علي سيريني: لماذا يجب عدم معارضة إيران في هذه الحرب؟

علي سيريني
قد نختلف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية قليلا أو كثيرا، وننقد سياساتها في المنطقة، ولا نتفق مع الكثير من تصوراتها و ممارساتها، ولكن هل يجوز لنا أن نقف ضدها في هذا المنعطف التأريخي الحاسم؟ وهل يبرر إختلافنا معها أن نقف ضدها وهي تتعرض اليوم إلى عدوان خارجي واضح تشارك فيه القوى الغربية كما شاهدنا في أمس قريب ضد العراق، ليبيا، أفغانستان وسوريا؟
منذ عام 2006، كتبت باللغتين الكُردية والعربية مقالات كثيرة في نقد إيران وسياساتها في منطقتنا. ولكن بالمقابل حذرت أن التشفي بإيران خلال إصطفاف رخيص مع القوى الخارجية، يشكل كارثة كبرى لن نجني منها سوى الخيبة والخسران. قبل كل شئ، لا نحتاج إلى دليل أننا كشعوب هذه المنطقة، نعيش أسوأ واقع من بين جميع أمم الأرض، حيث حط الخراب والتشرذم والإحتلال والدمار والنهب والمصائب رحالهن، في سماواتنا وأراضينا. من المسلمات غير القابلة للتشكيك هو أن إي إحتلال خارجي لأي بلد، لا يحمل أي خير، ولا أي قصد شريف. ولدينا في منطقتنا تجارب كثيرة، على أقل تقدير منذ سقوط الدولة العثمانية، إذْ تعاقبت قوى الإحتلال الخارجي على السيطرة على منطقتنا، فما وجدنا منها غير الخراب والنهب وإشعال الفتن بين شعوبنا. أي إن الإحتلال الخارجي لا يحمل خيرا البتة، وتجارب التأريخ تغنينا عن التحليلات والشروح. فبساطة الوضوح في هذا لا تحمل غموضا.
إن هدف امريكا وإسرائيل والغرب عموما هو إسقاط النظام في طهران، ولكنه ليس الهدف النهائي. فإستراتيجية هذه القوى تكمن في تدمير إيران وتفكيك مقدراتها، وتحويلها إلى عراق آخر من التشرذم والإنقسام والفساد والخراب. والهدف الأكبر وراء ذلك، هو تعميم الإنقسام والضعف والإنكسار على جميع مكونات المنطقة، وبالتالي قتلُ أي همّة في نفوس أبنائها نحو مستقبل واعد ومزدهر. إن إيران تملك رصيدا ضخما من الحضارة والتأريخ والعطاء على جميع الأصعدة. فهي بلاد جميلة وغنية بالعطاء الذي مد البشرية بالكثير، منذ الدولة الميدية ومن ثم الإخمينية والساسانية ووصولا إلى العصر الحديث، مرورا بالدولة الصفوية. ففي هذا البلد، إلى جانب الغنى الحضاري والتأريخي، هناك مخزون ثقافي كبير، وإنتاج وفير في جميع المجالات والإحتياجات البشرية.
في أمس قريب، حين وعد الأمريكان بعراق ديموقراطي مزدهر ومسالم، فانقضوا عليه كالوحوش وأسقطوا نظامه، وجدنا العكس هو الصحيح. فأمريكا دمرت العراق وبنيته التحتية، ونهبت ثروات البلاد، بل وحتى المتاحف والمقتنيات التأريخية الثمينة لم تسلم من براثين شرهم. وتركت أمريكا البلد والناس لمجموعة مرتزقة قامت تنهب الثروات، وتحولها إلى بنوك الغرب في عمليات سرقة لا تستحي من كونها مكشوفة. كما اغتالت أمريكا وحلفاؤها المئات من علماء العراق، وأجبرت الألاف على الهجرة القسرية في ظل الظروف التي خلقتها في العراق. بينما ملايين العراقيين أصبحوا جوعى ومشردين، يشحذون الخبز في بلاد العالم. لذلك ففي راهن أيامنا، نجد الشعب العراقي يبكي دماً، حسرةً على هذا البلد وخيراته، حيث هو مهد الحضارة البشرية على الإطلاق. شاهدت بعيني تدمير طائرات أمريكا للبنى التحتية في العراق، ومن ضمنه منطقة كُردستان في عام 1991، ومن بعد ذلك في عام 2003.
إن جميع خلافاتنا ومؤاخذاتنا على النظام في إيران، لا يسمح لأي واحد منا أن يصطف إلى جانب العدوان ضد هذا البلد الذي هو جزء من تأريخنا ومنطقتنا وثقافتنا. وعلى الجميع أن يتعظ بما حدث في العراق وليبيا والبلدان الأخرى، ويعيد حساباته وفق مصالح منطقتنا الأساسية والتأريخية، والأسس الحضارية المشتركة بين أبناء منطقتنا، وليس وفق ردات فعل عدوانية ناتجة عن الإنقسامات والحروب الطارئة في منطقتنا، والتي تضبب رؤيتنا الصحيحة ووعينا التأريخي تجاه مخاطر القوى الخارجية.
إنها جريمة كبرى أن يفرح أي واحد بما يحدث لإيران. والأجرم من ذلك هو المشاركة في هذا العدوان ضد هذا البلد، لأن الهدف الإستراتيجي والأساس لهذا العدوان هو تدمير الإنسان في هذه المنطقة، وتفريغ بلادنا من الخير والإمتداد الحضاري الذي يمد أجيالنا بالطاقة والقوة، لبناء مستقبل جميل يعكس الرسالة السماوية والحضارية التي تحثنا على السلام والعدل وتقديمهما للبشرية جمعاء. إن الصراعات الداخلية وأخطاء الأنظمة في بلادنا، ومنها النظام في إيران، دفعت للأسف مجاميع شعوبنا نحو اليأس والسبات إزاء مخاطر القوى الخارجية. لكن المخزون العميق لمشتركاتنا الدينية والحضارية والثقافية والتأريخية، فضلا عن التجارب التي مررنا بها في الأعوام التي مضت، والعقلانية في فهم الأمور، ستمدنا بلا شك بمؤشر الصواب نحو الموقف الصحيح الذي يقول لنا إن بداية الأبجدية في ذلك تكمن قبل كل شئ في تعريف الإحتلال الخارجي كشر مطلق، ورده كواجب غير خاضع للجدل، وإقامة السلام بين مكونات المنطقة واجبا لا مفر منه، وحل القضايا العالقة من الأولويات الملحة التي لا تقبل أي مناورة أو مماطلة.
إن المسؤولية التأريخية تستدعي أن يتكاتف الجميع من شعوبنا ومكونات المنطقة، في رد العدوان، وعدم السماح بتكرار تجربة العراق في إيران. وعليه، ومن المسؤولية نفسها يتحتم على الجمهورية الإسلامية إقامة مراجعة شاملة لسياساتها الداخلية والخارجية، نحو بناء جسور التواصل والحوار مع شعوب إيران، وبناء نظام جديد يقر بحقوقهم، فضلا عن تصحيح العلاقة مع شعوب المنطقة. وهذا سيبني سداً منيعاً أمام خبث القوى الخارجية التي تتخذ من حقوق الإنسان والشعوب، ذريعة للتشهير بدولنا التي فقدت الكثير من قوتها وطاقاتها، في عبث مؤسف، وإنتحار بطئ بدى للأقوى زهوا بنصرٍ آني وللأضعف بنقمة على الذات والمحيط، في أحقاد تراكمت في صراعات داخلية نعيش حصادها المر في أيامنا. إذا نجحت الحملة على إيران في إسقاط النظام، ستكون تركيا الهدف القادم لبث الخراب فيها. لهذا، فإن الحكمة البليغة التي تحتاجها إيران وتركيا، هي الإسراع في إقرار صيغة الحكم الذاتي أو الفيدرالية لمنطقة كُردستان في كلا البلدين، للحيلولة دون إعطاء قوة كامنة للدول الخارجية فتستحوذ عليها ضد منطقتنا، بسبب إقصاء وتهميش الشعب الكُردي لعقود متعاقبة منذ إنقلاب أتاتورك الكارثي.
لا مفر من بذل أقصى جهدنا لبناء المستقبل لأبنائنا، ولا يكون هذا إلا بالتعاون والتكاتف والسلام والإعتراف المتبادل بين شعوبنا ومكوناتنا، وإعادة بناء العلاقة بينها وفق قواعد متينة ومشتركة تمتد لعشرات القرون.