ضياء إسكندر: الصفعة التي لم تفاجئ أحداً.. عندما يتعرض الكبرياء الإيراني للضربة في الفجر

ضياء اسكندر
لم يكن فجر يوم الجمعة عادياً في المنطقة، ففي ظل التهديدات المتصاعدة والتصريحات المتطايرة والحشود المستنفرة، أُسدلت الستارة أخيراً عن الضربة التي كان الكل بانتظارها… الضربة التي لم تفاجئ أحداً، لكن ارتداداتها قد تهز الشرق الأوسط كله.
إسرائيل قصفت، وإيران تنزف، والعالم يتفرج على مشهد مألوف يتكرر، لكن هذه المرة على مستوى غير مسبوق من التصعيد.
منذ أيام، لم تغب التهديدات الإسرائيلية لطهران عن واجهات الإعلام العالمي، وخاصة تلك التي تلوّح بضربة محتملة تستهدف البرنامج النووي الإيراني.
لم تكن هذه التهديدات كلاماً في الهواء، فالمؤشرات على الأرض كانت أكثر وضوحاً من أن تُتجاهل؛ الولايات المتحدة تسحب موظفيها من دول الجوار، ودبلوماسيون يغادرون، وقواعد أمريكية تُرفع فيها درجات الاستنفار.
حتى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي لا يكتفي غالباً بدور المتابع، صرّح بأن إسرائيل قد توجّه ضربة قريبة لإيران. وبالفعل، جاء فجر الجمعة ليحمل معه عاصفة من النار.
في عملية حملت اسم “الأسد الصاعد”، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 300 غارة جوية استهدفت منشآت ومواقع استراتيجية داخل العمق الإيراني، شملت مفاعل نطنز النووي، وبعض مصانع الصواريخ، وأماكن وُصفت بأنها مراكز قرار عسكرية. وسقط في هذه العملية أسماء ثقيلة؛ اللواء حسين سلامي، والقائد العام للحرس الثوري الإيراني، ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء محمد باقري، وقائد مقر خاتم الأنبياء اللواء غلام علي رشيد، بالإضافة إلى العالمين النوويين محمد مهدي طهرانجي وفريدون عباسي، وعدد من المدنيين الأبرياء.
الرسالة كانت واضحة: تل أبيب لا تنتظر إذناً ولا تخشى ردود الفعل.
لكن خلف الضجيج العسكري، هناك أبعاد سياسية لا تقل خطورة. الضربة تأتي في وقت كانت فيه المفاوضات بين واشنطن وطهران تشهد تحركات باردة لكنها قائمة. يرى بعض المحللين أن ما فعلته إسرائيل لم يكن فقط لضرب البرنامج النووي، بل لنسف أي محاولة أمريكية لإعادة التفاهم مع إيران – مفاوضات لم تُعلم بها إسرائيل، وهو ما فُسّر كصفعة غير مباشرة لحليفتها القديمة.
الأمر لا يقف عند إيران، فقد رصد المراقبون مؤشرات أخرى على فتور العلاقة بين واشنطن وتل أبيب؛ إذ إن هناك لقاءات أمريكية مع “حماس” و”أنصار الله” بعيداً عن أعين إسرائيل، وزيارات خليجية لترامب لم تشمل تل أبيب، وكأن العالم يعيد ترتيب أوراقه في غفلة من الحليف المدلّل.
ولم يكن هذا السيناريو بغريب عمّن تابع تطورات المشهد منذ السابع من تشرين الأول 2023، حين اندلعت عملية “طوفان الأقصى”.
حينها، كتبنا – وقلنا بوضوح – إن المطلوب كان ضربة جماعية منسّقة من جميع أطراف محور المقاومة، لا أن يُترك كل طرف ليقاتل بمفرده.
حزب الله، بما يملكه من ترسانة صاروخية تُقدّر بأكثر من 150 ألف صاروخ، كان يمكن أن يلعب دور الردع الأكبر، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن، وحتى إيران، جميعهم كانوا في حالة جاهزية، باستثناء سوريا، التي اختارت النأي بالنفس.
لو تحرّك هذا المحور في وقت واحد، بهجوم شامل يضرب البنية التحتية الحيوية والعسكرية لإسرائيل من مطارات وموانئ ومحطات طاقة، لكان المشهد اليوم مختلفاً تماماً.
لكن بدلاً من ذلك، جرى الاكتفاء بخطابات الحماسة وتغريدات الغضب، حتى وقعت الواقعة.
وقد اتُّهِمنا آنذاك، نحن الذين دعونا لتنسيق الهجوم، بالتطرف، بل و”باليسارية الطفولية” التي – بحسب البعض – تخدم الصهيونية والإمبريالية! لكن ها هي الأحداث تؤكد أن الفرصة ضاعت، وأن ردود الفعل المتأخرة، مهما كانت مؤلمة، لا تغيّر قواعد اللعبة.
الآن، وعلى الرغم من جسامة الخسائر، لا يبدو أن إيران ستقف مكتوفة اليد. هي تملك أوراقاً كثيرة، من حلفائها إلى صواريخها، من ساحات قريبة إلى أدوات ناعمة وخشنة. والعدوان لم يتوقف بعد، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الرد – حين يأتي – سيكون في سياق إقليمي مختلف؛ حزب الله أنهكته المعارك، وسوريا خرجت من “المحور” منحازة لخصوم إيران، والمقاومة الفلسطينية تترنح بين الحصار والانقسام.
إن ضُربت إيران اليوم، فقد ضُربت وحيدة، وإن تأخّر ردّها، فلن يكون بسبب الضعف، بل بسبب الحسابات المعقدة التي تحكم المشهد.
أما إسرائيل، فربما ربحت معركة، لكنها لم تربح الحرب بعد، والشرق الأوسط – كما علّمنا تاريخه – لا يعرف الهدوء طويلاً… فهل تكون هذه الضربة بداية لانفجار أكبر؟ أم أنها مجرّد جولة في صراع لا نهاية له؟
الزمن وحده كفيل بالإجابة.
كاتب سوري