نايف شرار: أفريقيا من أجل البحر

نايف شرار
على الرغم من غنى البحار والمحيطات الإفريقية بثرواتٍ سمكية ومعدنية ونفطية هائلة؛ إلا أنها ما تزال عُرضةً لضعف الحماية وسوء الاستثمار، وهو ما يفرض ضرورةَ التحول من منطق الإمكانات إلى منطق التملك الفعلي، عبر اعتماد حكامة شاملة للمحيطات، لا تنحصر في البعد البيئي وحسب، بل تتوسّع لتشمل الأمن الغذائي، والصمود المناخي، والسيادة الطاقية، والهوية الثقافية.
وفي هذا السياق التدبيري، تأتي مبادرة الملك محمد السادس “إفريقيا من أجل المحيط” لبحث سُبُل مراجعةٍ استراتيجيةٍ واسعةٍ للدور البحري الإفريقي في أبعاده التنموية، والتي ترتكز على ثلاث أولويات أساس:
تتمثل الأولوية الأولى في تحقيق “نمو أزرق” من خلال استراتيجية تشمل مجالات الاستزراع المائي، والطاقات المتجددة البحرية، والصناعات المينائية، والسياحة الساحلية.
وفي هذا الإطار يدخل المغرب القوي والفعلي في دعم هذه الدينامية، من خلال مشاريع ساحلية كبرى، على غرار مشروع ميناء طنجة المتوسط، وميناء الناظور غرب المتوسط، وميناء الداخلة الأطلسي، وهي المشاريع التي تقوم على منظومات لوجستية وصناعية متكاملة.
وأما الأولوية الثانية فتتجلى في تعزيز التعاون جنوب- جنوب، عبر مقاربة قارية موحدة لتدبير المجال المحيطي وتأمين سلاسل القيمة البحرية.
وترومُ هذه المقاربة السَّعي إلى ضرورة امتلاك إفريقيا آليات الأمن البحري الخاصة بها، وتوحيد مواقفها تجاه القضايا الدولية المرتبطة بشؤون المحيطات، في أفق تحصيل قرارات ذات أمن سيادي ذي أثر إيجابي على التنمية الشاملة.
في حين تتمثّل الأولوية الثالثة في تكامل السياسات البحرية، خاصة في منطقة الواجهة الأطلسية، التي تعد فضاء واعدا للحوار الاستراتيجي والتكامل الاقتصادي، حيث تعد مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية مشروعًا جماعيا يُثَمّن هذه الإمكانات ويدعَمُ ترصيدَها.
ويبقى مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي، الذي أطلقه المغرب، وسيلةً للربط الطاقي وخلق فرص جيو-اقتصادية جديدة في غرب القارة.
وإنّ التزامَ المملكة المغربية القويَّ بحماية الفضاءات البحرية قرارٌ يَصُبُّ في صلب الحكامة التدبيرية للثروات البحرية، ويعكسُ عمق الرؤية الملكية لتأمين السيادة المائية على مجاله المحيطي. فالمغرب يطلّ على واجهة ساحلية تمتد لأزيد من 3500 كيلومتر، وما يفوق مليون كيلومتر مربع من المساحات البحرية، وهي مؤهلات تجعلها فاعلاً محورياً في الورش الجماعي لحماية المحيطات وتثمينها، في انفتاح تامّ وتشاركيّ ناجع على أوربا وأمريكا وإفريقيا، ليكون بذلك جسرًا استراتيجيا بين القارات، وضامنا للأمن المِلاحي في الامتداد الأزرق شمالًا وغَرْبًا.
كاتب كويتي
[email protected]