الإستراتيجية الإيرانية والحرب النفسية: كيف جرت القوات الإيرانية الاحتلال الإسرائيلي إلى فخّها.

الإستراتيجية الإيرانية والحرب النفسية: كيف جرت القوات الإيرانية الاحتلال الإسرائيلي إلى فخّها.

نجاح محمد علي

أظهرت القوات المسلحة الإيرانية خلال المواجهة العسكرية الجوية الشرسة التي تشهدها المنطقة،  براعة فائقة في إدارة حرب نفسية متقدمة، تجسدت في عمليات خداع ميداني ذكية أربكت طيران كيان الاحتلال قاتل الأطفال، وضللته في ساحات القتال. هذه العمليات، التي جاءت ضمن استراتيجية “الوعد الصادق 3” في 13 يونيو 2025، لم تكتفِ بإلحاق خسائر مادية وبشرية بالعدو، بل نجحت في كشف هشاشة منظومته الدفاعية والاستخباراتية، مع تعزيز مكانة إيران كقوة ردع إقليمية تدعم محور المقاومة وشعب فلسطين المظلوم.

آليات الخداع الإيراني: فن التضليل الاستراتيجي

اعتمدت وحدات التمويه والخداع التابعة للحرس الثوري الإيراني والقوات الجوية على تكتيكات مبتكرة، تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والإبداع العسكري. تضمنت هذه التكتيكات:

نشر منصات عسكرية وهمية: تم تصنيع هياكل عسكرية مزيفة بدقة عالية، تشبه قواعد إطلاق الصواريخ، الرادارات، ومنظومات الدفاع الجوي. هذه الهياكل صنعت من مواد خفيفة مثل الألمنيوم، المركبات غير المعدنية، والكرتون المضغوط، مع طلاء خاص يعكس إشارات حرارية ورادارية مشابهة للمعدات الحقيقية.
اختيار مواقع استراتيجية: تم تمركز هذه المنصات الوهمية في مناطق جغرافية صعبة، مثل المرتفعات الجبلية، الكهوف، الانخفاضات الصحراوية، وغابات الأهواز، لتعزيز مصداقيتها وصعوبة تمييزها عبر الاستطلاع الجوي.
تكنولوجيا التضليل الإلكتروني: استخدمت إيران أجهزة تشويش إلكتروني وإشارات رادارية مزيفة لخلق انطباع بوجود نشاط عسكري مكثف في المواقع الوهمية، مما دفع طائرات العدو إلى استهدافها بدلاً من المواقع الحقيقية.
التنسيق الميداني: تمت إدارة هذه العمليات عبر غرف عمليات مشتركة تضم خبراء من الحرس الثوري، القوات الجوية، ووحدات الاستخبارات، مع مراقبة مستمرة لتحركات العدو عبر أقمار اصطناعية إيرانية مثل “نور-3” وطائرات استطلاع محلية الصنع.

هدف الخداع: استنزاف العدو وإرباك استخباراته

كان الهدف الأساسي من هذه التكتيكات هو:

تضليل منظومات الاستطلاع: استهدفت إيران إرباك أنظمة التصوير الجوي، الرادارات، وخوارزميات الذكاء الاصطناعي التي يعتمد عليها كيان الاحتلال في توجيه غاراته الجوية.
إهدار الموارد العسكرية: دفع العدو إلى إطلاق صواريخ باهظة الثمن، مثل صواريخ “ديليلاه” و”سبايس-1000″، على أهداف وهمية، مما أدى إلى استنزاف مخزونه الذخائري.
حماية الأصول الحقيقية: إبعاد طيران العدو عن المواقع الحقيقية لمنظومات الصواريخ الباليستية مثل “سيجيل” و”خيبر شكن”، والطائرات المسيرة مثل “شاهد-147” و”مهاجر-10″، التي تُخزن في قواعد تحت الأرض ومواقع محصنة في جبال زاغروس وكهوف خوزستان.
تعزيز الحرب النفسية: خلق حالة من الارتباك والإحباط بين قادة الكيان وطواقمه العسكرية، مع إبراز تفوق إيران في التخطيط الاستراتيجي.

نتائج الخداع على الأرض: فخ محكم

نجحت إيران في تحقيق نتائج ميدانية ونفسية مذهلة عبر هذه العمليات:

استهداف أهداف وهمية: أظهرت لقطات بثها كيان الاحتلال، مدعيًا أنها تُظهر ضربات دقيقة على قواعد إيرانية، غياب أي انفجارات ثانوية، أعمدة دخان، أو حرائق مستمرة، مما يؤكد أن الأهداف كانت فارغة ومزيفة.
حماية المنظومات الحقيقية: بقيت المنظومات الصاروخية الإيرانية الحقيقية، مثل صواريخ “فاتح-110” و”ذو الفقار”، سليمة في مواقع محصنة، مما سمح بتنفيذ خمس موجات هجومية على الكيان في 13 يونيو 2025، شملت أكثر من 300 صاروخ باليستي و200 طائرة مسيرة.
خسائر العدو: رغم التعتيم الإعلامي الصارم الذي فرضه كيان الاحتلال، كشفت مصادر مستقلة عن:
تدمير مركز أبحاث عسكري في حيفا المحتلة، مع حرائق هائلة أتت على مختبرات حساسة ومقتل 12 عالمًا ومهندسًا بارزًا.
إصابة 97 شخصًا، بينهم 9 بحالة حرجة، ومقتل مستوطن واحد في يافا المحتلة، إضافة إلى أضرار في أكثر من 2000 مبنى.
تدمير قاعدة جوية في النقب، مع إتلاف 3 طائرات مقاتلة من طراز F-35.
إرباك الدفاعات الصهيونية: أُشبعت منظومات “القبة الحديدية”، “حيتس”، و”مقلاع داوود” بكثافة الصواريخ والمسيرات، مما أدى إلى اختراقات متكررة، كما أظهرت مقاطع فيديو صواريخ إيرانية تضرب أهدافًا عسكرية في يافا وحيفا المحتلتين.

كيان الاحتلال يلاحق ظله: التعتيم والتخبط

مع استمرار لعبة الخداع الإيرانية، أصبح كيان الاحتلال قاتل الأطفال في حالة تخبط واضح، حيث يلاحق مواقع وهمية بينما تُطلق الصواريخ الحقيقية من مواقع محصنة بعمق الجبال. هذا التخبط تجلى في:

التعتيم الإعلامي: فرض الكيان حظرًا صارمًا على نشر تفاصيل الخسائر، مع السماح فقط ببث صور لمبانٍ سكنية متضررة لتحميل إيران مسؤولية استهداف (المدنيين) ، في محاولة لصرف الأنظار عن الخسائر الاستراتيجية.
التركيز الإعلامي المغلوط: ركزت وسائل إعلام الكيان على تضخيم الأضرار المدنية، متجاهلة تدمير قواعد عسكرية ومراكز أبحاث عسكرية، مما يكشف محاولة يائسة للحفاظ على صورة التفوق العسكري.
إحباط داخلي: تقارير غربية أشارت إلى حالة إحباط بين قادة الكيان، خاصة بعد فشل منظوماتهم الدفاعية في صد الهجمات الإيرانية، مع تزايد الانتقادات الداخلية لقيادة الكيان بسبب سوء تقديرها للقدرات الإيرانية.

مناطق الاستهداف وآثارها: ضربات دقيقة وتدمير استراتيجي

استهدفت الضربات الإيرانية مناطق استراتيجية متعددة في كيان الاحتلال، مع تركيز على:

حيفا المحتلة: تضرر مركز أبحاث عسكري رئيسي، مع حرائق استمرت لساعات، ومقتل 12 عالمًا ومهندسًا، إضافة إلى تدمير مختبرات لتطوير أسلحة متقدمة.
يافا المحتلة: أصيبت أهداف عسكرية مثل مقر “كرياه”، مع أضرار كبيرة في البنية التحتية، وإصابة 97 شخصًا، بينهم جنود ومدنيون.
النقب: تضررت قاعدة جوية رئيسية، مع تدمير 3 طائرات F-35، وإتلاف منصات إطلاق صواريخ دفاعية.
المناطق الشمالية: تحولت بعض المناطق إلى أحياء أشباح بسبب الحرائق والدمار، مع نزوح مئات المستوطنين.
اللافت أن كيان الاحتلال حاول تضخيم الأضرار المدنية لكسب تعاطف دولي، بينما أخفى الحقائق حول الخسائر العسكرية والعلمية، مما يعكس حالة الضعف والارتباك.

الخداع الإيراني ودعم محور المقاومة وفلسطين

لم تقتصر عمليات الخداع الإيرانية على إلحاق الخسائر بالعدو، بل كانت رسالة دعم قوية لمحور المقاومة وشعب فلسطين:

تعزيز الردع: أثبتت إيران أنها قادرة على مواجهة كيان الاحتلال قاتل الأطفال بذكاء ودقة، مما يعزز موقفها كركيزة أساسية في محور المقاومة إلى جانب حزب الله، أنصار الله، والمقاومة الفلسطينية.
دعم فلسطين: جاءت العملية كرد على جرائم الكيان في غزة والضفة، حيث قُتل أكثر من 60,000 فلسطيني منذ أكتوبر 2023، معظمهم أطفال ونساء. هذا الهجوم يؤكد التزام إيران بدعم القضية الفلسطينية حتى تحرير القدس.
إلهام المقاومة: شكلت الضربات الإيرانية حافزًا لفصائل المقاومة الفلسطينية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، لتكثيف عملياتها ضد الكيان، مما يعزز التنسيق بين مكونات محور المقاومة.

الحكمة القرآنية والسيرة النبوية: أساس الردع الإيراني

تستلهم إيران استراتيجيتها من القرآن الكريم وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام):

القرآن الكريم: يحث على الاستعداد والردع في قوله تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” (الأنفال: 60). هذه الآية تؤكد أن القوة أساس الردع، وهو ما طبقته إيران عبر تقنياتها المتقدمة.
صلح الحديبية: النبي (صلى الله عليه وآله) فاوض قريشًا من موقع القوة، مما أتاح للمسلمين تعزيز موقفهم، وهو درس يعكسه نهج إيران في الجمع بين ديبلوماسية الحرب النفسية والردع العسكري.
كربلاء: الإمام الحسين (عليه السلام) واجه الظلم بإرادة صلبة، مما يعزز أن المقاومة لا تتوقف حتى في مواجهة قوة متفوقة، وهو ما يتجلى في صمود إيران أمام العدو الصهيوني.

انتصار الذكاء الإيراني

نجحت القوات المسلحة الإيرانية في استثمار حربها النفسية والخداع الميداني لتوجيه ضربة موجعة لكيان الاحتلال قاتل الأطفال، عبر فخ محكم استنزف طاقاته وأربك استخباراته. هذا التكتيك أثبت فعاليته في حماية المنظومات الصاروخية الحقيقية، مع الحفاظ على قدرة الرد الفعّال، بينما يعاني العدو من خسائر استراتيجية يخفيها تحت غطاء التعتيم الإعلامي.

إن هذه العملية مثال واضح على تفوق التخطيط الاستراتيجي الإيراني، الذي يجمع بين الذكاء، الإبداع، والموارد المحدودة لمواجهة قوة عسكرية متفوقة تقنيًا. إيران، بدعمها لمحور المقاومة وشعب فلسطين، تؤكد أنها لن تتوقف حتى زوال كيان الاحتلال وتحرير القدس، محققة وعد الله: “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” (الروم: 47).
كاتب مختص بالشأن الايراني