زيد عيسى العتوم: لم أشعر باليأس أبداً!

المهندس زيد عيسى العتوم
كنتُ صغيراً أجلسُ على مقعدي المتأرجح في صفّي المكتظّ ومدرستي القديمة, أعشقُ كلام مُدرّسي عندما أخبرنا أن التشفّي والشماتة في المصاب الذي يصيب الإنسان أيا كان مخالف للأخلاق وللفطرة الإنسانية السليمة, وكبرتُ في عروبتي وكبِرَت في روحي مفردات التحلّي بالرحمة والإنسانية في التعامل مع الآخرين, وخاصة في ظروف الألم ومواقف المعاناة, وكبرتُ أكثرَ فعرفتُ وقرأتُ دوستويفسكي وهو يقول:” عندما تقف على مآسي الآخرين وانكسارهم إياك أن تبتسم, تأدب في حضرة الجرح, كن إنساناً أو مت وأنت تحاول”, لكنني خالفتهم جميعاً ونسيت نظرياتهم وشرائعهم, فابتسمتُ وفرحتُ وابتهجت.
تمسمرتُ أمام شاشة تلفازي وأنا أشاهد المسيّرات والصواريخ الايرانية تدكّ مدن ذلك الكيان الغاصب, ثم هرعتُ إلى نافذتي طمعاً في رؤية أنوارها وخطوطها التي تشقّ ظلمة الليل, ثم اعتليتُ سطح بيتي لأطلّ على تلك القبة السماوية المرصّعة بالنجوم المتفجّرة, أنا لست متوحّشاً لكنني عرفتُ وأبصرتُ فضائع المجرمين ومجازرهم, سأفرحُ عندما أرى بنيانهم يتهاوى فقد دمّروا وسحقوا بنيان غزة, سأفرح عندما أشاهدهم يهرعون إلى الملاجىء فأهل غزة لم يملكوا ملاجىء غير القبور, سأفرح بسماع صفارات الإنذار تتعالى أصواتها حتى السماء, فأطفال غزة لم يُنذرهم أحدٌ قبل أن يودّعوا هذه الدنيا, سأفرح عندما أقرأ كلمات ” عشرات المفقودين ” فعشرات الآلاف من الجثث ما تزال عظامها ضائعة تحت أطنان الحجارة, سأفرح بشلل مطارهم وتوّقف مينائهم فغزة كانت وما تزال مخنوقة براً وبحراً وجواً, تخيّلوا أنني لن أجزع عند رؤية أشلاء قتلاهم لأنني رأيت رجلاً غزيّاً يجمع قطعَ أبناءه المحروقة والممزّقة في شِوال مُلطّخ يحمله بيده, وسأفرح عندما تنهار صروحهم ومواطن سيادتهم لأنهم قد أبادوا مدارس وجامعات ومساجد وكنائس ومستشفيات ومخابز غزة, أما حالة الرعب التي يعيشونها فما زال الماء والغذاء والدواء متوفرون فيها, وفي غزّة يتجمهر الجائعون ويموت بعضهم دهسا للظفر بمعونةٍ تُسمى ” وجبة”.
المجد لشهداء فلسطين, ورحم الله محمود درويش الذي قال:” سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل…. سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل….سنطردهم من هواء الجليل…”.
الاردن