صراع يتوقع أن يُعيد رسم خريطة المنطقة: هل ستتدخل طهران؟

صراع يتوقع أن يُعيد رسم خريطة المنطقة: هل ستتدخل طهران؟

الدكتورة حسناء نصر الحسين
إسرائيل كلمة أرادت لها القوى العظمى التي كانت مسيطرة منذ عام ١٩٤٨ أن تكون كلمة مفتاحية لنسج فصول  استعمارية استمرت لعقود في منطقة الشرق الأوسط من بوابة فلسطين  ولعل هذه القوى الدولية منذ ذاك التاريخ حتى يومنا هذا تعمل جاهدة على كتابة  فصول جديدة للوصول إلى تحقيق مشروع استعماري يحمل اسم الشرق الأوسط الجديد تكون فيه إسرائيل صاحبة اليد الطولا وسيدة الكلمة والمسيطرة فيها .
من هنا كان المشروع البريطاني اولا ومن ثم بريطاني أمريكي لصياغة وصناعة دولة مفتاحية لهذه المنطقة التي لم تعرف الهدوء والاستقرار منذ عقود على حساب شعوبها ومقدراتهم.
واليوم تستكمل الدول الاستعمارية عدوانها على منطقتنا من خلال العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهذا الاستهداف الذي شرعنت له الدول الكبرى مسوغاته المتمثلة واتهاماته المتمثل بالنووي الايراني ضاربين بعرض الحائط المفاوضات الدبلوماسية الجارية بين أمريكا وايران بجولاتها الستة .
وهنا من الضروري أن نوسع دائرة الرؤية لناحية الأهداف الإسرائيلية البعيدة المدى وليست المعلن عنها اسرائيليا وغربيا لناحية منع ايران من امتلاك السلاح النووي وتدمير الصواريخ البالستية لإيران،  بل لناحية مشروع كبير يتمثل بإعادة رسم الخرائط في منطقة مزقتها الحروب والنزاعات واصبحت أضعف من أن تجابه هذه المشاريع وإفشالها .
لتأتي عملية الاعتداء الاسرائيلي على ايران لتكون إحدى اهم محطات تنفيذ مشروع تفتيت مناطق الدول الشرق اوسطية وتقسيمها إلى دويلات لإضعافها لتبقى إسرائيل بما تحتله من جغرافية في الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية وتعمل جاهدة لتوسيعها أكبر من بقية الدول التي تريد تقسيمها ، وأكثر تفوقا اقتصاديا وامنيا وعسكريا من جميع هذه الدول بل تكون السيطرة الكلية بيدها .
وهذا العدوان الاسرائيلي الامريكي الغربي فتح أبواب الحرب على مصراعيها في هذه المنطقة التي طالما صرح زعيم البيت الأبيض انه يعمل على إرساء الأمن والاستقرار فيها الا ان اعمال هؤلاء القادة تنفي اقوالهم ، ليقف العالم بأسره أمام ايام وقد تكون اسابيع مفصلية من تاريخه لناحية تحديد الهوية والمصير .
إسرائيل التي نجحت في جرّ الولايات المتحدة إلى هذه الحرب وجعلها تنخرط بشكل مباشر فيها  لتحقيق مصالحها ليحل صوت النار والدمار محل صوت الحوار والدبلوماسية لصالح مشاريع ستتخطى حدود الإقليم .
من هنا رأينا حجم الادانات للعدوان الاسرائيلي من جميع دول المنطقة التي تدرك تماما أن لحظة انفجار الوضع اقليميا والتغيير بموازيين القوى لصالح إسرائيل بأن دولها لن تكون بمنأى عن هذه المتغيرات بل ستحرم بعضها من مفاوضات معها تحفظ حقوقها .
فمشروع التقسيم حاضر في العقلية الإسرائيلية وما تفعله إسرائيل وخلفها الغرب الجماعي لن يستثني أحدا وما التدخلات في الشؤون الداخلية للدول واشعال الحرائق فيها الا خطة كبرى لإسقاط الانظمة واحلال التغيير الذي ينسجم مع مشروع الفوضى البناءة الذي  اعلن عنها عام ٢٠٠٦ وهذا ما صرح به نتنياهو عندما وجه كلمته للشعب الايراني قائلا نحن معكم حتى نيل الحرية وفي هذا تحريض علني لاسقاط النظام لتتمكن إسرائيل والغرب بإعادة البناء بما يناسبها وهذا لو نجح سينتقل إلى دول اخرى كتركيا والخليج وغيرهم .
بغض النظر قد يتفق البعض  مع  السياسات الإيرانية في مكان ويختلف البعض معها في مكان آخر  لكن أمام حجم المؤامرة والتحديات وما ينتظر دولنا وشعوبنا من فصول التفتيت والتقسيم يجب علينا أن ننظر للرد الايراني بإيجابية تحافظ على التوازنات في المنطقة وان يتعثر المشروع الاسرائيلي فيها للحفاظ  على ما تبقى في دولنا العربية والإسلامية بما يسمح لشعوبها بالعيش الآمن والمستقر .
وفي الخلاصة :
لا شك أن الضربة الإسرائيلية لطهران كانت قوية ولها أثر معنوي وامني  واقتصادي الا ان الرد الايراني وما نتج عنه  شكل سابقة ايضا تاريخية في اسرائيل ، وتم التعبير عنه من خلال  اتصالات إسرائيلية غربية مع دول صديقة وحليفة لإيران كروسيا وقطر والمملكة السعودية  تدعو طهران لضبط النفس والاكتفاء بهذا الحجم من الرد لحفظ ماء الوجه ، والمطالبة بإيقاف ردها  تؤكد أن الضربات الايرانية تركت اثرها العميق داخل تل أبيب وحققت التوازن وهذا سينعكس على أية مفاوضات مستقبلية بين طهران والغرب الجماعي ويحافظ على ما تبقى من خرائط ويفشل المشروع الغربي بأن تكون إسرائيل وحدها  هي الكلمة المفتاحية لمنطقة الشرق الأوسط .
باحثة في العلاقات الدولية – بيروت