساني وتضامني خالص”.
وأضافت: “وفق ما تأكدنا منه، فإن السلطات المصرية لم تكن طرفًا في أي تنسيق رسمي مع منظمي القافلة، وهو ما قد يفسر الإجراءات التي وُوجه بها الوافدون عبر مطار القاهرة. وذكر نفس المصدر أن السلطات المصرية قامت بإعادة عدد من النشطاء، كانوا قد وصلوا أمس إلى القاهرة، وسمح لهم بالدخول، صباح اليوم من الفنادق التي يقيمون فيها إلى المطار بنية ترحيلهم (3).
ويبدو أن السلطات المصرية قد وقعت في مأزق لا يمكنها فيه أن تبرر ما أقدمت عليه من إجراءات غير ودّية مع الوافدين اليها من مطار القاهرة، وقامت السلطات الأمنية بالتعامل معهم واحتجازهم، على أساس أنهم أشخاص غير مرغوب في دخولهم الأراضي المصرية، تجب اعادتهم من حيث أتوا، فيما سيكون الأمر مختلفا على الحدود البرية، حيث سيكون تعامل الأمن المصري مع القافلة أكثر قوة في صورة ما إذا حاول النشطاء الدخول دون إذن، كما تجري عليه تراتيب الدخول من البوابة البرية.
فهل سيقبل الشعب المصري أن يكون نظامه بهذه الحالة من الانسلاخ من التزاماته الشرعية والإنسانية تجاه اخوته في غزة، وهم يواجهون القتل والجوع وتردّي المعيشة الى الصفر؟ أم ان له موقف آخر سيظهر من خلال مواقف أحراره؟ القافلة ستقف عند معبر السلوم حسب ما يبدو، دون وصولها الى معبر رفح، وهذا أمر يبدو منتظرا، فمن منع القادمين للمشاركة في القافلة من مطار القاهرة من الدخول، سيصدر منه نفس الموقف برّا، لتبقى الشعوب العربية محكومة بأنظمة لم تقدّم شيئا لفلسطين ولا للقطاع المنكوب، سوى التنديد الذي لا قيمة له عمليا، ولا يؤبه حتى لقائليه ويحسب له أعداء فلسطين حسابا.
لقد تعرّت الأنظمة بسياسييها وهياكلها الأمنية والعسكرية، وبرهنت عن نفاق لا علاج لهم منه سوى بإسقاطها، وما القافلة التي انطلقت من تونس، الا تعبير من تعابير عدم الرضا بسياسات دول تدعي كذبا وزورا أنها مع فلسطين، لكنها عمليا أبعد ما تكون عنها وعن محنة شعبها، وأقول ايتها الشعوب المغلوبة على أمرها أفيقوا من سباتكم، وتحرّكوا باتجاه قضاياكم المصيرية وأهمّها الحرية، فما زلنا نعيش تحت تأثير فقدها، لن يتحقق ذلك، إلا أحسنوا اختيار من سيقود القافلة، ففي ذلك صلاح الحال وتحقيق الإرادة، فان لم تفعلوا شيئا من ذلك، فيا خيبة المسعى.

المراجع
1 – وزير الدفاع الإسرائيلي يطالب مصر بمنع مرور قافلة ‘الصمود’
https://www.mosaiquefm.net/ar/
2– بيان الخارجية المصرية حول قافلة الصمود
https://www.jawharafm.net/ar/article/105/277191
3 – قافلة “الصمود المغاربية” على حدود مصر: ترحيب شعبي وحذر رسمي
https://www.alaraby.co.uk/politics/