عصمت شاهين الدوسكي: سندس النجار القصية تستكشف الأنهار… أين يمكن للقلب أن يحقق خالديته؟

عصمت شاهين الدوسكي
الشعر هذا العالم الجميل ، المفعم بعوالم الحب والأمل والجمال والإحساس والمشاعر والعواطف تارة ، وبعوالم الهجاء والتمرد والثورة تارة أخرى ، يجسد لنا مشاعر الذات والإحساس الذي يعزف على أوتار شغاف القلب ،بتجلي رؤى الواقع وتناقضاته من حب وكره ، جمال وقبح ،خراب وأعمار ،حرب وسلام ، فالشاعر المتقد فكرياَ يخاطب الجانب لا واعي فينا ، فعمل العقل والقلب وحدة متكاملة مع الإقناع ، رغم شدة الواقع المؤلم ،على الأرض الإنسانية ، في الشعر الأنثوي الناضج ،تتجلى متعة الإحساس، ومتعة العاطفة ،ومتعة التصور ،ومتعة الشعور والعاطفة في تجلي أفكار وأعماق ” نون النسوة ” ولابد أن اذكر هنا .. ( سين النسوة ) لأنها الشاعرة والباحثة والمديرة والمحاضرة والمسئولة ( سندس سالم النجار ) التي وظفت كل طاقاتها الفكرية والاجتماعية والنفسية والإدارية في خدمة قضية ( المرأة ) بصورة خاصة ، وقضية ( المجتمع ) بصورة عامة ، لا أحب أن أضع النص الشعري تحت الفحص والاختبار الدقيق ، لكي لا يفقد النص الشعري جاذبيته وروعته ،تبحر بنا الشاعرة سندس سالم النجار بأسلوبها وبلاغتها للوصول إلى قوة الإيحاء لتكشف عن مكنونات لم ندركها من قبل .
)) قلباً .. تائهاً يطير
في فضاء آت شفق وردي
راكضاً .. يجري ..
بين حروف قصيدة محنكة )) .
إن قوة النص الشعري تكمن في إثارة عواطفنا ،ويقظة إحساسنا ،واستجابتنا للعاطفة الشعرية المؤثرة ،وبمقدور الشاعر خلق هذه الاستجابة العاطفة الشعرية بأسلوبه ،وبساطته وعفويته الشعرية ،التي تعتمد على جمال اللغة المؤثرة ،والأسلوب المميز ،والموسيقى اللغوية الممتعة ،التي تهز شغاف القلب ،تهز مشاعرنا ، فإثارة المشاعر مرهونة بالفرد نفسه ،فمثلاً كلمة ( تموز ) هي رمز للقوة للشروق أو معناه الزمني كشهر ، فالإشراق ليست الإيحاء الفوري الذي توحي كلمة ( تموز ) رغم ارتباطها بالشهر المعني بأثر هنا او هناك ،وبذلك نقل ذلك الأثر في النص الشعري كصورة مؤثرة ايجابية ، فالأثر العاطفي الذي أحسسته بالصورة الشعرية يوحي بعد الزمان والمكان ،وحزن مبعثه الحنين إلى الماضي ، ويتراءى لي أن السطور التالية لها الأثر في ذلك .
)) قصيدة مؤجلة
في الواحات والبراري
وتحت حرقة شمس تموز
والرياح العاتية )) .
فكلمة تموز بتأثيرها الحسي والفكري تعطي صورة بلونها الهرموني الخاص ،وتثبت نبعها العاطفي ، وهي تنقل لنا هنا عدة صور حسية مع الارتباط الغير مرئي بين العنصر الحسي وقوة الإيحاء ، وما ترسل من قوة تأثير على المشاعر ، حيث تحمل الصورة الشعرية شيئاً اكبر مما ندركه ، وتحاول الشاعرة سندس سالم النجار أن نصل إلى مكنونها الجمالي والايجابي أن كان بالرمز أو التشبيه ، حال إذا فهمنا معنى الكلمات ( الواحات ، البراري ، شمس تموز ،رياح عاتية ) بما يعني مغزاها المجرد والحسي المقترن بالشعر المعاصر ، ومهما يكن من أمر ، فهناك صورتان يجر الانتباه إليهما ، ( الأولى ) هي مدى النغمة العاطفية في الصورة الشعرية ” إحساس الغربة – الفراق “. و ( الثانية ) شدة التركيز على الرمز والتشبيه ( قصيدة مؤجلة ) قد ترسل المعنى بغموض . وربما هذا شأن الطريقة الحديثة في استخدام الصور الشعرية ، قلب الشاعرة سندس سالم النجار ككل القلوب التي تنبض بالحلم والأمل والحياة ،تبحث في عوالم لا نهائية عن الحلم المنشود ، عن الاحتراق ولا احتراق ، عن الذات والسرمدية عن ( صلاة الحب – قلبك الوديع – لحظة الحسم ) رغم وجود القلب في مدن راقية ، متطورة ، متقدمة تلبس لباس الحرية والديمقراطية كفينا والسويد وألمانيا وكندا وغيرها وكل ما فيها مباح إلا ما ندر ، أن القلب قطعة تتسم بقوة غريبة وتفنن عبقري ، ينتقل من صورة إلى أخرى للبحث عن الحلم المنشود والمفقود في ظل صخب المدنية المتطورة ، يتمرد حيناً ويكون جباراً حيناً آخر لمحاولة فرض وعيه ،وحلمه العميق ،ليصل لما يريد ( التألق الأبدي ) فالمناظر الجميلة والجنان المختلفة الخضراء في المدن المعاصرة ،والتقدم والحرية الشخصية والراحة والأمان ، ألا يوجد فيها التألق الأبدي ؟ إذا أين يجد القلب التألق الأبدي ..؟
)) قلباً مارداً وجباراً
يسعى ليطارحك صلاة الحب
في محراب قلبك الوديع
قد يظفر بالتألق الأبدي
ولابد للحظة الحسم
الق الحياة السرمدية )) .
البحث والانتقال من صورة إلى أخرى ،كصورة
،كصورة المتصارعين التي تتوالى وتجيء منفعلة ، وهذا ما يحدث في قلب الشاعرة سندس سالم النجار في البحث الشاق المتوالي ( فجر- هوى- صخور- معبد – رجل خارق ) كل هذه الإيحاء آت الشعرية والرموز المركزة والتشبيه ، منفعلة بمعنى ايجابي للبحث والتقصي ، أما تعبير ( رجل خارق العذوبة والوحشية ) فهي صورة حسية تعكس مرحلة من المعاناة التي يتلاطم فيها جسد المتصارع في تأملات لا نهائية ، رغم تلك الكلمات المنفعلة على نحو رائع .
(( قلباً يبحث
عن مسرح لأناشيدي
عن فجر لتغار يدي
عن هوى اختبأ بين صخور ومعبد
يبحث عن رجل
خارق العذوبة والوحشية )) .
إنها صور عظيمة في وجودها الرمزي والتشبيه ، وان كانت الصور تطغي على المعنى الكلي للنص ( القلب ) فيتجلى الغموض ويحيطه ولا مجال لإنكار حلمه وطموحه ، وهذا غالباً ما يحدث في حالة قوة الصورة البلاغية ، ويستمر البحث والانتقال من حالة إلى أخرى عن ( رب يختبئ في قبته السحرية ) ورغم وجود الرب ، لا توجد جرأة في ( الاقتراب منه – ولا لمسه ) فعدم الوفاء بالوعود يخلق الابتعاد ، والابتعاد يخلق الحرمان ، والحرمان يخلق الألم ، والألم يخلق البحث المستمر ، خاصة ان حفر الوعد المجهول على ( لوحة مائية ) فاللوحة المائية متحركة وغير مستقرة ، مما يعني عدم استقرار الإيفاء بالوعد ثم استمرار البحث ، ولكن إلى أين ..؟
(( قلباً يبحث عن رب
يختبئ في قبته السحرية
لأنني لا أتمكن
إلا أن أفي بوعد
استللته من سلافه
السماء الشذيه
وحفرته على لوحة مائية )) .
إن روعة وجمال المقطع الأخير ، يكمن في أن الشاعرة سندس سالم النجار توحي وتكشف وتعلن بشكل مفاجئ ، دون ان تخرج من قوقعة البحث المستمر ، إذ يبرز العقل هنا ليدلي بدلوه وإبراز الروح الإنسانية مع إيحاء القلب بما يكون ، نحن ندرك أن القلب ينبض بالبحث ليصل إلى البريق الأخاذ ومن ثم يستمر بالبحث ، رغم ان المقطع الأخير يعطي اللمسة الأخيرة بصورة بلاغية محسوسة للطبيعة القلبية وهو يبحث عن وعد حفر على لوحة مائية.
*******
سندس سالم النجار
التولد : شيخان كوردستان .
التحصيل العلمي : خريجة جامعة بغداد- كلية التربية – قسم اللغة الانكليزية عام 1990 م .
المهنة : مدرسة اللغة الانكليزية ( 10 ) سنوات في العراق .
– مارست مهنة التدريس في المعاهد الأكاديمية الإسلامية في فينا
– الإقامة الحالية : دولة النمسا – فينا منذ عام 1999م .
– شاعرة تكتب الشعر الوجداني والوطني والسياسي والاجتماعي
– نشرت أول قصائدها في جريدة العراق عام 1987 م – ترجمت قصائدها إلى اللغة الكوردية ” اللهجة السورانية ” ونشرت في مجلة بيان عام 1988 م- أقامت العديد من المعارض الشعرية في جامعة بغداد 1987-1990 م .
– أسست البيت الايزيدي الكوردستاني في النمسا عام 2010 م ( مسئولة البيت الايزيدي في النمسا ( .
– أسست رابطة للمرأة الايزيدية في السويد عام 2010م .
– عملت في مجموعة من منظمات المجتمع المدني في النمسا وألمانيا .
– شاركت في عدة مؤتمرات في البلدان الأوربية كناشطة نسوية
– لها ديوان مطبوع في دولة السويد بعنوان ( من رحيق الروح ) .