توخَّ الحذر، يا إيران!

د. كمال ميرزا
الساعة الآن الرابعة فجراً، حوّل المحطّة على قناة الجزيرة، ستجد أنّ الشاشة مُقسّمة إلى أربعة أقسام تبث مقاطع مسجّلة وحيّة موزّعة بين الداخل الإيرانيّ والداخل الصهيونيّ.
للحظة ستشعر بنشوة وحبور وأنت ترى مشاهد الدمار في “تل أبيب”، وبصراحة، مَن منّا لا يُسر أن يرى “تل أبيب” تُقصف، ومَن منّا لن يحمد الله أنّه قد أتاح له رؤية “تل أبيب” تتعرض لمثل هذا الدمار والرعب والإذلال ولو لمرّة واحدة في العمر.. وبعدها فليحدث ما يحدث؟!
ولكن ما هي إلّا لحظات وتذهب السكرة وتأتي الفكرة، وتسأل نفسك: ما الذي أراه فعليّاً على الشاشة؟!
ها هما إيران والكيان الصهيونيّ يتبادلان القصف والتصعيد، وها هما يتبادلان “الركلات الترجيحيّة” على حدّ تعبير أحد الأصدقاء، وها هما يكشفان تباعاً أوراق بعضهما البعض، ويستنزفان تدريجيّاً قدراتهما وترسانتهما وجبهة كلّ منهما الداخليّة!
هل سبق وأن رأينا مثل هذا السيناريو من قبل؟!
نعم، كثيراً!
وماذا سيحدث تالياً؟!
سيأتي “القاشوش” الأمريكي ويضرب ضربته القاصمة بعد أن تكون جميع الأطراف قد أضعفت بعضها البعض، و”نهنهت” بعضها البعض (باللهجة المصريّة دغدغت).. سواء من خلال تدخّل عسكريّ مباشر، أو من خلال خونة وعملاء في الداخل، و”مرتزقة” و”ثوّار” و”مجاهدين في الخارج، سبق لأمريكا وأن جنّدتهم ونظمتهم ودرّبتهم، وهم حاليّاً جاهزون وعلى أهبة الاستعداد ينتظرون فقط الإيعاز وساعة الصفر!
هذا ما فعلته أمريكا في الحرب العالمية الثانية حين تركت أعداها وحلفائها على حدّ سواء يموجون في بعضهم البعض، ويُجهزون على بعضهم البعض، ثمّ أتت هي في الثواني الأخيرة والهزيع الأخير و”قشّت” الليلة وخرجت المنتصر الأكبر من الحرب وتسيّدت العالم!
وهذا هو السيناريو الذي طبّقته أمريكا غير مرّة منذ ذلك التاريخ ولغاية الآن.
وهذا الأسلوب هو “الماركة المسجّلة” لفوضى أمريكا الخلّاقة بحربها على الإرهاب، وربيعها العربيّ، وصفقة قرنها، وشرق أوسطها الجديد.
وهنا، حتى يستقيم الفهم ويتّضح منطق هذا الكلام، لا بدّ لنا أن نذكّر أنفسنا ببعض الثوابت التي نميل دائماً إلى نسيانها والتغافل عنها بسبب انجرافنا وراء التفاصيل ومجريات الأحداث:
أولاً: الكيان الصهيونيّ هو قاعدة متقدّمة أوجدها المشروع الإمبرياليّ الرأسماليّ الغربيّ، والذي تتزعّمه أمريكا حاليّاً، من أجل خدمة مصالحه في المنطقة، وترسيخ وإعادة إنتاج حالة الهيمنة والتبعيّة والاستلاب. أي أنّ الكيان الصهيونيّ هو مجرد “أداة”.
ثانيّاً: الحرب التي يخوضها الكيان الصهيونيّ منذ السابع من أكتوبر 2023 ولغاية الآن هي فعليّاً حرب بالوكالة يخوضها لحساب أمريكا، بكون أمريكا هي الطرف الوحيد الذي يمتلك منذ اليوم الأول القدرة على وقف هذه الحرب فوراً لو أرادت ذلك، وبكون الكيان لم يكن ليستطيع الاستمرار لأسبوع واحد، والقيام بما قام به لغاية الآن (بما في ذلك ضرب إيران) لولا الدعم والتسليح والتمويل والغطاء الأمريكيّ.
ثالثاً: رئيس الوزراء الصهيونيّ “بينيامين نتنياهو” وعصابة حربه ويمينه المتطرّف هم كلاب في مهمّة، وقد حُرقت ورقتهم بالفعل، ولن يكون لهم مكان في المستقبل أيّاً كانت المآلات والنتائج، وما استمرار الدعم الأمريكيّ والغربيّ لهم إلّا من قبيل استنفاد هذه الورقة المحروقة، ومحاولة الاستفادة منها إلى أقصى مدى ممكن قبل أن تبطل صلاحيّتها نهائيّاً.
في ضوء ما تقدّم، فإنّ إيران، وفي غمرة ردّها الذي لا بدّ منه على الكيان الصهيونيّ، عليها ألّا تنسى أنّ الخطر الحقيقيّ الذي يتهدّدها ويجب أن تخشاه وتحذره وتحترز منه ليس خطر الكيان، بل هو الخطر الأمريكيّ قولاً واحداً.
ومرّة أخرى، الدرس التاريخيّ الذي يُفترض أن إيران قد تعلمته من تجارب الآخرين هو أنّ خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، طالما أنّك ما تزال تمتلك القدرة على الهجوم، وقبل أن تقع “الفاس بالراس” وتفقد قدرتك على الهجوم.
ليس فقط الكيان الصهيونيّ نمر من ورق جعله خوف وتخاذل وتواطؤ الأنظمة العربيّة والإسلاميّة مفترساً، بل الوجود الأمريكيّ والردع الأمريكيّ في المنطقة هو أيضاً نمر من ورق، وكذبة قد آن الأوان لقطع دابرها بعد أن قام إخوان الصدق اليمنيّون بفضحها بالدليل العمليّ وعلى رؤوس الاشهاد، وهذه هي النقطة التي يجب أن تعوّل عليها إيران وتعقد رهانها قبل أن تبلغ الأمور نقطة “اللاعودة”، ولكي تضمن أن تسحب الجميع معها وتجعلهم يدفعون أفدح الأثمان في حال تعدّت الأمور فعليّاً نقطة اللاعودة!
كاتب اردني