الطبيبة الفاضلة ألاء النجار: خنساء فلسطين التي خذلها العرب

بروفيسور دبي علي
من تابع من العرب أنباء فاجعة أختنا الطبيبة الغزاوية المجاهدة آلاء النجار ولم يعرها الاهتمام اللازم فإني أدعوه إلى مراجعة نفسه والتأكد من أنه مازال انسانا بقلب وروح، وأنه لم يتحول إلى كائن غريب شغله الشاغل استهلاك منتجات الغرب بكل أنواعها من سلع وخدمات و أكاذيب و خداع و نفاق.
هل العربي ما قبل الاسلام الذي كان يغضب لمن يقترب من خيمته، ويأخذ بالقصاص لمن قتل احد أقربائه، أصبح اليوم بلا مروءة. هل يمكن أن يصدق أحد بأن الحكمة التي يتشدق بها قادة الدول العربية و معهم قلة تافهة من نخبتهم ستحقق السلام، أم أنها في الواقع ما هي إلا تأكيد وتثبيت لمظاهر الخنوع والذل والتطبيع مع الصهاينة و التعاون معهم وتوريدهم السلع و تنظيم المناورات العسكرية معهم. هل يعقل أن يستقبل مجرم يقود طائرات العدو الصهيوني لدى دولة عربية و تستغرب المجاهدة الطبيبة آلاء النجار عبر شبكات التواصل الاجتماعي : ما عهدناكم هكذا يا عرب.
استشهاد تسعة أبناء مرة واحدة : بربرية همجية للاحتلال الصهيوني ضد الأمهات لم تشهدها الانسانية اطلاقا
لم تشهد الانسانية أحداثا همجية مثل التي حدثت مع فاجعة آلاء النجار بمقتل تسعة أطفال أبناء في ليلة واحدة. لقد مرت الانسانية بمراحل بربرية عديدة سجلت فيها جرائم متنوعة ظلت لعقود وقرون وصمة عار في جبين الانسانية. أما أن تفقد الطبيبة المجاهدة آلاء النجار تسعة من أبنائها الأطفال في ضربة طائرة واحدة فإن الانسانية تلاشت تماما أمام قانون الغاب الذي تحاول فرضه قوى الغرب والصهيونية.
لقد بكت و تنهدت الطبيبة المجاهدة دون توقف و هي التي فقدت تسعة أطفال شهداء : يحيى، رسلان، إيف، ركان، ريفان، سيدرا، سيدين، لقمان، وجبران، واحتسبتهم شهداء. تنهيدة فقدان طفل لمن لا يعلم حرقتها، لا يساويها أي حزن في العالم، فماذا عن فقدان 9 أطفال، أكبرهم بعمر 12 سنة. نقول في الجزائر عند فقدان طفل : لقد احترقت كبدي، فماذا عن فقدان 9 أطفال. هل يمكن تقدير الحرقة التي تعيشها آلاء النجار وقد فقدت أبنائها التسعة بالاضافة إلى زوجها الذي التحق بالرفيق الأعلى.
مازلت لم أستوعب هذا الخبر، رغم تأكيده من طرف ممثل الجزائر في الأمم المتحدة، والذي عرض صورهم، وطالب مجلس الأمن بالموافقة على مشروع القرار الذي تقدم به لوقف الابادة الجماعية في غزة : للأسف، 14 عضو وافقوا، واستعملت امريكا الفيتو لمنعه. لقد استعملت امريكا الفيتو عدة مرات ضد وقف اطلاق النار : مرات في عهد بايدن ، وهذه المرة في عهدة ترامب. كلاهما متواطئ مع الاحتلال الصهيوني في الابادة الجماعية، وتبقى أمريكا مصدر ومصدّر للشرّ في العالم.
شرّ يأتي على الأخضر واليابس، و يأتي على تسعة أطفال في غزة لا ذنب لهم، سوى أن مخرجات تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يستعملها جيش الاحتلال الصهيوني أرشدت القنبلة إلى منزلهم، ليس لأن رجال حماس هناك، ولكن لأنه بيت طبيبة مقاومة لازالت تعالج أطفال غزة وتكافح من أجل البقاء على الأرض : أرض الشهداء.
الغريب أن الفيتو الأمريكي قامت بتلاوته إمرأة، ممثلة أمريكا في مجلس الأمن : أليس لديها أحاسيس؟ لعلها لا تعرف معنى الأمومة. وماذا عن نساء الغرب اللواتي يتقلدن مسؤوليات كبيرة ويوافقن على ابادة الأطفال، لعلهن لا يعرفن معنى الأمومة لذا لا يشعرن بفاجعة الطبيبة المجاهدة آلاء النجار. أم أنهن مهنيات أكثر من اللازم ويعبرن عن موقف حكوماتهن التي تساند الكيان الصهيوني في ابادة شعب بأكمله، و تعتبر العرب بشر من الدرجة الثانية في مقاربة عنصرية موروثة عن آبائهم المستعمرين لبلداننا.
أليس من يقود منظمة اليونيسيف حاليا هي إمرأة : ألا تحس؟ ألأنها أمريكية، وموظفة سابقة في الادارة الأمريكية، فإنها لا تحس بفقدان تسعة إخوة مرة واحدة، أم أنها لا تعرف معنى الأمومة؟ لم يفعل اليونيسيف شيئا لانقاذ أطفال غزة، ورغم تنبيهنا لهذا الأمر منذ عام كامل، نشاهد بأن اليونيسيف يتفرج على قتل أكثر من عشرين ألف طفل غزاوي دون فعل شيء لانقاذهم.
لقد تأثرنا كما يتأثر أي أب وأم عندما بكى ممثل دولة فلسطين في مجلس الأمن تعقيبا على فاجعة الطبيبة المجاهدة، لكن الموقف يستدعي غير ذلك.
البكاء، الزغاريد و الثبات : رد خنساوات الجزائر وفلسطين على المحتل
لقد تعرضت الأسر الجزائرية أثناء الاستعمار الفرنسي للكثير من الآلام والأحزان التي تعيشها العوائل الفلسطينية حاليا وأكثر مما ارتكبه المحتل ومستوطنيه الغاشمين. تحتفظ ذاكرة الجزائريين بعدة قصص لخنساوات الجزائر اللواتي فقدنا أولادهن أثناء حرب التحرير الجزائرية. يذكر المؤرخون عدة حالات لنساء من جميع ربوع الوطن اللواتي فجعن في أولادهن ومنهن:
فاطمة خطابي (خنساء ميلة) والتي فقدت سبعة أبناء، الواحد تلو الآخر ، بليدة الزهراء من عنابة والتي قدمت ستة شهداء، حسوني مهنية (خنساء بسكرة)، والتي فقدت خمسة أبناء بعد استشهاد زوجها، مريم عجرود (خنساء خنشلة) والتي قدمت أربعة أبناء شهداء، بالاضافة إلى بوضياف مسعودة (خنساء سطيف) والتي قدمت أربعة أبناء شهداء، وغيرهن مئات الآلاف من الأمهات الجزائريات اللواتي فقدن أبنائهن نتيجة همجية الاستعمار الفرنسي وجرائمه في حق الشعب الجزائري.
وحسب ما روي عن خنساوات الجزائر، فإنه كان كلما يصلهن خبر استشهاد أحد أبنائهن كانت تبكين بحرقة الأم وتزغردن. كما أنه روي عن بعض الخنساوات بأنهن رغم فجائعهن لم تذرفن الدموع على أبنائهن الشهداء ، وكانت تطلقن الزغاريد كلما جاءها خبر استشهاد أحد الأبناء، واحتسبتهن عند الله من الشهداء، لتضربن مثالا خالدا لقوة الصبر والإيمان بقضاء الله وقدره. لقد كانت خنساوات الجزائر تكبّر وتزغرد بثبات وتبث الرعب في مجرمي الاستعمار الفرنسي.
أما الرجال فلا يبكون، بل يتنهدون، وقد عقدوا العزم أن لا يبق على الأرض الطاهرة أجنبي واحد، و في ذهنهم شيئ واحد : الثأر للخنساوات ولأبنائهن الشهداء و القصاص من الجنود والمرتزقة والخونة الجبناء. لقد أنكرت على سفير فلسطين في الأمم المتحدة أنه بكى لهول فاجعة الطبيبة المجاهدة ألاء النجار، لأن الرد الطبيعي على جرائم جيش الاحتلال البشعة هي الانتقام من هؤلاء المجرمين والثأر للطبيبة المجاهدة. هل يمكن اعتبار كل من يحيط بغزة، من قريب أو من بعيد، بأنهم عرب متشبعون بالنخوة والعزة والمروءة والرجولة والحمية، وأنهم سيأخذون بثأر أبناء آلاء النجار، أم أنهم مجرد مجموعة بشرية تساق كالقطيع لحتفها منغمسة في هذيان الحكمة وضبط النفس إلى حد الخنوع والخضوع.
لقد ظل جنود المحتل الفرنسي يتذكرون كيف أن الأم الجزائرية عند فقدان أبنائها تبكي بحرقة ثم تزغرد كرامة للشهيد، وتحدّق فيهم، وفهموا عندها بأن الاحتلال عمره قصير أمام هذه القوة والصبر. قوة وصبر الطبيبة المجاهدة ألاء النجار ستغذي أذهان البشرية لسنوات وعقود، وستكون باذن الله وقود المقاومة حتى دحر الاحتلال الصهيوني عن فلسطين.
كما أن هذه الحقائق تجعلنا نذكر حكوماتنا العربية كلها ابتداء بالحكومة الجزائرية بأن مستعمر الأمس يبقى منبوذا في مخيلة الشعب، و أن ابرام اتفاقيات أمنية وعسكرية وحتي اقتصادية مع دول الناتو يعتبر ردّة وخيانة لذاكرة الشهداء والخنساوات.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
أستاذ المناجمنت – ابن مجاهد
الجزائر