نواف الزرو: في سياق الاعتداء الإسرائيلي على إيران: تحليل لمفاهيم بن غوريون وبيغن وديان حول الردع النووي!

نواف الزرو: في سياق الاعتداء الإسرائيلي على إيران: تحليل لمفاهيم بن غوريون وبيغن وديان حول الردع النووي!

 

 

 

نواف الزرو

تراكمت منذ سنوات الادبيات والتنظيرات الاسرائيلية المتعلقة بهواجس الوجود والبقاء، واخذ عدد من المفكرين والباحثين الكبار يستحضرون نظريات الآباء المؤسسين لتلك الدولة، وخاصة نظريات بن غوريون وديان وبيغن، واثار جنرالات وقادة “اسرائيل” ايضا مجموعة التهديدات الماثلة، واجمعوا على ان”ايران تشكل التهديد الاستراتي الاول لوجود اسرائيل”، وعلى هذه الارضية ممكن ان نقرأ المواجهة الحربية الارية اليوم بين ايران والكيان الذي يعلن من سنوات عن نواياه ومخططاته  الرامية الى تدمير المفاعلات والقدرات النووية الايرانية.
وفي هذا السياق الاستراتيجي -النووي- ايضا، كانت مجلة بماحنيه العسكرية الناطقة بلسان الجيش الاسرائيلي استحضرت ما كان جنرالهم موشيه ديان قد نظر له قائلا :”اننا/اي اسرائيل/ قلب مزروع في هذه المنطقة غير ان الاعضاء الاخرى /ويقصد العرب/ هناك ترفض قبول هذا القلب الوزروع  ..ولذلك لا خيار امامنا سوى حقن هذا القلب بالمزيد والمزيد من الحقن المنشطة  من اجل التغلب على هذا الرفض”، ويثبت ديان حقيقة كبيرة مؤكدا :” لقد زرعنا انفسنا هنا عن وعي ..وفعلنا ذلك  مع علمنا بان ميحطنا لا يرغب بنا ..ولكن الامر بالنسبة لنا حتمية حياتية…لان هذا القلب لا يمكنه ان يعيش في اي مكان آخر…”.
ولذلك ومن اجل حماية هذا القلب المزروع وضمان استمرار خفقانه، تبنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة:”أن امتلاك أي دولة عربية أو حتى شرق أوسطية للسلاح النووي أو مفاعل نووي لأغراض مدنية(سلمية) خطرا على مصالحها القائمة وعلى مستقبلها العسكري والاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ينسجم مع الخط السياسي الذي أكده مناحيم بيغين في “أن إسرائيل يجب أن تبقى مالكة مفتاح التفوق العسكري، وخاصة التفوق النووي عن طريق منع أي دولة في الشرق الأوسط امتلاك أو تطوير السلاح النووي”.
  وكان بيغين زعيم اليمين الاسرائيلي المتشدد و رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق قد طرح وعمم نظرية خاصة به جوهرها: “يتوجب على إسرائيل السعي بصورة فعلية إلى منع أي محاولة عربية لإنتاج سلاح نووي”، والتعبير الفعلي أي التطبيقي لهذه النظرية كان من خلال تدمير المفاعل النووي العراقي ” تموز” في 5 حزيران 1981 على يد سلاح الطيران الإسرائيلي، وقال بيغين في أعقاب هذه العملية:” نحن لن نقبل بأي شكل من الأشكال أو شرط من الشروط أن يقوم عدونا بتطوير سلاح دمار شامل ضد شعبنا/ مدار-16 /4/” 2006.
لذلك قامت الاستراتيجيات الأمنية الصهيونية  / الإسرائيلية منذ البدايات على:”بناء وتطوير قوة عسكرية إسرائيلية متفوقة تكون دائماً في حالة تأهب واستعداد لخوض المعارك والاعتداءات العسكرية ، وتتكون هذه القوة من سلاحين رئيسيين هما: السلاح التقليدي، والأسلحة الاستراتيجية غير التقليدية،  ولا يخفى أن القيادات الصهيونية / الإسرائيلية المتعاقبة طرحت وتبنت وعملت بـ”خيار الردع الاستراتيجي النووي “، وتمكنت عبر المراحل الزمنية الماضية من تطوير هذا الخيار، وبناء المنشآت النووية اللازمة لذلك ، وقد توجهت تلك القيادات لهذا الخيار لأنها ارتأت بان الاعتماد فقط على القوات والأسلحة التقليدية في مجابهة العرب غير كافٍ ، رغم ما حققته من انتصارات عسكرية على العرب في الحروب الماضية.
وكان موشيه ديان أكثر من تحدث في موضوع نظرية الأمن الاستراتيجي، ودرج على القول:” أن هناك حدوداً لعدد الدبابات التي تستطيع إسرائيل استيعابها ، وبالتالي يجب على إسرائيل أن تتبنى استراتيجية تقوم على أساس الردع النووي المشترك مع مبدأ استخدام القوة العسكرية التقليدية “.
 ولم يبق هذا التوجه لدى أولئك القادة الصهاينة توجهاً نظرياً، بل خرج إلى حيز التنفيذ، في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر مباشرة ، فعملية بناء المفاعل النووي في ديمونه في جنوب فلسطين المحتلة أصبحت من المعلومات البدهية ، ” إذ تم بناء هذا المفاعل سراً على أيدي الفرنسيين في الفترة الممتدة بين عامي 1957-1964 ، وقالوا في بداية الأمر أن هذا مصنع تكستيل – نسيج – ، وذلك حتى العام 1960، عندما التقط القمر الصناعي الأمريكي سبوتنيك    يو-2- صوراً للمفاعل ، وأجبر ديفيد بن غوريون على الكشف عن المفاعل أمام الأمريكيين “،  كما تم الكشف في مراحل مختلفة عن المنشآت النووية الاخرى في الكيان الإسرائيلي .
نظرية بن غوريون في الردع النووي
 ولعل المحور الاهم في استراتيجية الأمن الإسرائيلية، تمثل في السياسة الهجومية – الاستباقية التي تبناها وعمل بها زعيم الكيان الإسرائيلي الأسبق دافيد بن غوريون، والتي غدت تشكل مع الزمن جوهر النظرية الأمنية الإسرائيلية، وهي النظرية التي نفذها وجسدها اتباع بن غوريون من بعده.
لعل الأساس الأهم الذي بنى عليه بن غوريون سياسته الأمنية التي أصبحت بمثابة ” النظرية الأمنية ” التي تقود وتوجه الجيش الاسرائيلي، يكمن في: “أن الكيان الإسرائيلي يوجد ويعيش في حالة خطر دائم، ولذلك لا بد من افراز الحلول اللازمة  والضرورية للحفاظ على وجود ذلك الكيان وحمايته واستمراره في وجه الأخطار المحدقة به “.
وفي السياق، اعتبر الزعماء الإسرائيليون أن همهم الأول يجب أن ينحصر في مسألة تحديد أنواع السياسات الأمنية التي ستكون أكثر ملاءمة، وأكثر صموداً لتعزيز وتثبيت قدرة “إسرائيل” العسكرية بصورة عامة، وعلى أساس الحفاظ على التفوق العسكري الدائم في وجه الدول العربية التي تحاصر الكيان الإسرائيلي كحد أدنى أو تجاه جميع دول الوطن العربي.
لقد أدرك بن غوريون أنه لن يستطيع حل جميع المشاكل بالوسائل العسكرية المجردة ومره واحدة ، وفي هذا النطاق عبر عن ذلك بقوله:” من جانبنا ، لا يمكن وجود معركة أخيره، أننا لن نستطيع توجيه ضربة قاضية للعدو، ولن تكون هي المعركة الأخيرة، وبعد حرب تقع ونخرج منها منتصرين سوف نعود لنواجه نفس المشكلة “، ثم استطرد قائلاً :” العرب مع ذلك، وبعد الأخذ بعين الاعتبار مسألة ميزان القوى يستطيعون تبني المعركة الأخيرة في نظريتهم الأمنية على عكس إسرائيل ، حيث أنهم قد يتمكنون من توجيه ضربة قاضية لإسرائيل وإنهاء وجودها بشكل جذري ”  .
ولذلك لم يكن أمراً غريباً أن يخرج بن غوريون واتباعه من بعده، باستنتاج مبني على الأقوال آنفة الذكر، يعزز لديهم ضرورة  بلورة سياسة أمنية إسرائيلية يكون في مقدورها إفشال وإحباط كل محاولة عربية او اسلامية لاجتياح حدود دول الكيان الصهيوني / الإسرائيلي، أو حتى الاقتراب من هذه الحدود لتقويض ذلك الكيان أو فصل أجزاء منه أو ضرب التجمعات السكانية فيه، وبعبارات أخرى تبنى القادة الإسرائيليون منذ البداية وما يزالون سياسة قوامها ” الأمن المطلق ” لأنفسهم ولدولتهم.
الكاتب يونتان شمئور كثف المضمون في معاريف- الإثنين 6 / 07 / 2009 قائلا:” كل من يتخيل نفسه في مكان العربي من المحيط، يصل فورا الى ذات الاستنتاج: اسرائيل، في نظره، مختلفة، غريبة، محتلة، ناجحة، ومتعالية، فلتختنق، من اجل التصدي لهذا الواقع الحزين، بن غوريون طور الاستراتيجية الأمنية والسياسية لاسرائيل: علينا ان نكون أقوياء جدا، وهكذا نمنعهم من الانتصار في ميدان المعركة، هذا كل شيء، هذه هي الاستراتيجية: منها تنشأ السياسة، الميزانية، الجيش، الاحتياط وطرائق القتال”.
البروفسور الإسرائيلي المناهض للصهيونية ” يسرائيل شاحك ” كان خير من شرح الاستراتيجية الصهيونية  حيث  قال : ” ان الهدف الرئيسي للسياسة الإسرائيلية هو السيطرة  الإقليمية على الشرق الأوسط بأكمله … والمخطط الإسرائيلي هو تحييد الفلسطينيين والسيطرة التامة عليهم، حتى تتفرغ إسرائيل لتحقيق اهدافها  الحقيقية،  والسيطرة على الشرق الأوسط أكثر أهمية في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي .. ومن أهم وسائل إسرائيل في تنفيذ مخططاتها هو النفوذ الإسرائيلي على السياسات الأمريكية “.
   وعن الأسلحة الاستراتيجية أضاف شاحك:”ان إسرائيل لا يمكن أن تسمح لأية دولة في الشرق الأوسط بتطوير إمكانيات نووية، وتعطي لنفسها الحق في استخدام ما تراه مناسباً  من وسائل لمنع مثل هذا الاحتمال حتى تظل في وضع احتكار السلاح النووي وامتلاك الرادع النووي دون منازع “.
ومن اجل ذلك “تسلحت إسرائيل بالأسلحة النووية وتبنت نظرية ” خيار شمشون ” أي علي وعلى أعدائي ، وكل ذلك يعني الخشية الدائمة من خطر الزوال”.
وتأتي في هذا السياق الاستراتيجي الاسرائيلي ضد امتلاك العرب او اي دولة اسلامية اخرى في الشرق الاوسط التكنولوجيا النووية، سياسة اغتيال وتصفية علماء الذرة العرب وغيرهم من المتعاونين معهم، وكذلك اغتيال عدد كبير من علماء الذرة الايرانيين في العدوان الجااري وقبله، والسجل الارهابي الاسرائيلي على هذا الصعيد حافل بالاغتيالات التي يصل عمرها الى عمر الدولة الاسرائيلية واكثر…!
[email protected]