علي لهروشي: ينبغي على الجميع التعلم من تجربة الاعتداء الإسرائيلي-الأمريكي على إيران.

علي لهروشي: ينبغي على الجميع التعلم من تجربة الاعتداء الإسرائيلي-الأمريكي على إيران.

 

علي لهروشي

عندما تنفّذ إسرائيل عملية من عملياتها الإجرامية، سواء باغتيال شخص مهما كان وزنه أو موقعه، أو بتنفيذ هجوم عسكري تخريبي داخل بلد ما، أو حين يكون الإعلام الإسرائيلي هو السبّاق في نقل أخبار قرب تنفيذ عملية ما، مستندًا في ذلك إلى جهاز “الموساد”، أو عندما يُكشف أن الموساد أبلغ نظيره الأمريكي، وتحديدًا جهاز الاستخبارات الخارجية “سي آي إيه” بما سيحصل، حينها يتحدث الجميع عن تفوّق الموساد في مجال الاستخبارات، وبراعته، ويقظته، وقدرته على الوصول إلى أي هدف يرغبه في كل أنحاء العالم ، لكن لا أحد منا يطرح سؤالًا مهمًا وجوهريًا في هذا الخصوص: كيف يتمكن الموساد من تحقيق أهدافه والتفوق على غيره من الأجهزة الاستخباراتية، الصديقة منها والمعادية؟ الجواب عن هذا السؤال قد
يقود إلى عاملين رئيسيين وحاسمين في تفوّق الموساد الإسرائيلي في مجال الاستخبارات

أولًا: طبيعة العقيدة اليهودية

ينطلق هذا التفوّق من كون العقيدة اليهودية لا ترتبط بجنسية معينة أو قبيلة أو اسم دون غيره. فالكثير من اليهود في مختلف أنحاء العالم مؤمنون ومتشبّثون بالعقيدة اليهودية، دون أن يظهروا ذلك علانية عبر مظاهرهم الخارجية أو أسمائهم. بعضهم لا يذهب حتى إلى الكنيس لأداء الطقوس الدينية مثل الآخرين، لكنه يبقى يهوديًا مئة بالمئة، حاملًا للمبادئ والتعليمات والتوجيهات الواردة في الكتب اليهودية، وعلى رأسها الولاء لإسرائيل ، وبالتالي، هناك عائلات وأفراد ومجموعات يهودية، مندسة، متنوعة ومترامية في أنحاء العالم، يمارسون مختلف المهن والمناصب بجنسيات متعددة. فهم يتحكّمون في كثير من الدول على الصعيد السياسي، والمالي، والاقتصادي، والإعلامي، والثقافي، والعسكري. وهذا هو الأساس الذي ساعد الموساد على الاستفادة منهم في تنفيذ مهام دون أن يثيروا أيّ شكوك ، فمثلًا، قد يدخل يهودي أوروبي أو أمريكي بلدًا ما كسائح، لكنه في الأصل ينتمي إلى الموساد الإسرائيلي، أو يتعاون معه كعميل استخباراتي، ويكون هدفه تنفيذ عملية معينة، وليس السياحة. وينطبق الأمر نفسه على يهودي عربي، أو هندي، أو إفريقي، أو آسيوي، أو تركي، أو باكستاني، ممن يمكن توظيفهم عند الضرورة دون إثارة الانتباه
وهذا ما سهّل نقل التطور التكنولوجي من مختلف الدول التي يتواجد فيها اليهود إلى إسرائيل، التي توظّفه في التجسّس على أعدائها، كما على أصدقائها، لكي تبقى متفوقة دائمًا في مجال الاستخبارات

ثانيًا: هشاشة الدول المعادية لإسرائيل، خاصة العربية والإسلامية

معظم هذه الدول تواجه مشاكل داخلية، حيث لا يتمتع مواطنوها بأدنى الحقوق التي يتمتع بها مواطنو الدول الغربية، مثل: الحق في السكن، والعمل، والتأمين، والتعليم، والعلاج، والتعويض عن البطالة أو المرض، وحق التظاهر، وحرية التعبير، واستقلال القضاء، وتحقيق المساواة، والقضاء النهائي على الفساد، وعلى رأسه: الرشوة، والنهب، والمحسوبية، والتزوير، واستغلال النفوذ ، كما تفتقر هذه الدول إلى محاسبة المسؤولين ومساءلتهم، وجعلهم سواسية مع أبناء الشعب. علمًا أن شعوب هذه الدول مجتمعات صبورة ومتسامحة، ولا تحتاج إلى الكثير، سوى إلى الاحترام، والجدية، والصراحة، والنزاهة، والكشف عن الثروات، ومصارحة الشعب بالحقائق المتعلقة بكيفية استعمال الأموال العامة، والوضعية المالية والسياسية والاقتصادية للدولة ، وهنا يطرح السؤال الجوهري: هل يستطيع المواطن أن يستفيد من خيرات بلاده بالقليل أو الكثير؟
فإذا تحققت النزاهة والشفافية والوضوح، فإن المواطن سيتحول إلى أسدٍ ينتفض في وجه كل من سولت له نفسه أن يلحق ضررًا ببلاده، وبأمنه، واستقراره، وسيادته، لأنه بذلك يدافع عن نفسه، وعن شعبه، وعن مصالحه ومكتسباته ، أما إذا تعنّتت السلطة في تهميشها للمواطن، فقد يتحول هذا الأخير إلى نارٍ تحرق الأخضر واليابس في بلاده، دون أن يشعر بالخجل من قيامه بذلك

هذه الهفوات والثغرات تُعتبر نقطة دخول للعدو؛ إذ يستخدم الموساد هذه المشاكل ضد الدولة المستهدفة، باحثًا عن الغاضبين والمنتفضين والرافضين للوضع الداخلي في أي بلد، لإغرائهم بشتى الوسائل، وعلى رأسها الإغراءات المالية، واستخدامهم عند الحاجة ، وهذا بالضبط ما حدث وما يزال يحدث في إيران وغيرها من الدول المعادية للكيان الصهيوني الإسرائيلي؛ حيث تمارس الحكومة الإيرانية ضغوطًا على مواطنيها لتنفيذ الأحكام الإسلامية، مما يثير انتفاضات ضمنية، مثل: رفض ارتداء الحجاب، أو الاعتراض على نتائج الانتخابات، أو المطالبة بالاستقلال في منطقة الأحواز
بعض هؤلاء اضطروا للهروب إلى الخارج خوفًا من الانتقام الداخلي في إيران، وبذلك تمكن الموساد من تحويل البعض منهم إلى عملاء له، وزرعهم داخل الأراضي الإيرانية للقيام بتنفيذ أجندة الصهاينة، من تخريب البلاد، وقتل العباد، وإفشال المشاريع العلمية، وإرجاع إيران سنوات إلى الوراء ، والمؤسف أن هذا الأمر، رغم خطورته على السيادة والمستقبل والأمن والاستقرار الإيراني، لا يشكّل مانعًا لهؤلاء العملاء من بني جلدتهم
بالتالي، فإن تفوق الموساد ينبع من قدرته على الاستفادة من اليهودية العالمية كشبكة بشرية مخفية تخدم أهداف الاستخبارات دون إثارة الريبة ، إلى جانب استفادته من هشاشة الدول المستهدفة عبر استقطاب الناقمين داخليًا، واستغلال الأزمات الاجتماعية والسياسية لتحقيق أهدافه ، بهذا، يظهر أن تفوّق الموساد ليس مجرد صدفة، بل نتيجة استراتيجية مدروسة تشمل العقيدة والاستغلال السياسي والاجتماعي

 هل يمكن الاستسلام للأمر الواقع وترك الصهاينة ينفردون كل مرة بدولة من الدول، ويرتكبون فيها جرائمهم ومجازرهم في حق الأبرياء، في تحدٍّ صارخٍ لسيادتها واستقلالها، وتجاوزٍ للقانون الدولي ولكل المؤسسات الدولية العاجزة حتى الآن عن لجم هذا الكيان الصهيوني الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود؟
أبدًا، لا يمكن الاستسلام للأمر الواقع، لكن مواجهة الكيان الصهيوني الإسرائيلي تتطلب تقوية الجبهة الداخلية عبر ديمقراطية حقيقية، وحرية، وتحقيق العدالة، والاحترام المتبادل بين المواطن وبلده، وبين المسؤولين القائمين على تسيير الشأن العام.
فمن دون البدء بتقوية الجبهة الداخلية، فإن البلاد على شفا حفرة.
وحينها فقط يمكن مواجهة كل التحديات، بما في ذلك الخونة من الملوك والأمراء المطبعين مع الكيان الصهيوني المجرم، ورفض التفرقة والطائفية والعنصرية، وتفقير الإنسان؛ أي القضاء على كل ما يمكن أن يتغذى منه الكيان الصهيوني الغاشم.

كاتب و إعلامي
أمستردام